fbpx
جثة تحاكم أمة

بالنسبة لوزير يتمتع بكثير من الضعف، وقليل من الحصافة والدبلوماسية، كوزير خارجية الحكومة الشرعية، عبد الملك المخلافي، فإن سقوط عشرات القتلى في جبهة ذوباب وباب المندب، وفي مقدمتهم القائد الشهيد عمر سعيد الصبيحي، ومعه عدد من الجنود ممن لا زالوا في مقتبل أعمارهم، كل ذلك ليس سوى للضغط على المليشيات للعودة إلى المفاوضات، نافياً ضمنياً ما تردده حكومته عن إصرارها على النصر وإنهاء الإنقلاب، وإن كانت خيالية في أحلامها تلك. بكل بساطة، ومن وجهة نظر الوزير في حديثه لقناة “العربية” البارحة، فإن التضحية بقائد كالصبيحي ثمنها أن يكافأ هو – الوزير- برحلة سياحية إلى دولة أوروبية أو عربية هدفها المعلن التفاوض مع المليشيات لحل الأزمة اليمنية، والنتيجة حتماً فشل المفاوضات، والعودة إلى الحرب مجدداً، ليسقط شهداء جدد فتبدأ رحلة تفاوض أخرى.

 
وذات الحال بالنسبة لأمراء الحرب المتخمين مادياً، المهزومين عسكرياً على أرض المعركة في تعز؛ المدينة التي يحتلها ويحاصرها فصيل غير قليل من أهلها المشبعين بثقافة الولاء والانتماء للانقلاب، لا للشرعية، فإن التضحية بكوكبة من رجال الجنوب بالنسبة لهؤلاء، إنما هي مناسبة لإعادة تدوير نفاياتهم، وادعاء انتصارات وهمية ليسوا هم أصحابها. مثل هؤلاء لا يتوانون عن الإدعاء زيفاً أنهم أصحاب النصر، ولذلك فهم لا يخجلون – إن استدعت الحاجة الإعلامية – من النزول إلى الجبهات الهامدة لالتقاط الصورة الساخنة، وتوزيعها على القنوات الموالية، دون أن يستشعروا خجلاً قليلاً من أن جثامين صناع النصر، إن كان هنالك نصر، ما زالت مسجاة في ميادين المعركة، أو ربما غدت في قبضة الخصم، ولم يحصل عليها ولم يتسلمها أهلها بعد.

 
وليس بعيداً يتكرر ذات المشهد في خطاب بعض الأحزاب ووسائل إعلامها الضخمة. فحزب كـ”الإصلاح” وإعلامه يتصرفون وكالعادة بانتهازية ولصوصية. فقادتهم وإعلامهم ومحللوهم المنتشرون على امتداد العالم “الإخواني” تصاب أعينهم بالعمى، فلا يرون الدماء المراقة على أرض المعركة، ولا يعلمون شيئاً عن الجثث التي تتفحم، ويصيبهم الصمم فلا يسمعون أنات الأبناء وبكاء الأرامل والثكالى ممن لا يبتغين سوى إلقاء النظرة الأخيرة على من فقدن من ذويهن، لكن هؤلاء يرون أقزامهم في “مقايل” القات في مأرب، وجبهات تعز المشتعلة إعلامياً والهادئة حد السكون قتالياً، ليتحدثوا عن مجد ليس من صنعهم.

 
إعلام “الإصلاح” الذي صنع من قضية مقتل حميد القشيبي أعظم قصة استشهاد في تاريخ الحروب، عجز ولو بعبارة واحدة أو صورة عابرة عن ذكر ملحمة استشهاد الصبيحي الذي قدم روحه بفدائية وشجاعة لا يستطيع أصحاب الكروش المنتفخة أن يأتوا بالجزء اليسير منها. وكما سقط “الإصلاح” ووزيره المنتمي اسماً للناصري، سقط الحوثي وصالح في الإمتحان الأخلاقي وهم يجعلون من جثمان الشهيد الصبيحي وسيلة ابتزاز واستفزاز لمشاعر ذويه ومجتمعه، محاولين تعويض انكساراتهم العسكرية على أرض المعركة بانتصارات لا أخلاقية لا يقرها الدين، كما تأباها الفطرة السليمة والأخلاق القويمة.

 
الخلاصة أن عرضاً عابراً لشريط حياة الشهيد عمر سعيد الصبيحي يبين أنه، ومنذ سنوات سبع ونيف، نجح الشهيد ورفاقه من قادة الحراك الجنوبي السلمي في فضح همجية قوات صالح وحليفه “الإصلاح”، فهزموها في ميادين النضال السلمي أخلاقياً ونفسياً، حتى أسقطوها عسكرياً في عموم محافظات الجنوب. وهاهو الشهيد، وقد غدا جثة هامدة في ميادين القتال ومعه عدد من رفاقه الذين قضوا في قصة استشهاد خالدة، يحاكم ويدين هؤلاء جميعاً ويفضحهم مجدداً، وقد بدوا في صورة لا تقل بشاعة عما كانوا عليه قبل سنوات سبع وأكثر.