fbpx
عدّة انفصال الجنوب… مكتملة
شارك الخبر

عبدالرزاق العزعزي:

الآن بات الأمر واضحًا. إن فصل جنوب اليمن عن شماله هو أحد أهداف “التحالف العربي” الذي تقوده السعودية ضد جارتها ليمن.

نقل البنك المركزي اليمني من العاصمة صنعاء إلى العاصمة المؤقّتة عدن لا يعني، بالضرورة، نقل البنك بكلّ شبكته وتعقيداته، لكنّه فعليًّا إنشاء بنك مركزي جديد لعاصمة الشرعية، التي تدير عملها من الرياض وتتلقّى الدعم منها.

إنشاء بنك جديد لجنوب اليمن تمهيدًا للإنفصال هو التفسير الأكثر منطقية لقرار هادي بنقل البنك المركزي، لا سيّما مع المعلومات القادمة من صنعاء، والتي أكّدت أن كافّة أعمال البنك المركزي والبنوك التجارية ستستمرّ بشكل طبيعي وكما هو معتاد، وليس هناك ما يدعو للقلق من قرار هادي، وذلك بحسب ما نقلته سبأ” الخاضعة لسلطة صنعاء، عقب اجتماع قالت إنّه كان برئاسة محافظ البنك المُقال، محمّد بن همّام.

نقل البنك إلى عدن ليس سوى سخرية. عدن، كما يتحدّث عنها العالم، عاصمة مؤقّتة لليمن، لكنّها فعليًّا ليست كذلك. إنها عاصمة للجنوب اليمني، لا تقبل بأبناء شمال اليمن ولا ترغب بهم، إنّها حالة رسمية وليست مجتمعية. يشير ذلك إلى تحرّك مدروس واستراتيجي وليس مجرّد عبث فردي تقوم به مجموعات مسلّحة.

تتلقّى عدن محاولات حثيثة تعمل علی تهيئتها للمرحلة القادمة، دونًا عن مناطق اليمن. تلك التهيئة تحاول أن تصنع منها عاصمة لجنوب اليمن. بدأت المحاولات بعد القرار غير الدستوري لهادي بإعلانها عاصمة مؤقّتة عقب فراره من صنعاء.

وبعد إقدام جماعة “أنصار الله” علی اجتياح عدن، أعلنت السعودية عن تشكيل “التحالف العربي” وقيادةعاصفة الحزم”. تمكّن حلفاء السعودية من تحرير عدن من قبضة “أنصار الله، كما تمكّنوا من تحرير حضرموت “الجنوبية” من قبضة “القاعدة”. مهما تعدّدت التفسيرات، لكنّها تؤدّي إلى وجود تهيئة لتحرير جنوب اليمن فقط وترك شماله.

أصبحت عدن محرّرة وعاصمة مؤقّتة، استدعی ذلك عملية تهيئة جديدة لجعلها عاصمة لجنوب اليمن فقط. عملت قيادة عدن على ترحيل أبناء الشمال، كان الترحيل يتمّ بشكل وحماية رسميّين، دون أيّ تحرّك من الحكومة الشرعية لإيقاف ترحيل يمنيّين من عاصمتهم المؤقّتة. مبرّرات الترحيل تمحورت حول تثبيت الأمن، إلّا أن المبرّر الحقيقي هو محاولة تفادي المشاكل اللاحقة التي ستنتج عن إعلان فصل جنوب اليمن.

في السابق، وعقب تحرير عدن، حصلنا علی معلومات من مصدر حكومي مقيم في الرياض، قال إن الحكومة الشرعية تحاول تأمين جنوب اليمن وترك شماله يقبع في الحروب، وإن هناك تحرّكات جادّة تعمل على إطالة مدّة الحرب في شمال اليمن لأطول فترة ممكنة، حّتى يتمكّن التحالف من تأمين عدن بصورة متكاملة ثم إعلان الإنفصال. كانت المعلومات لا تحقّق الشروط المنطقية، لكن عقب ترك تعز تحارب ولا تنتصر، والحرب النفسية، فقط، التي يقودها “التحالف”، تغيّرت النظرة، لا سيّما مع استهداف “التحالف” لبعض فصائل المقاومة، والتبرير بأنّها “ضربات خاطئة“.

إطالة الحرب في الشمال تمهيدًا لانفصال الجنوب مسألة أصبحت واضحة للعيان، ولا تحتاج إلی جهد لكشفها، وما يضيف المنطقية لهذه المعلومات هو القرار الأخير بنقل البنك المركزي اليمني إلى عدن، أو لنسمّ ذلك: “إنشاء بنك مركزي لجنوب اليمن”. وما يجعل هذا الإستدلال أقرب للمنطقية، هو المعلومات الصحافية السابقة التي تحدّثت عن نية “التحالف” طباعة عملة نقدية جديدة، هذه العُملة لن تكون يمنية بالضرورة بل عملة لجنوب اليمن.

التهيئة للإنفصال غدت متكاملة، تحرّر الجنوب وأصبح لديه عاصمة، وتمّ تدريب قوّات عسكرية من أبنائه، واستيعاب شباب المقاومة في الجيش، ثمّ تنقيحه من أبناء الشمال، والآن أصبح لديه بنك خاصّ به. أصبح الإنفصال وشيكًا، مع الأخذ بالإعتبار قيام قنوات إخبارية إماراتية بعرض تقارير مختلفة عن نشاط بلدها في جنوب اليمن، واحتواء نشراتها الإخبارية بشكل لافت علی مقاطع مُصوّرةـ وبشكل مُتكرّر على “علم الجنوب”، وعادة ما يكون بارزًا بجانب المسؤولين الحكوميّين المتحدثّين.

في العادة، لا يهتمّ المجتمع الدولي سوى بمصالحه، ويغضّ النظر عن الكوارث التي تحلّ بالمواطنين جرّاء السياسة الدولية. الرئيس الشرعي الذي يحاربون من أجل شرعيّته هو إحدى وسائل السياسات الدولية، جاء نتيجة اتّفاق المبادرة الخليجية الذي رعته الأمم المتّحدة، وبناء على ذلك فهو لا يهتمّ بواقع المواطن اليمني بقدر اهتمامه بتمرير السياسة السعودية التي تعتمد علی شراء المواقف الدولية، كيف لا يهتمّ بسياستها وهي من جاءت به إلى كرسيّ الحكم وتحتضنه في عاصمتها؟

ما يحدث الآن هو تأمين الجنوب ومحاولة حماية الحدود السعودية فقط، لا وجود لأيّ نية صادقة لتحرير كلّ محافظات اليمن كما تدّعي السعودية، الأمر يتعلّق بمصالح اقتصادية تجاه جنوب اليمن، يتعلّق بمطامع تجاه حضرموت وميناء عدن، لا يتعلّق بهموم المواطن اليمني الذي يعيش أسوأ كارثة في حياته

أخبار ذات صله