fbpx
الإصلاح”… شريك غير مؤتمن

منصور صالح
ينتابني في أحايين كثيرة، ومثلي قطاع واسع ممن ابتلاهم الله بوباء متابعة أخبار الشرعية، شك يصل حد اليقين بوجود سر كبير يتحكم في ضبط “ترمومتر” العلاقة ما بين شرعية الرئيس هادي وحزب “الإصلاح”؛ سر يظهر من خلاله الرئيس هادي وكأنه يجتهد بما يفوق طاقته لمكافأة حزب “الإصلاح” على شيء يجهله الناس، أو بالأصح على شيء لا يبدو مرئياً ولا محسوساً لهم.
في كل حزمة القرارات الأخيرة، الممهورة بختم وتوقيع الرئيس هادي، لا يحتاج كل من لما يزل بعد في طور تعلم ألف باء السياسة لأي جهد أو عبقرية لكي يدرك أن هذه القرارات إنما تصب في مصلحة حزب “الإصلاح”، بهدف تمكينه من مفاصل دولة يمكن وصفها بالرخوة أو الميتة سريرياً.


ذات مساء، أزعجني شيطان الكتابة فكتبت بقسوة عن سيطرة ملائكة “الإصلاح” في الرياض لا سيما في مؤسسة الرئاسة، التي يشغل فيها القيادي الإخواني، علي محسن الأحمر، قبل عودته مؤخراً إلى “اسطبل” خيول المؤتمر الهرمة، موقع نائب الرئيس، حيث أشرت لحظتها إلى قدرة هذا اللوبي على تمرير جملة من القرارات الجمهورية، التي صب معظمها في اتجاه تمكين “الإصلاح” من مختلف المناصب والمواقع الحساسة في السلك الدبلوماسي، بعد تمكينها مسبقاً من كل مؤسسات الإعلام الشرعية.


لم تمض ساعات بعد نشر ما كتبت، حتى خاطب إخواننا من “إخوان الرئاسة” في الرياض جهة رسمية ما في عدن محتجين ومعاتبين، معتبرين ما كتب عنهم استهدافاً وهجوماً لا يستندان إلى واقع، وإضراراً بنسيج جبهة الحرب ضد مليشيا الحوثي وصالح، ضحكت ساعتها، وقلت: ربما أكون قد تحاملت عليهم فعلاً.


ولأن الشيء بالشيء يذكر، فقد ذكرتني حزمة قرارات الرئاسة يوم الأربعاء بما سبق أن تحدثت عنه، بل الأدهى أن الوضع زاد استفحالاً وبصورة بدا الحال معها وكأن الرئيس هادي إنما يصدر قرارات تنظيمية في داخل حكومة أو هيئة حزب “الإصلاح” العليا، أو قل وكأن الرئيس لم يكن هو من أصدر هذه القرارات، وأن قادة “الإصلاح” قد وقعوا نيابة عنه أو أنهم بصموا بيد “رئيسنا” وهو نائم.
في كل العالم، لا قرار ولا تمكين لأي جماعة أو حزب سياسي من مفاصل مؤسسات الدولة إلا إذا كانت هذه الجماعة أو الحزب صاحبة تأثير وحضور في الشارع، وتمثل رقماً مهماً في مضمار السياسة، إلا أن الحال لدينا يمضي عكس ذلك. فهذا الحزب – “الإصلاح” – الذي تبخر من الساحة بعد ساعات من مقتل أحد أبرز قادته العسكريين، حميد القشيبي، ولم يسجل خلال 18 شهراً أي حضور فعلي له على جبهات القتال، وعناصره طوال المعركة تصقل سيوفها كما كان يفعل “عباس” في قصيدة الشاعر أحمد مطر حينما ظل يصقل سيفه ويلمعه رغم استنجاد زوجته به، بعد أن دخل اللص بيتها وراودها على نفسها، إلا أنه استمر في صقل سيفه وكأنه يستعد لمعركة لم يحن وقتها بعد.


لا شك في أن استئثار “الإصلاح” بمفاصل سلطات الشرعية لا يخدمها ولا يخدم الرئيس هادي، الذي يدرك قبل غيره أن “الإصلاح” شريك غير مؤتمن وغير فاعل على الأرض، رغم كل ما يحاول أن يحيط به نفسه من هالة إعلامية تجميلية لا تعكس الواقع بالمطلق.


سيكون من مصلحة الرئيس الذي تتعرض شرعيته لحملة استهداف أن يسارع لكسر الأصفاد التي كبله بها “الإصلاح”، وأن يدرك أن الواقع أفرز حلفاء آخرين هم أكثر صدقاً في ممارسة الفعل السياسي، وهم كذلك، وعلى النقيض من “الإصلاح”، أكثر فاعلية على الأرض وفيهم الكثير من المنفعة للرئيس ولـ”التحالف”.