fbpx
التخبّط الفكري والرجوع للماضي

التخبّط الفكري والرجوع للماضي

وجدان اليافعي

الأمم السابقة في التاريخ البشري لم يكن إرتقاءها سلم الصعود الحضاري محض صدفةً أو عواطف بل كان وراءها فكر رجال أفنوا عصارة عقولهم,وربما حتى أجسادهم وذلك وقوداً لإيمانهم بأفكار معينة بالإظافة إلى استنتاج آراء جديدة ومتعددة.

بلاشك أن أي فكر أو فعل نقول به اليوم سواء بشعور كامل أو من دونه هو في الأصل فكر ما آمنا به وأدخلناه في صندوق اللاوعي واغلقنا عليه بإحكام.

للأمانة وبدون مبالغة لو تحدثت في هذا المقال من إن حياتنا ليست إلا ايقوانات متناثرة من الأفكار نغلقها بأفعال وعواطف ومشاعر متنوعة,لكن دون أن نعي ذلك تماماً.

توضيح بسيط ومهم للغاية في أن الناس في مفهومها البدائي تنقسم إلى_وذلك في تبنيها للأفكار_قسمين :قسم يقوم بإدخالها أي الافكار في المنظومة الداخلية بقناعة وتانً وتحليل وتفكير وهذا يدخل تحت مسمى (المفكر الواعي),وقسم أخر يقوم بالتقاطها من ثقافة الآباء.

لو نظرنا بتأمل إلى المجتمعات البشرية نرى أنها من الأساس تسير على طريق الذي ستتبعه بعد ذلك العواطف والانفعالات,وهو بكل تأكيد يمثل المسار الفكري لها,هنالك الرأسمالية وأفكارها والشيوعية التي ورثتها الحركة اليسارية وغيرها كل تلك المجتمعات تنتظم في حركة دائرية في الأفكار الأيديولوجية القائمة على ركائز الأفكار,أو امتداد عمودي من الفكر ينظر لأولئك القوم وينظم حياتهم,سواء أتفقنا مع ذلك أو اختلفنا.

من المخجل حقاً والمعيب أن نرى العالم يحتفي بمفكّريه ومنظريه وذلك على اختلاف شاربهم ويضع لهم التماثيل تخليداً لذكراهم لانهم يعلمون أن زمام المبادرة وطريق الانعتاق نحو هرم الحضارة لايأتي من الشارع والجماهير فقط,بل من النخبة اولاً التي بدورها ستحرك الجماهير  بأفكارها طال الزمن أم قصر.

أما من ناحية أمتنا العربية والاسلامية ,من المؤسف جداً أننا مازلنا في الدائرة الفولاذية المغلقة,وأعني(أنت تخالفني في أمر ما,إذن أنت غير موجود),بعد ذلك نرى  الصدى والاستجابة السريعة التي تتمثل في التهميش والحرب النفسية الشعواء ضد ذلك النخبوي,كم من تيار فكري أو مفكر أو فيلسوف مسلم اقتطع من سياق التاريخ العربي والإسلامي فتوقف حراكه الفكري,بينما نرى أن الآخرين تجاوزونا بمراحل ومراحل,وهنا بإختصار ثاني المثلبة الحقيقية للشخصية العربية والمسلمة,وهي أن نقد الذات محرّم وخط أحمر في قاموسها ,بينما نقد الآخر واتهامه وتحميله المسؤلية  في كل مشكلاتنا من فضائل الأعمال.

كل هذا وخصوصاً العقلية السائدة والاستنتاج ماهي إلا نتاج ثقافي مورث لم يتغير إلى اليوم سواء أكان على مستوى العقل الفردي أو الجماعه,وهو بإمتياز يشكل خطراً داهماً على ثورات الربيع العربي.

مثال على ذلك أين هو نقد الذات على مستوى الفرد والجماعة؟,بصريح العبارة الفرد لايعترف بخطئه أمام ابنائه أو مجتمعه لأن ذلك في اعتقاده من _خوارم الشخصية_ومحق لذاته المتضخمة وباب واسع للفشل,أما من ناحية الأمة وعقلها فهي الأخرى فلا تعترف بتاتاً بأخطاء الماضي ولا تغربل الصالح من الطالح,بل تجعله ناصعاً لايشوبه شئ,بينما هناك الكثير من الدروس المهمة التي ينبغي أن تتحملها الأجيال من أجل أن تتجنب الكثير من الأخطاء الماضية السحيقة كسفك الدماء والصراع على السلطة والاستيلاء عليها واستعباد الناس_تاريخنا المعاصر خير دليل_,وهاهي المشاهد تتكرر مرة اخرى لانه الأمة رفضت ان تأخذ تاريخها إلا بالطريقة القائمة على هاجس القائمين عليها.فمازلنا مكبلين للماضي وبالماضي ومازلنا نتغنى بأفكار من سبق, هذا بالطبع لايشين بشئ للسابقين,إلا أن كل عصر له رجاله ومفكروه وطروفه,والسابقون لهم الاحترام والتقدير,وأما الللاحقون فهم الأولى بأن يعيشوا عصرهم,وكما قيل(ليس بإمكانك أن تجعل نفس فرده حذاء تصلح لكل الأقدام).

ومن ناحية نقد الآخر فهذا بدون شك قضية أخرى بحاجة للوقوف امامها طويلاً,فمجتمعاتنا العربية والاسلامية غارقة وللأمانة إلى الأذقان وذلك في تصديقها وبداية من الأسرة ثم المجتمع إلى القطر الواحد إلى الدول العربية كافة في تصديقها للمؤامرة,وتحميل الآخرين مسؤلية حماقاتنا,في هذا المثال اقول وبكل صراحة ان التخلف وعدم مسايرة التقدم يعتبران مؤامرة,فلسلطان الماضي وجبروته المؤدلج هما اللذان ينظمان حياتنا حتى في هذه الأيام,بالرغم من ان هناك قانوناً جعله الله لتغيير الحال وهو الأخذ بالأسباب إلا أن تكلسات العقول هي المرض المزمن الذي مازال يداهمنا ومازلنا نعانيه.

من ناحية ثقافة المؤامرة بتفاصيلها فماهي إلا حيله دفاعية نفسية من أجل صد التشذيب المستمر للكبرياء المتمايلة_وهذا كما يعتقد البعض_أضافة إلى درء وباء الدونية  التي هي  الأخرى من الأساس لا أحد يستطيع  أن يجعلنا نشعر بها دون إذن منّا,ولستر عوار التخلف الذي لبسناه طوعاً,وإلا فما بال الكثير من الدول أخذت بزمام التقدم وانطلقت  وأخذت مكانتها المرموقة بين دول العالم كماليزيا مثلاً؟

حقيقة من المؤسف ان نرى من يهاجم الثقافة الأخرى وينعتها بأقبح النعوت ويجعلها سبب البلاء في تقدمنا,بل ويحاول التنظير لذلك بما يسمى الغزو الثقافي والفكري,فهم لم يستعمرونا مادياً بل حتى ثقافياً وفكرياً وهؤلاء _لعمري_أبعدوا النعجة في تنظيرهم وصيروا انفسهم ظواهر لسانية لاتسكت,فالغزو لايكون إلا بالقوة والشدة,واولئك القوم اخذوا بمبدأ التمكين في الأرض وانطلقوا,لكن ثقافة التقليد من المغلوب إلى الغالب ,كما قال أبن خلدون هي السائدة فهم يقدمون ثقافتهم المتوازنة بنظر البعض والسقيمة لدى آخرين ولم يجبروا أحداً على تبنيها فأمتلكوا ناصية القوة الناعمة بكل نتوءات جسدها المغري,ولقد كانت ومازالت لهم المساهمة الكبرى في شتى الميادين الإجتماعية والأدبية,أما نحن فلسنا إلا ممن يتغنى على أطلال الماضي ويتباكى عليه,وكما يقول المؤرخ الراحل نقولا زيادة(العرب مازالوا يتغنون بأن طب الرازي كان يتم تعليمه في القرن الثامن عشر,متناسين انه عندما مات _الرازي_ لم يعد هناك أطباء في العالم العربي,وعندما مات أبن سينا لم يعد هناك فيلسوف في الشرق.

وجدان اليافعي

Whs_2008@live.com