fbpx
بخور بن دغر… برعاية العمّة “لول”

 

عبد الخالق الحود :

قيل للبخور على طيب النساء حظوة تُحدث في النفس تأثيراً وقبولاً، وبرائحته تزداد القلوب ألفة وطيبة وشغفاً، وعبره تتوطّد أواصر المحبّة وتتقوّى وشائج الوصال، وبفوحه وألقه وحضوره لا تسمع إلا همسات وهنات، وحينها اعلم أن للمذكور السيادة والكلمة.
هو لدى آخرين بلسم يمحو ما علق في ثنايا اللحظات من جروح، وما طمرتها من الآم، وهو مفتاح مجرّب لتدلّل المحبّين، ومفتاح سعادة عند آخرين، يضفي على ندمائه المودّة والقربى، ويضع على عتبات القطيعة شعرات الوصال الحريرية تعزف في قلب كل عاشق متيّم مسحور، تمائم صلاة تُفك بها طلاسم شغاف أفئدة المتقاطعين.
وإذا كان للبيان سحر وسطوة، فللبخور رقية وحضور”.
“تشويقة” طويلة قدّمتها لطلاب دورة في مجال الإعلام، وعقب انتهائها أشرت بيدي إلى العمّة “لول”، واحدة من أشهر صانعي البخور في عدن، والمادّة “تقرير تلفزيوني عن صناعة البخور في عدن”.
“باااااااس”…

صوت عال مستنكر، صاحَبَه نظرة شزر، وتقدّم مباشر وسريع باتجاه منصّة القاعة. أمسكت بالميكرفون، تاركة من يدها أدوات خاصّة بصناعة البخور. هجوم خاطف شنّته العمّة “لول” على المنصّة، تمكّنت من خلاله السيطرة على عليها والميكرفون، وإزاحتي عنها.

طفحت “لول” بمكنون صدرها موجّهة خطابها لي مباشرة بلكنة عدنية غاضبة: “أيش من تبر وعشق و معشاقة يا بني؟… تاريخ وجغرافيا وملوك وسلاطين… جالس تلعلع لك ربع ساعة تفرش الورود للشباب، وتحدّثهم عن أشياء لم يعد لها في حياتنا وجود”يا حود .

حاولت أن أبيّن (من خارج المنصّة طبعا) للعمّة الغاضبة خصوصية العمل التلفزيوني ودور التأهيل في إجادته.
نهرتني بقوّة ”
أنتم سبب رئيسي في المشكلة”
واستطردت وعيناها تقدحان شرراً، مشيرة بيدها نحوي “أيوه أنتم الإعلاميين أس البلا”، نطقتها بقوّة، وبدون همزة.
“الناس يا بني باتموت حمى، وماتوا فعلاً ناس في مستشفى الجمهورية من الحر وغياب الأكسجين، ما فيش بترول بالمحطات، ولو معك مريض تشتي توديه المستشفى ما فيش مواصلات، اللي تقوله وتشتي تسوي تقرير عنه جميل لما يكونوا الناس قد تحصلوا على أبسط حقوقهم.

يا ابني الإعلامي اللي ما يعيش وينقل معاناة أهلة خاين، أيوه خاين لمهنته وضميره ونفسه قبل كل شيء.

يا ابني تخيل الناس تتفرج النشرة على أمل يسمعوا خبر عن وصول مولدات الكهرباء وتوفير الوقود والغاز المنزلي، والمذيع قبل ختام النشرة يعطيهم المقدمة اللي انته سمّعتها لنا قبل قليل عن البخور.

يا بني البخور أصبح عندنا كماليات الناس با تسب لكم ،اذا لم تتحدوا أنتم عن أوجاعهم ومشاكلهم في هذا الوقت العصيب اللي هم فيه فعلاً بحاجة إلى إعلام يلامس آلامهم وليسوا بحاجة إلى مواد إعلامية تحصيل حاصل، إذاعتها الآن تضليل للمشاهد.

إذا ما باتوقفوا مع الناس الآن شكرا.

و لما تستقر الأوضاع ما حد يشتيكم وقتها…
يا بني راجع مقولة لكل مقام مقال؟ عارف.”

وتقدّمت العمّة “لول” خطوات نحوي، وبيدها القاعدة الحديدية للميكرفون، مكررة: “عارف أنه صيدلية وحدة في مدينة التواهي استقبلت اليوم 32 طفل مصاب بالحميات، بعض هؤلاء الأطفال بحالة خطرة.
الآن توديني لا حيثما هو جالس وربي وربي ” أمر أطلقته “لول”، وسمحت لي أن أسأل عن اسمه الأوّل، من هو الذي تريدني أن أذهب بها إليه؟

وعادت للصراخ:
“من غيره مقصوف العمر؟ بن دغر لا غفر له لا دنيا ولا آخرة، واني باخليه يشم البخور الحقيقي باشله معي جوله رجل – يشم ثلاجة الموتى بمستشفى الجمهورية والبلاليع حق الشوارع، وأخليه ساعة وحدة بواحد من بيوت حي كريتر أثناء انقطاع الكهرباء، واتحديه أتحديه يكمل الساعة
جعله ضنك هو والوزراء حقه واحد واحد بحق الجمعة هذي.

يابني: لازم يفهم وكل شلا… ف ي ت حكومته أن الوضع تغير، والحرب مش زيما كان قبلها، والقصص اللي تعلمها من صالح وصنعاء ما بايجزعاش علينا هنا بعدن على رقابنا جعل لرقبته كسر…” دعوات تطلقها “لول” بحقّ رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عبيد بن دغر، كلّما مرّ بخاطرها مجال تقصير للحكومة، يطال بشكل مباشر مستوى الخدمات في عدن وبقية المناطق.

كل ذلك يحدث وطلابي من الجنسين يشجّعون ثورة العمّة “لول”، واعتبارها لي ركيزة أساسية في حكومة بن دغر، أو في أحسن الأحوال “شيطان أخرس” لا يفعل شيئاً لتغيير الوضع والحال الذي وصلت إليه مدينة عدن بفعل غياب الخدمات.

“طلَلِيّتي” عن البخور استغلّتها العمّة “لول” بهجوم معاكس، مهدّدة بثورة جياع تقول بأن أدواتها وأساليبها تغيّرت تماماً.

طلاب دورتي الذين غادروا القاعة منتشين بانتصار صانعة البخور وهزيمتي دون ردّ، استوعبوا درسين؛ الأوّل لي والثاني للعمّة “لول”، وباعتقادي أن درسها كان أبلغ وأفيد لطلاب الدورة من نواح عديدة. فيما، صرخة “لول”، وأزعم لن تمر مرور الكرام، فعلى حكومة بن دغر التصرّف بسرعة، أو ليوسد الأمر لأهله، وغير ذلك فـ”لول” بالتأكيد ستكون لهم بالمرصاد.