fbpx
الدولة والمقاومة التنازع المستمر

 

يحتفي الجنوبيون بحملة إستعادة العاصمة عدن بكونها رمزاً للوحدة الوطنية وتجسيداً لها..على الرغم من هذا التفاؤل حتى لو هزمت القوى المعادية كما بات مرجّحاً قد يواجه الجنوب تحديات جمّة منها أزمة الثقة بين الدولة وموظفيها وأزمة الثقة بين الجنوبيين والنزاع على الزعامة السياسية داخل أبرز الجماعات الميليشاوية المنبثقة من الحرب ومابعده والتي مثلت الهوة بينها وبين السلطة

أزمة الثقة هذه بين الشرعية وقيادات لها شعبية ناجمة عن عقود من سياسات إقصائية وقمع عنيف وإستهداف السلطات المركزية لقوى محدّدة أصبحت اليوم مشاركة في الحكم ثم جاء القمع الشرس للقوى الحراكية في عهد الرئيس السابق ليساهم بقوة في إنتقال إحتجاج المحافظات الجنوبية ذات الغالبية الجماهيرية من العمل السلمي الذي اتّسمت به في فترة مابعد 2007م إلى التمرّد المسلح وفاقمت سرعة وقوع مساحات شاسعة من المناطق في قبضة الحراك الجنوبي .

 

وبالتالي يقتضي استحالة  دون عودة أنصار الحراك الجنوبي أو ماتسمى اليوم بالمقاومة النزول على مطالب رئيسة بما في ذلك وقف الإقصاء السياسي وإصلاح قانون مكافحة الإرهاب. ثم أن تعاون الحكومة مع الحراك وتحديداً الشباب  سيكون كذلك عاملاً بارزاً في طمأنة الشارع . بيد أن التحدي الأبرز في جنوب اليوم هو التغيّرات في هيكلية السلطة التي تحكم علاقات العاصمة بالمحافظات والجماعات المسلحة لكي لا تصبح المناطق المجاورة للعاصمة عدن طوّر أشكالاً خاصة من الحوكمة على وقع تفاقم التنافس الإقليمي على النفوذ والتدخلات الخارجية من طرف إيران من جهة والتحالف العربي بقيادة السعودية من جهة أخرى.

 

في هذا السياق تُعتبر العلاقة بين عدن ومختلف المناطق جوهر المناقشات حول مرحلة ما بعد الحرب وفي حين يستسيغ كل من يحاول النيل من هيبة الدولة الحدّ من سلطة الحكومة المركزية في عدن وغيرها من المحافظات المحررة تسعى القيادة التي تهيمن عليها الشرعية إلى الحفاظ عليها ..!! لكن إنتهاج عملية سياسية إقصائية في مرحلة ما بعد الحرب  ورفض لامركزية السلطة في المناطق المحررة كما هو مكرّس في توجهات السلطة الشرعية يؤجّجان على الأغلب لهيب العنف والاعتداء على مؤسسات الدولة ثم أن تمركز قوات المقاومة وإنتشارها في مناطق يغلب عليها الجيش النظامي سترفع وتائر تأييد الإرهاب  (وغيره من الجماعات المتطرفة) التي سيبقى إرثها في المجتمع الجنوبي بعد زوالها. لا توجد أزمة ثقة بين الجنوبيين أنفسهم  وشرعيتهم وحسب بل كذلك بين الكتل والجماعات المقاومة نفسها ففي الآونة الأخيرة تعاظمت في بعض المناطق عسكرة جنودها في خضم سعيها إلى توفير الحماية الذاتية وهو مازاد تمدّد الجماعات وعديد قوات المقاومة وهذا وجه من وجوه العسكرة التي تطال كذلك من الجيش النظامي السابق فلا بد من  السعي إلى إحكام القبضة على المناطق المحررة وبالطبع تفاقم مثل هذه الأعمال الشقاق في المجتمع الجنوبي وتدقّ الأسافين بين مكوناته وأطره لكل ذلك ستكون فرص السلام في مرحلة قادمة موضع شك من دون مراجعة شاملة للعلاقات بين الفرقاء عبر تبنّي سياسات اكثر إدماجاً للجميع.

 

صحيحٌ أن الشقاق السياسي والإنقسامات الداخلية ليست أمراً طارئاً على القيادات الجنوبية اليوم إلا أن الضرورة الملحة في أن يبسط الأمن النظامي نفوذاً ميدانياً يرجح كفته ويوفّر له رافعة لتحدي خصومه السياسيين أو لنقل من يخل بالسكينة بوسائل لم يحزها من قبل دون التوسّل الى أحد أو الاستعانة بجهات غير نظامية سيرسم هذا الحزم ملامح القوة الصاعدة للأمن طالما والرئيس يرمي إلى عدد من الأهداف التي تحدد توجه الدولة المدنية بل يرمي أيضاً إلى وضع أي توجه مواكب للدولة المدنية تحت راية النظام والقانون مباشرة وإجهاض طموحات بعض القوات والتكلات الغير نظامية وحتى لا يصبحوا أمراء حرب نافذين وتأتمر بقيادتهم أعداد كبيرة من الجنود وفي متناولهم خيوط دعم يعتّدوا بها ويتمتعون بنفوذ سياسي يضاهي القوات الحكومية وألا  تتعاظم طموحات هؤلاء القادة وتحتدم بينهم منافسة تنتهي إلى ما لايحمد عقباه فيتعذّر عليهم بناء حياتهم من جديد وكسب رزقهم وبالتالي قد يؤدي الغضب الشعبي من غياب الخدمات والأزمات المتوالية مع الوقت إلى تمرد جديد..

 

قد يبدو التغيير عسيراً في ضوء الوقائع  السياسية والعسكرية الحادة التي تعصف بالوطن لكنه ضروري بفعل وجود حاجة ماسّة حريٌّ بالنشطاء والشباب ووسائل الإعلام هجر الإنقسامات الفيسبوكية المؤججة والتجييش الإعلامي المعادي  الذي شق صفوفهم حتى اليوم والمساهمة في صوغ رؤية تنزل على مقتضيات كثيرة ومنها الإعتراف بإن النقاشات حول هدف بناء الوطن هو أمر صعب لكنه أساسي لجسر التباين واللامساواة في الحكم بين القوى المعارضة من شأنه مدّ جسور الثقة بين الجنوبيين ودمل الجروح التي أثخنهم بها  الصراعات وحب الذات ربما تكون هذه الفرصة قد أيقظت الجنوبيين إلى ضرورة رصّ الصفوف إن لم تدفعهم إلى الإجماع على مستقبل وطنهم .