fbpx
يمننةُ الجنوبِ …حقيقةٌ تاريخيةٌ وأُغلوطةٌ سياسيةٌ
شارك الخبر

بقلم – خالد الحنشي.

 

احتدم الجدل واشتد السجال في السنوات الأخيرة حول هوية الجنوب بين فريقين لا يخلو كلاهما من تجاوزات وتضليلات وقفز على حقائق التاريخ وبديهياته لأغراض سياسية بحتة لا تمتّ إلى حقائق التاريخ بصلة.

ومن خلال النظر في طروحات الفريقين : القائل منهما بالجنوب العربي، والقائل بالجنوب اليمني نجد المكابرة والتعصب للموقف السياسي قد أدى إلى ظهور الكثير من البحوث والنظريات من قبل الطرفين بما يشبه الهذيان في متاهات الهوية بقصد التزييف عن دراية أو عن جهل فضيع بالتاريخ .

 

وقد أحببنا الفصل بين الفريقين بقلم الإنصاف وموضوعية الطرح ومنطقية الاستشهاد احتراماً للحقيقة وإكراماً للتاريخ والتراث العربي والإنساني من رجس الأهواء ودنس السياسة.

 

إن كافة المصادر التاريخية رغم اختلافها في تحديد التاريخ الدقيق لظهور اسم اليمن وسبب التسمية إلا إنها تكاد تجمع على أن بداية ظهوره كانت في خلال حوالي قرنين قبل الإسلام على أبعد التقديرات أي في حوالي القرن الخامس الميلادي وما بعده.

ولم يكن اسم اليمن موجوداً قبل هذا التاريخ، وكانت الدول والممالك اليمنية القديمة تسمى بأسماء ملوكها كحضرموت وسبأ ومعين .

وأول النصوص المسندية المكتشفة تشير إلى اسم (يمنت) وقد وُجِدتْ مقرونة بكلمة (شامت ) و شامت تعني الشمال وبهذا تكون يمنت هي المناطق الجنوبية والساحلية بحسب المحققين، ويعود هذا النقش الحميري إلى أواخر القرن الثالث للميلاد.

 

وفي عهد الإمبراطورية الرومانية كانت اليمن تُعرف باسم العربية السعيدة في أدبيات الرومان والإغريق(اليونان) .

وتؤكد المعلومات التاريخية أن قريش هم أول من تداول اسم اليمن كمفهوم للناحية والاتجاه ولتحديد مواقع الأماكن ؛ حيث أطلقوا على أحد أركان الكعبة المشرفة الركن اليماني لاتجاهه نحو اليمن كما سمّوا الركن الشامي لاتجاهه نحو الشام كما استخدموا كلمتي اليمن والشام في تحرير الوثائق والعقود ، فاليمن تعني لهم اليمين أي الجنوب والشام تعني الشمال .

ولا يزال أهل الأرياف عندنا يحددون مواقع الأرض في البصائر والوثائق عند تحريرها بقولهم : قبلي وبحري أي شمالاً وجنوباً .

ففي البداية أطلق القرشيّون على ما كان جنوبهم اسم اليمن وبدأ هذا الاسم يتمدد حتى وصل إلى عمان شرقاً والإمارات العربية المتحدة حالياً وإلى مناطق جنوب المملكة العربية السعودية.

 

وهكذا ظل اسم اليمن يطلق على تلك الرقعة الجغرافية الواسعة من جنوب الجزيرة العربية .

وإن أُخرجتْ عمان وما جاورها من الناحية الشمالية من مسمى اليمن في أدبيات العصور الوسطى إلا أن المنطقة الممتدة من عسير حتىظفار ومن نجران إلى عدن ظلت ملازمة لاسم اليمن منذ ما قبل الإسلام وحتى يومنا هذا سواء عند المؤرخين العرب أو اليمنيين ، وفي التراث العربي والإسلامي داخل اليمن وخارجه ، وكما ينص على ذلك موروثنا الديني المقدس في كثير من أحاديث نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم-من خلال الوقائع والشواهد التاريخية أنذاك.

 

وقد ظل الإنسان اليمني شمالاً وجنوباً ولا يزال يفخر ويعتز بهويته اليمنية ؛ لما لها من علاقة وارتباط وثيق بتاريخة وتراثه الأصيل.

 

لكن ما يجب التوقف عنده ووضع ألف علامة استفهام أمامه هو: هل اليمن تسمية جغرافية أم سياسية؟

 

يجب أن نعلم أن اليمن اسم جهوي جغرافي فقط كما هو الشام ولم يكن اسماً لدولة أو كيان سياسي طيلة التاريخ القديم والوسيط وكل الدول التي نشأت على أرض اليمن لم تحمل اسم اليمن إطلاقاً بل كانت تسمى بأسماء ملوكها ومؤسسيها إلى أن قام الإمام يحيى بن حميد الدين بتسمية مملكته بالمملكة المتوكلية ” اليمنية” بدلاً عن الهاشمية وذلك في مطلع القرن العشرين وتحديدا فيً 1918م وهي المرة الأولى التي يرتبط فيها لفظ اليمن بكيان سياسي ثم ظهرت بعد ذلك الجمهوريتان في الشمال والجنوب تحمل كل منهما اسم اليمنٌ.

وقد أدى هذا التداخل والتزاوج بين التسميتين السياسية والجغرافية إلى لبس وخلط عند بعض تيارات الحراك الجنوبي ففضلت النأي بالجنوب وسحبه من الهوية اليمنية معتقدة أنها بذلك القفز العالي ستنجز أول خطوة في طريق الاستقلال من خلال نفي أي صلة باليمن الشمالي وهذة نتيجة اللبس وقصور الفهم حيث أن اليمن التاريخي كبقعة جغرافية يظم الشمال والجنوب وهو هوية إجبارية لا يستطيع أحد الهروب منها ولسنا من أخترناها كما لم نختر قبائلنا وآباءنا وأشكالنا.

وهل يستطيع السوري أن ينكر شاميته؟

وثمة فرق بين القول : أن الجنوب لم يكن يوما من الأيام يسمى باليمن ! وهذا اعتداء على التاريخ.

وبين القول : أن الجنوب يجب إخراجه من اسم الجمهورية اليمنية وفي هذا سبيل مشروع ، إذ أن من حق الشعوب أن تقرر مصيرها كيفما تشاء وبالطريقة التي تختارها وتنبع مشروعية ذلك من إرادة الشعب نفسه ، لكن ليس بتغيير الحقائق وتزييفها.

وكون هذه الرقعة الجغرافية يجمعها اسم اليمن لا يلزم منه أن تكون دولة واحدة وأقرب الأمثلة لذلك الشام قرين اليمن فهو اليوم أربع دول ولكل منها اسم مستقل ولم تنفي أي دولة منها اسم الشام عنها.

وخذ مثالاً على ذلك قارّات العالم فهي مسّميات جغرافية ولم يقل أحد : أن دول آسيا يلزمها أن تكون دولة واحدة لأنه يجمعها اسم آسيا !

ومن ينفي يمنيّة الجنوب الجغرافية فهو يظن أنه إذا أقر بأن الجنوب يمني فإنه يلزم أن يكون اليمن دولة واحدة بسبب واحدية الاسم، وبذلك يسقط حق تقرير المصير !!! وهذا اعتلال في التفكير، وشتان بين هذا وذاك.

وللجنوب أن يتسمى بأي اسم كان بعد أن ينال استقلاله لأن دخوله الوحدة كان باسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وحين تطالب بعض التيارات الجنوبية باستعادة الجنوب العربي فهي تطالب بشيء غير موجود أصلاً عند توقيع اتفاقية الوحدة المشؤومة فضلاً عن أن حضرموت والمهرة لم تكونا يوماً ضمن اتحاد الجنوب العربي الذي أنشأته بريطانيا في فبراير 1959م.

وقد يشطّ البعض زاعماً أن الجنوب العربي هو الاسم السائد للجنوب منذ القدم وهذا جهل فاحش بالتاريخ ولو قرأوا التاريخ يوماً واحداً لوجدوا أن مصطلح عرب الجنوب أو العربية الجنوبية أُطلق على سكان جنوب الجزيرة العربية عمان واليمن جميعها وذلك في مقابل عرب الشمال الذين هم سكان الحجاز ونجد والشام.

 

وأما الفريق الآخر فيتمثل بذلك الحلف الشمالي البرجماتي الذي وجد الجنوب غنياً بثروات ومقدرات اقتصادية لا يتمتع بها الشمال وهو ما جعل الجنوب رافداً مهماً للاقتصاد الوطني والبقرة الحلوب لكثير من مراكز النفوذ في الشمال.

وهذه العوامل جعلت الشمال بكل أطيافه ومكوناته السياسية والاجتماعية يقف صفاً واحداً في وجه أي تحرك لاستقلال الجنوب.

ومن أبرز الوسائل التي سلكوها لمحاولة تعزيز الوحدة اليمنية وغرسها في عقول ووجدان الناس هي وسيلة العبث بالتاريخ وتزييف حقائقه الناصعة ليقنعوا الإنسان اليمني بأن اليمن عاش موحداً منذ فجر التاريخ ولم يتجزأ خلال تاريخه الطويل إلا في العصر الحديث بفعل الاستعمار.

وقد سخروا لهذه المهمة جمعاً كثيراً من الكتاب والإعلاميين والباحثين للتضليل والتدليس حتى طال التزييف وشمل كافة مناهج التاريخ الدراسية دون مراعاة للأمانة العلمية.

وبالنظر في التاريخ بعين البصيرة والحياد لم نجد هذه الوحدة التاريخية المصطنعة حيث ظل اليمن القديم مقسماً إلى عدة دول وهي الدول والممالك اليمنية القديمة المعروفة عدا عملية التوحيد التي قام بها الملك اليمني القديم أبي كرب أسعد الملقب بأسعد الكامل وذلك في القرن الرابع الميلادي وتجاوز ملكه حدود اليمن الحالي واستمرت هذه الوحدة حوالي قرن ونصف تقريباً ثم عاد إلى سابق عهده ثم جاء الإسلام فأصبح اليمن ولاية من عدة مخالف تتبع الدولة الإسلامية ثم ظهرت فيه عدة دول متناحرة في العصر العباسي وما بعدة إلى أن تمت وحدة الظم والإلحاق عام 1990.

 

فأين اليمن الموحد منذ فجر التاريخ يا حلف صنعاء ؟!

 

أخبار ذات صله