fbpx
هذه بعض مشاكل قيادة الحراك وإخفاقاتها.. الأسباب والدوافع.. والحلول الممكنة
هذه بعض مشاكل قيادة الحراك وإخفاقاتها.. الأسباب والدوافع.. والحلول الممكنة
د. حسين مثنى العاقل

من محاولة تحليل وتفسير الأسباب والدوافع للمشكلات القائمة والإخفاقات المتكررة، التي يعاني منها الحراك السلمي الجنوبي، تكاد تنحصر من وجهة نظرنا الشخصية في إطار النخبة القيادية للمجلس الأعلى وبقية المكونات السياسية من ناحية، ومن ناحية أخرى تبني بعض قيادات المجلس افتعال الأزمات غير المبررة بين قوى الحراك القيادية والقاعدية، وبين الأحزاب السياسية ذات المنشأ الجنوبي، مستغلة وضعية تلك الأحزاب وارتباط علاقتها السياسية والتنظيمية بنظام العاصمة اليمنية “صنعاء”، حيث تستغل بعض قيادات المجلس الأعلى انضمام أعضاء تلك الأحزاب الجنوبيين في صفوف قوى الحراك السلمي، على أنها مؤامرة خطيرة هدفها الهيمنة والاستحواذ على المراكز القيادية للحراك، وتسخير النشاط الجماهيري لمصحة الأحزاب المنتمية إليها.
ومع أن هذا الطرح عبارة عن مزاعم وتصورات تتنافى مع العقل والمنطق، وأثبتت الوقائع والممارسات العملية على مستوى النشاط الميداني لجماهير الحراك، خطا تلك المزاعم والتصورات، بدليل تجاوز الحراك كل المراهنات، وبلوغه مرحلة متقدمة من تحقيق أهدافه السياسية، على الرغم من استمرار وإصرار أولئك الأشخاص المحسوبين على قيادة المجلس الأعلى من تسويق وتضخيم ظنونهم الخاطئة، متناسين مدى ما أحدثه مشروع التصالح والتسامح وتجسيده في الواقع وفي النفوس كمبدأ قيمي وأخلاقي لدى الغالبية العظمى من أبناء الجنوب، ومتجاهلين أيضا روح القناعة والعزيمة لدى شعب الجنوب في مواصلة النضال السلمي التحرري، والاستعداد للتضحية في سبيل فك الارتباط من نظام الاحتلال اليمني، واستعادة دولة النظام والقانون المغدور بها.
وبالرغم من تراجع حدة وخطورة المشكلة الحزبية، وبروزها كلما اقتربت مكونات الحراك السياسية من توحيد صفوفها والإجماع التوافقي على ضرورة عقد مؤتمر وطني عام لقوى الحراك. إلا أن هناك مشكلات معقدة كانت وما زالت تعكس نفسها وتفرض عيوبها وخطورتها على وحدة العقل السياسي لدى النخب القيادية أولا، وعلى الشارع الجنوبي ثانيا.. وهي مشكلات يمكن إرجاع أسبابها ودوافعها على أنها مشكلات مفتعلة تتعلق بأشخاص أو كيانات أو زعمات سياسية سابقة تحاول فرض توجهاتها وأجندتها الخاصة على الخيارات العامة والمصيرية لشعب الجنوب، وحلها وتجاوزها في رأينا مرهون ومتاح بيد الجنوبيين أنفسهم، ولا علاقة لجهات أجنبية إقليمية كانت أو عالمية بوجود هذه المشكلات، إلا بحسب علاقة تلك الزعامات والكيانات السياسية بالجهات الأجنبية، ومدى تواطؤها وتبعيتها السياسية للخارج.
ومع ذلك فهناك مشكلات كثيرة وخطيرة أخرى تواجه قوى الحراك وقياداته السياسية والميدانية، لا بد لنا من عرضها وتشخيصها حتى نتمكن جميعا من وضع الحلول السريعة والعاجلة لمعالجتها بصورة حاسمة، وبما يضمن سلامة تحقيق الأهداف الإستراتيجية للقضية الجنوبية. وتتمثل هذه المشكلات بما يلي:
1- حالة التباين والانقسام بين مكونات الحراك السلمي الجنوبي في توحد أهدافها السياسية على الرغم من التشابه والتطابق في الكثير من النصوص ومحتويات أهدافها ومشاريعها البرنامجية، وفي نفس الوقت بروز وتكرار ظاهرة التباين بين قيادة المجلس الأعلى مع أنها قد تشكلت بطريقة توافقية أثناء توحيد المكونات الثلاث في مدينة زنجبار بتاريخ 9 مايو 2009م، وتكليفها بتحمل مهام قيادة الحراك وإجماعها بشرعية الرئيس المناضل علي سالم البيض، وانتخابها للمناضل حسن احمد باعوم رئيسا للمجلس الأعلى والحراك السلمي في الداخل، وإعداد وإقرار البرنامج السياسي والنظام الداخلي وميثاق الشرف الجنوبي، التي بموجبها حددت الهداف النضالية لشعب الجنوب وخياره في التحرير والاستقلال واستعادة الدولة. ومع ذلك يحتدم الخلاف وتتسع دائرة التباين بين شركاء المهمة النضالية، ليتحول المجلس الأعلى إلى كتلتين كل منها تدعي حقها في التحضير للمؤتمر الجنوبي، حيث تتنافس في وضع الضوابط التنظيمية والآليات الانتخابية لانعقاد المؤتمر، وفي تحديد فترة وطريقة تنفيذه..
2- الغياب الواضح لحكمة وحنكة العقل السياسي المؤهل والجدير في قيادة مجلس الحراك، وذلك بما يتناسب عمليا وتنظيميا مع حركة النشاط الجماهيري وقوة الزخم الشعبي المتواصل، الأمر الذي جعل وعي الشارع الجنوبي التواق للحرية والاستقلال واستعادة الدولة سباقا وأكثر نهوضا ومتقدما من قيادته السياسية.
3- تفاقم أزمة الثقة بين بعض القيادات والتشكيك بمواقف بعضها البعض من أهداف القضية الجنوبية، ومصدر أزمة الثقة ترجع أساسا إلى طبيعة الانتماء السياسي في عضوية الأحزاب السياسية، التي انخرط أعضائها وبعض قياداتها في الحراك السلمي منذ وقت مبكر كالحزب الاشتراكي والرابطة وغيرها، ومع أن هذه الظاهرة تعتبر من الظواهر الصحية والايجابية التي لا يمكن الاختلاف حولها، إلا أن هناك من جُبل على سلوك توزيع الشكوك والاتهامات بين قيادات المجلس على أن منهم من يسعى لهيمنة حزبه واستحواذه على قيادة الحراك، ويتطلع لفرض تلك المزاعم على النظام السياسي لدولة الجنوبية القادمة.
4- تعدد مصادر الدعم والمساعدات المالية لمكونات الحراك.. والتي على الرغم من محدوديتها إلا أنها جنحت في تحويلها والتصرف بها من قبل أشخاص وليس من قبل هيئة أو لجنة تعمل وفق ضوابط وإجراءات قانونية صارمة، الأمر الذي ترتب على ذلك تأثيرا كبيرا في بروز واستفحال ظاهرة كسب الولاءات وخلخلة المواقف السياسية، عند عدد غير قليل ممن ألهتهم الإغراءات المادية، إلى درجة أن البعض للأسف صار يبحث عن الجهات الداعمة ويتحول في مواقفه بحسب ما يحصل عليه من نصيب مادي. وهذه المشكلة بحد ذاتها هي التي ما زالت تنخر قوى الحراك وتعمق ندوب الخلافات بين شركاء النضال السلمي التحرري.
5- ظاهرة التشكيك والريبة بين من كانوا سباقين ومؤسسين للحراك السلمي، وكان لهم دور مشهود في التضحية والاستبسال لنهضة الحراك، فتعرضوا للتعذيب والاعتقالات والحرمان من الحقوق المعيشية والوظيفية، وبين الذين التحقوا في فترات لاحقة أو متأخرة كان البعض منهم موالين للوحدة ومحسوبين على سلطة نظام الاحتلال اليمني، والبعض الآخر كانت له ظروف سياسية كعضو في المؤتمر الشعبي العام أو بحزب الإصلاح، أو كان مستبعد وغير متوقع أن قضية الجنوب وحراكها الشعبي سيحقق هذه المكانة والاعتراف السياسي به محليا وإقليميا ودوليا، فحسم أمره بالانضمام إلى قوى الحراك، ونظرا لطبيعة ذلك التحول !؟. بغض النظر عن مستوى القناعة والمصداقية في الموقف من القضية. إلا أن ردود الأفعال بحكم خصوصيا الواقع السياسي والاجتماعي المشوه في الجنوب خلال سنوات الاحتلال، قد تسبب في احتدام مشاعر الريبة وعدم القبول بالآخر لدى بعض المناضلين القدماء بمن فيهم القياديين في مجالس وهيئات مكونات الحراك، وشعورهم بالتوجس والقلق تجاه تلك الشريحة التي فرضتهم قوانين التحديث والتجديد، لهذا اعتقدوا جيل المؤسسين للحراك، على أن نضالهم يتعرض لمؤامرات الإجهاض ومحاولة الالتفاف على أهداف قضيتهم المشروعة.
6- ومن أهم المشكلات المعقدة التي واجهها وما زال يواجها الحراك السلمي الجنوبي، هي جبروت القمع والبطش لأجهزت الأمن العسكرية التابعة لنظام سلطة صنعاء، وما ارتكبته من جرائم وحشية، وانتهاكات فضيعة للحقوق الإنسانية ضد قوى الحراك بخاصة وشعب الجنوب بعامة، بالإضافة إلى تسخيرها للإمكانيات المالية الهائلة في كسب الولاءات، وفي تجيير أبناء محافظات الجنوب الموالين والمناصرين لها والمشاركين مع قواتها العسكرية والقبلية في احتلال واستباحة أرض دولة الجنوب ونهب ممتلكاتها وتدمير منشأتها، في تنفيذ مخططاتها العدوانية واستخدامهم السيئ والمعيب لضرب الحراك وتشويه سمعته، ومحاولات الزج بهم في تجمعات جهادية وتجنيدهم في كتائب إرهابية داخل الأراضي الجنوبية، بهدف اللصاق تهم القاعدة ثم أنصار الشريعة بالحراك السلمي بصورة فجة ودنيئة.
هذه المشكلات وغيرها هي مشكلات ملموسة ويدركها الكثيرون من مناضلي الحراك السلمي وقياداته المتعددة في الداخل والخارج، ولكن على الرغم من اقرارهم واعترافهم بهذه المشكلات وإحساسهم بخطورة ما قد ترتب وسيترتب عنها من نتائج غير مرضية، إلا أن هذه القيادات والتكوينات المتعددة والمتناسخة تضع رأسها في الرمال، دونما اكتراث أو استشعار بالمسئولية التاريخية الملقاة على عاتقها تجاه قضية شعبها، بل أنها من خلال تصرفاتها طوال سنوات النضال السلمي، تثبت بما لا يدع مجالا للشك بأن هناك من يجيد حبك العراقيل وافتعال الأزمات بين بعض القيادات في المجلس الأعلى للحراك، وهذا يتضح من خلال عشوائية عقد الاجتماعات وغياب الخطط التنفيذية وفق آلية العمل المؤسسي، وحدوث الخلافات كلما تهيئة الفرص لعقد اللقاءات والاجتماعات الدورية.. ودلينا على ذلك تشابه نتائج الاخفاقات وعواقبها في كل من اجتماع يافع 12-9-2010م، واجتماع المكلا في 11- 9- 2012م، وحالة التنافر العجيب في عدن ؟!.
وعليه: فقد بات من الضروري أن يستشعر الجميع بعظمة المسئولية وخطورة استمرار عبثية افتعال الخلافات، فأهداف القضية الجنوبية واضحة ومحددة في كل البرامج والرؤى والوثائق التنظيمية لمكونات الحراك السلمي الجنوبي، ولا نعتقد أن هناك من مناضلي قوى الحراك من يضمر أو يؤمن بغير حتمية انتصار الحق المشروع لشعب جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، في الحرية والاستقلال واستعادة الدولة، وهذا الهدف السياسي والاستراتيجي هو الخيار الجامع والشامل الذي يمثل مصدر التوافق لمعظم أن لم يكن لجميع المكونات السياسية ومنظمات المجتمع المدني الجنوبي. لذلك يتساءل المراقبون والمحللون السياسيون، وأيضا المؤيدون والمناصرون لعدالة القضية الجنوبية، عن مبررات وأسباب ظاهرة التباينات والاختلافات ؟ ولمصلحة من ؟ ومن هو المستفيد مما يجر ويحدث داخل الجسد الجنوبي الواحد والمصير والهدف الواحد ؟.
وفي سبيل تجاوز هذه المشكلات المعيبة، والتي يمكن تشخيصها بسهولة وتحديد الجهات أو الأشخاص الذين يتسببون بقصد أو بدونه في افتعالها، وذلك بمصارحتهم ونصحهم بروح نقية وصادقة أولا، وتأنيبهم وكشف مراميهم للرأي العام الجنوبي ثانيا، أن هم تمادوا واستكبروا في غيهم وتصرفاتهم الخاطئة. ولكي ننتشل قيادة الحراك من حالة التشظي والانقسام والتسابق غير المنظم لعقد المؤتمر الجنوبي العام، كلا بحسب هواه ونواياه، وفي الوقت الذي يرى فيه الفرصة سانحة لتحقيق مكاسب سياسية على حساب الاجماع الوطني الجنوبي. فأن الضرورة تقتضي في المقام الأول الاعتراف الجمعي بوجود هذا المشكلات من قبل مختلف قيادات المكونات السياسية، وعلى وجه الخصوص قيادة المجلس الأعلى الحراك “تيار فك الارتباط” أو قوى الاستقلال واستعادة الدولة، وكذلك “تيار الفيدرالية” لتقرير المصير واستعادة الدولة، بالإضافة إلى بقية التكتلات السياسية المتعددة، وفي المقام الثاني استعداد قيادة هذه المكونات والتكتلات الجلوس مع بعضها على طاولة الحوار الجاد والمسئول لمناقشة أسباب ودوافع ما سبق الإشارة إليه، والتوافق فيما بينها على وضع ضوابط ملزمة لتنظيم وتوحيد جهودها النضالية.. ونقترح لضمان معالجة هذه المشكلات قبول مكونات الحراك المعنية بما يلي:
1- تأجيل أية جهود تحضيرية لعقد مؤتمر تنفرد في عقده هيئة أو مكون سياسي باسم الحراك الجنوبي، ما لم يتم التنسيق والتشاور مع بقية المكونات والتكتلات والتوافق النسبي فيما بينها، وذلك وفق آلية تمثيلة تبدا من المديرات إلى مؤتمرات المحافظات، بحيث يحرص الجميع على مستوى القاعدة الشعبية والحضور الجماهيري لكل مكون أو تكتل في النشاط الميداني، وعلى التكتلات التي ليس لها حضور شعبي وجماهيري أن تلتزم وتحترم أصول العمل السياسي، وتدخل بقناعة في إطار المكون الذي يتناسب وتوجهاتها، وعلى أن لا يتسبب ذلك في خلق وافتعال التباينات، أو فرض الدوافع والرغبات الذاتية والأنانية.
2- لا بد أن يتحلى جميع المناضلين بالإخلاص وصدق النوايا لإنجاح المؤتمر الجنوبي الذي سيكون حدثا عظيما في حسم المراهنات والمؤامرات المحلية والإقليمية والدولية، وانتصارا كبيرا لمعاني الوفاء والإجلال لتضحيات الشهداء والجرحى ومعاناة المعتقلين، ودليا قاطعا على أن أبناء شعب الجنوب قادرون على تجاوز المحن والصعاب، وجديرون في استعادة مكانتهم المدنية والحضارية عربيا وإسلاميا ودوليا، وهذا يمكن أن يتجسد قولا وعملا من خلال إمكانية عقد مؤتمر وطني جنوبي عام في موعد زمني مناسب يتفق بشأنه ويسهم الجميع دون استثناء في أنجاحه. 3- الإسراع بتشكيل هيئة مرجعية أو مجلس استشاري يضم في عضويته عدد من أعضاء الهيئة الشرعية الجنوبية للإرشاد والإفتاء، ومن أعضاء المجموعة الأكاديمية، وهيئة الدبلوماسيين والمثقفين من أجل الجنوب، ونقابات المحامين والقانونيين والصحفيين والإعلاميين، ومن الشخصيات السياسية والاجتماعية وممثلين عن الشباب والمرأة والمتقاعدين العسكريين والمدنيين وغيرهم، مهمتها الأشراف والرقابة والتوجيه لعمل الهيئات واللجان التحضيرية للمؤتمر، وفض الخلافات والتباينات في حالة افتعالها، ومتابعة دقة وسلامة الجهود العملية للقيادات السياسية، وطبيعة نشاطها الملموس والفاعل في الميدان الشعبي والجماهيري بما يعزز قوى الحراك وتحقيق أهدافه التحررية لطرد الاحتلال اليمني، وفي التخطيط المنظم والمدروس لتأسيس مداميك الدولة الجنوبية الجديدة.

d_aqeel2010@yahoo.com