fbpx
السلام المبتور في اليمن

 

على الرغم من كل ما حدث من بشاعة في اليمن، سيطل أطراف الحرب بخطبة النصر المبين الذي تحقَّق، من دون أن يساور أياً منهم قدر بسيط من الندم والحسرة على ارتكاب جرائم وفظاعاتٍ فاقت توقعات أيّ إنسان على وجه المعمورة.
يلوح في الأفق من التفاهمات الأخيرة أن أدوات الخراب تتصالح فيما بينها، وستعود إلى بناء قدراتها القتالية من ثروات الشعب، كما فعلت في العقود المنصرمة، إذ لا جديد في المشهد السياسي يدعونا إلى التفاؤل، غير أنّ الوجوه نفسها تتفاوض للعودة إلى مواقعها السابقة لممارسة مهمة تأهيل جيوش من المرتزقة، تخدم مصالحها وتقاتل لأجلها، حيث تعد، منذ الآن، العدة والعتاد لحروب مقبلة، تخطط لها، تكون نقطة انطلاقها توقيع الاتفاق الذي سيكون خاتمة لمأساة تُدفن بالحبر والورق من دون أن يُحاسب أحدا من مرتكبيها، بل يتم تكريمهم ومنحهم ألقاباً لا تُحصى ولا تُعد، تبجيلاً لدورهم وتمجيداً لشخوصهم.
تتوالى اليوم الضربات السياسية على الجنوب الذي كان حليفاً صادقاً للتحالف العربي، فبعد كل تلك التضحيات التي قُدَّمها الجنوبيون يشعرون، الآن، بالقهر من طعناتٍ غادرةٍ، تلقوها أخيراً في الظهر، أربكت المشهد، وهزَّت معنويات المقاومة في عدن الذين تحوَّلوا إلى رجال أمن وجيش يخوضون معركة شرسةً من أجل بناء مؤسسات الدولة ومواجهة عناصر الإرهاب التي خلَّفتها القوى القادمة نفسها من الشمال، وممارساتها في الفترة الماضية، حيث ينظر الجنوبيون إلى الخطوات الأخيرة على الصعيد السياسي أنها مجرد لملمة لتحالف 7/7/1994، بالإضافة إلى الحوثيين، وفرضهم قهرياً حكاماً على شعب عانى منهم كثيراً، وما زال يعاني من آثار جرائمهم.

اعترف علي محسن في أثناء ثورة الشباب في صنعاء أن النظام السابق “حكم الشمال بالاستبداد والجنوب بالاستعمار”. هذا يشكل مدخلا للحل، أي تحرير الشمال من الاستبداد وتحرير الجنوب من الهيمنة والاستعمار، وعودة القرار السياسي إلى أبنائه، ولتترك لهم الخيارات بما يخص مستقبلهم السياسي، ما دونه يُعتبر تفخيخاً للمستقبل، وليس حلاً عادلاً أليس كذلك ؟

سيصدم رعاة هذه السلام الهشّ بالواقع، بما أن الحلول المطروحة سياسياً مجرد ترضياتٍ للقوى والقيادات الشمالية، وليست حلولاً واقعية ومعالجات حقيقية لجوهر القضايا الموجودة، تتعامل بجديَّة مع مطالب أبناء الجنوب وقضيتهم.
بعد أن أدرك أبناء الجنوب ما يُحاك لهم في دهاليز السياسة، باتوا يهيئون أنفسهم لمعركة مقبلة لا محالة، سيكون طرفها المقابل القوى نفسها التي اجتاحت أرضهم مرتين تحت مسمَّيات مختلفة، في المرة الأولى محاربة الشيوعيين الكفرة، وفي الأخيرة محاربة الدواعش، في حين أن الهدف هو السيطرة على القرار السياسي والهيمنة الاقتصادية على الجنوب.
الخطوات السياسية التي يدعمها العالم والإقليم تحت يافطة السلام في اليمن ترسل لهم إشارات سلبية، إذ أنه سيتم حشرهم في الزاوية ليجدوا أنفسهم مجبرين على مواجهة فُرضت عليهم قسراً، ما يعني عودة إلى الحرب من جديد، وقد يطول أمدها هذه المرة بحكم التغيَّرات العسكرية على الأرض.

*العربي الجديد