fbpx
(دراسة 2) قراءة للمشهد السياسي الراهن في “الجمهورية اليمنية” – الدكتور/ سعودي علي عبيد

قراءة للمشهد السياسي الراهن

في

 “الجمهورية اليمنية”

(دراسة)


د/ سعودي علي عبيد*

المقدمة

   لم يكن واقع المجتمعات العربية – حتى نهاية العام 2010م – في حالة صحية جيدة. وبالعكس من ذلك تماماً، فإن المجتمعات العربية – وبدون استثناء – كانت حتى اندلاع المشهد السياسي في تونس – الذي أعقب حادثت محمد بو عزيزي – يعيش  حالة من البؤس والجمود في مختلف مناحي الحياة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، وغيرها.

   وباليقين القاطع، لم يكن الشاب محمد بوعزيزي يدرك أن عمله اليائس – الذي أقدم عليه، وفقد فيه حياته – سيخلق مشهداً سياسياً جباراً، لطالما تمناه المجتمع التونسي المقهور. وقد نتج عن ذلك المشهد  تغيرات هائلة، ليس أقلها سقوط سلطة زين العابدين بن علي، والقضاء على مشكلة توريث الحكم في تونس. وليس أكثرها أيضاً تأسيس مؤسسات سياسية(تنفيذية، تشريعية، وقضائية) منتخبة من الشعب. إلا أن هذا المشهد لم يكتمل. ذلك لأن أهداف هذا المشهد – أو “الثورة ” – لم يكن مقصورا على ما ذكرناه من تغييرات. بل يتعدى ذلك إلى تأسيس دولة مدنية حديثة، منبثقة من إرادة الجميع، ومن أجل الجميع، ويتشارك فيها الجميع.

   وبعد تونس لحقت كلٌّ من مصر وليبيا والبحرين والجمهورية اليمنية وسوريا. إلا أن لكلِّ دولةٍ من هذه الدول، مشهدها السياسي الخاص بها. كما أن لكلِّ مشهدٍ، سماته وظروفه وأهدافه الخاصة به. إلا ما يعنينا في هذه الدراسة، هو المشهد السياسي في الجمهورية اليمنية، الذي بدأ في مطلع فبراير عام 2011م، وانتهى في نوفمبر من العام نفسه. أما بقية المشاهد المذكورة، فقد عالجناها في دراستنا الموسومة بـ ” المشهد السياسي الراهن في البلدان العربية “.

ممهدات الانتقال من المشهد الأول إلى المشهد الثاني

  قبل الخوض في تفاصيل هذا المشهد – الذي بدأ في مطلع فبراير 2011م – يمكن التذكير ببعض المحطات، التي سبقتْ هذا الحدث، وأهمها:

أولاً: إنه ومنذ العام 2006م، بدأ التصدُّع في كيان الأوليجاركية(الأقلية) الحاكمة. وكان أهم أسباب هذا التصدع، يرجع إلى إعلان علي عبد الله صالح عن عدم حاجته، عن أهم طرف في هذا التحالف الحاكم، وهم أسرة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر. والمقصود بذلك أولاد الشيخ المرحوم الأحمر.

   وقد بنى علي عبد الله صالح سياسته – بالتخلي عن تحالفه مع(آل الأحمر) – على بعض الاعتبارات غير الواقعية:

الأول: على اعتبارات سياسية، أهمها أنه قد صار ممسكاً – بما فيه الكفاية – بمقاليد السلطة السياسية بتكويناتها الثلاث: التنفيذية، والتشريعية، والقضائية. وأنه بتربعه على كرسي الرئاسة لأكثر من ثلاثين عاما، قد صار محصناً من أية تهديدات حقيقية على الحكم. وأنه باستيلائه على مؤسسات الدولة؛ المدنية والعسكرية والاستخباراتية، قد صار بمأمن من أي خطر، إلى آخر القائمة. ولهذه الاعتبارات، فإنه لم يعد بحاجة ماسة إلى حلفائه من (آل الأحمر). برغم أن التاريخ السياسي للجمهورية العربية اليمنية، يقول بأن وجود علي عبد الله صالح على رأس السلطة، لم يكن ممكناً إلا بفضل هؤلاء الحلفاء. وأن عدم وجود شخصية مؤهلة من بين أولاد الشيخ الأحمر – لصغر سنهم – هو ما دفع(الشيخ الأحمر) بتمكين الرائد علي عبد الله صالح، من الوصول إلى رئاسة الجمهورية العربية اليمنية إثر مقتل الرئيس أحمد الغشمي.

   إلا أن المفجع، إن علي عبد الله صالح قد تناسى العديد من الحقائق، التي تقوِّي من المكانة السياسية للجانب الآخر(آل الأحمر)، ومنها مثلا:

1. إن أسرة (آل الأحمر) قد خبرتْ الصراعات السياسية، أكان في فترة حكم آل حميد الدين، أو في الفترة اللاحقة لها. أي خلال المراحل المتعاقبة للحكم الجمهوري.

2. إن عميد آل الأحمر – المرحوم الشيخ عبد الله بن حسين – قد تولى مهمة إقالة وتكوين الحكومات في الجمهورية العربية اليمنية، منذ قيام الحكم الجمهوري في 26 سبتمبر 1962م. وهذا يعني، أن الرجل كان لديه من القدرة والتأثير السياسي، ما جعله قادرا على القيام بهذه المهمة الصعبة، والتي هي سياسية في المقام الأول.

3. إن الحظ الذي أوصل علي عبد الله صالح إلى رئاسة الجمهورية العربية اليمنية – في عام 1978م – يعود أساسا إلى رغبة الشيخ عبد الله بن حسين في ذلك.

4. كما أن مكان أسرة(آل الأحمر) السياسية، قد تعززت أكثر بعد تأسيس حزب التجمع اليمني للإصلاح (حزب إسلامي)، والذي صار بمثابة مؤسسة سياسية تملكها أسرة آل الأحمر. ومن المؤكد أن علي عبد الله صالح، قد خلق أحد وسائل حتفه، منذ اللحظة التي أومأ بها إلى الشيخ عبد الله  بتأسيس هذا الحزب. وهو بذلك يكون قد وفَّر له الإمكانات المطلوبة لذلك. علماً بأن هدف علي عبد الله صالح من هذه الخطوة، كان مختلفاً. وذلك بحسب ما ذكره المرحوم الشيخ في مذكراته.

5. وأخيرا، لا يمكننا أن ننسى ذلك الحضور المؤثر للشيخ في البرلمان. أكان من خلال ترأسه للبرلمان حتى وفاته، أو من خلال الكتلة البرلمانية التي تتبعه قبلياً وحزبياً.

الثاني: على اعتبارات اقتصاديه، يمكننا تلخيصها من خلال اعتقاد علي عبد الله صالح، بأنه – ومن خلال الثروة الهائلة التي كونها بطرق غير مشروعة – قد صار قادرا على إزاحة الكل عن طريقه، بما فيهم حلفاءه آل الأحمر. وهو – كما فعل في الجانب السياسي – قد تناسى أن أسرة آل الأحمر، ليست من الأسر الفقيرة. ولكنها تملك من الثروة الكثير. وإذا كانت كلُّ ثروة علي عبد الله صالح، قد تكونت بعد صعوده سدة الحكم – وخاصة بعد وحدة الجمهورية العربية اليمنية مع الجنوب في مايو 1990م – أي أن المصدر الحقيقي لهذه الثروة، هو سلب ونهب ثروات الجنوب. فإن مصادر أسرة آل الأحمر متعددة، وهي خليطٌ من هذه وتلك. فباعتبار أن الشيخ عبد الله بن حسين، كان يقف على رأس قبيلة حاشد، فيعني ذلك أن الرجل لم يكن فقيراً. كما أن الشيخ عبد الله – ومنذ اتفاقية جده عام1970م – قد صار الشخصية الرئيسية التي أعتمد عليها النظام السعودي، في تمرير سياساته في الجمهورية العربية اليمنية أولاً، ثم الجمهورية اليمنية بعد الوحدة الاندماجية. ومن المؤكد بأن هذا الدور كانت له تكلفته الباهظة، التي تولَّت المملكة السعودية دفعها بسخاء. ويعني هذا، بأن الرجل قد تكونت لديه  ثروة طائلة من تلك الأموال السائلة، التي حصل عليها مقابل هذا الدور. والمصدر الثاني، هو ما تحصلتْ عليها هذه الأسرة من ثروة الجنوب، مقابل اشتراكها ودعمها لعلي عبد الله صالح في حربه واحتلاله للجنوب، وفي نهب ثروات الجنوب. وقد حصلتْ على ذلك من خلال الدخل الريعي، والجعالات، وعقود المقاولات المزورة، والأموال السائلة الكبيرة من عائدات المساحات الشاسعة من الأراضي، التي منحها علي عبد الله صالح لهذه الأسرة.

   أما المصدر الأخير لثروة آل الأحمر، فهو تشغيل ما تكوَّن لديهم من ثروة في الأعمال التجارية والاستثمارية. مع أن المصادر الأساسية الذي قامت عليه هذه الأعمال – وهي الثروة –  تعتبر غير شرعية.

الثالث: على اعتبارات اجتماعيه، أهمها أن القبيلة لم تعد تمتلك ذلك الزخم والعنفوان، بحيث تجعلها قادرة على التأثير في الأحداث السياسية كيف ما أرادت. ومن المؤكد بأن على عبد الله صالح، كان يشير بذلك إلى الدور الذي كانت تقوم به قبيلة حاشد، برئاسة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر. وبما يعني أساسا، أن أسرة الشيخ عبد الله، لم تعد قادرة على لعب ما كانت تقوم به من أدوار، بدءاً من اللحظة التي وصل فيها (صالح) إلى الحكم.

   وإذا تساءلنا عن منطلق هذا الحكم – الذي توصل إليه علي عبد الله صالح – فإننا نرجِع ذلك إلى الآتي:

1. اعتقاده بأن شكل الحياة المدنية – التي حدثت في مناطق الجمهورية العربية اليمنية – منذ قيام الحكم الجمهوري حتى عام 1990م، ومنذ الوحدة الاندماجية حتى الآن – قد غيَّرتْ من وعي وسلوك القبيلة في هذه المناطق. إلا أن الواقع يقول بأن ما حدث، ليس سوى قشور الحياة المدنية.

2. اعتقاده بأن الأحزاب السياسية، قد عملت على إضعاف القبيلة. ولكنه تناسى أن هذه الأحزاب، قد وقعت – هي الأخرى – أسيرة في قبضة القبيلة، أكان في تكوينها القاعدي أو القيادي. وأوضح دليل على ذلك، ما نراه في حزب التجمع اليمني للإصلاح، وذلك من حيث ارتهانه بيد قبيلة حاشد.

3. اعتقاده بان ظروف ما بعد الوحدة الاندماجية في مايو 1990م، قد حدَّتْ من اندفاع وقوة القبيلة في مناطق الجمهورية العربية اليمنية. ومن ثم أدتْ إلى ضعف تماسكها. إلا أن العكس هو ما حدث، حيث جرى تصدير الأمراض المتعددة للقبيلة هناك، إلى أراضي الجنوب.

4. اعتقاده بأن انشغال القبيلة ورموزها، بالأعمال التجارية والمقاولات وامتلاك الشركات وغيرها، كلُّ ذلك قد أدَّى إلى إضعاف الروابط الاجتماعية في القبيلة من جهة، أو بين المكونات القبلية من جهة ثانية. إلا أن الواقع يؤكد، بأن هذه المستجدات – ذات الطابع الاقتصادي – قد عملتْ على تقوية القبيلة بشكل أكثر. ومرد ذلك يعود إلى أن رؤساء القبائل، هم المستفيدون الوحيدون من هذه المستجدات.

ثانياً: تكوين تكتل أحزاب اللقاء المشترك

   نتيجة لتصدع تحالف الأوليجاركية (الأقلية) الحاكمة، وعندما شعرت أسرة آل الأحمر بالأخطار، التي يحيكها لها علي عبد الله صالح، فكرت جيداً بالأمر. ومن أجل ذلك، عملت لتوفير الوسائل الممكنة لدرء هذه الأخطار، أو على أقل تقدير تفاديها أولاً.

   ولتحقيق هذه المهمة، فقد قادها تفكيرها إلى إشراك آخرين معها. ولتحقيق هذه الشراكة، كان من الضروري من تكوين تحالف سياسي ضد علي عبد الله صالح. وقد تجلَّى ذلك في تأسيس ” تكتل أحزاب اللقاء المشترك “، الذي جمع بداخله عدداً من الأحزاب السياسية، التي تعارض سياسة علي عبد الله صالح، وحزبه المتمثل في المؤتمر الشعبي العام.

   وكان تأسيس هذا التكتل من السهولة بمكان، حيث تولى حزب التجمع اليمني للإصلاح هذه المهمة، وذلك بسبب إمساك أسرة آل الأحمر بمفاصل هذا الحزب من نواحي متعددة، وأهمها أن مؤسس تجمع الإصلاح، هو الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر. وكان أيضا رئيسه حتى وفاته في 28/12/2007م. ناهيك أن عدداً من أولاد الشيخ، هم من قيادة هذا الحزب. وإن كان بعضهم قد انتمى إلى حزب الرئيس صالح – حزب المؤتمر الشعبي العام – وذلك لزوم الحاجة والضرورة.

ثالثاّ: الانتخابات الرئاسية في عام 2006م.

   قبل هذه الانتخابات، كانت تبرز على الدوام جملة من المشكلات السياسية الهامة إلى السطح. وغالباً ما كان يتم تجاوزها أو تناسيها. وذلك عندما كان الحلف المقدس بين أسرة آل الأحمر متماسكاً، وعلى وفاق. ولكن عندما بدأ الهون والتفتت في هذا الحلف، شرع الجانب الخاسر بالمطالبة بتطبيق مبدأ التداول السلمي للحكم. ولذلك فقد كانت انتخابات عام 2006م، هي أول انتخابات تنافسية يجري  فيها التنافس بين علي عبد الله صالح، مرشحا عن حزب المؤتمر الشعبي العام، والمهندس فيصل بن شملان مرشحا عن أحزاب تكتل اللقاء المشترك، الذي يحتل حزب التجمع اليمني للإصلاح، مركز الثقل والصدارة فيه. وقد فاز فيها الأول، وذلك بحسب النتائج التي أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات حينئذ.

   وبرغم تلك النتيجة، إلا أن ما يلفت الانتباه هو الآتي:

1. إن الصدام بين الأوليجاركية الحاكمة – علي عبد الله صالح، وأسرة آل الأحمر – قد وصل إلى نقطة اللاعودة.

2. إن علي عبد الله صالح، لم يعد يمتلك الإجماع الشعبي، أو حتى الأغلبية المطلقة. وهذا ما أكدته الحملة الانتخابية المضادة لصالح في انتخابات 2006م.

3. إن سلطة علي عبد الله صالح، صارت على المحك.

رابعاً: حروب صعده.

   بدأت سلطة علي عبد الله صالح حربها على مواطني صعده، التي استمرت لست جولات حتى نهاية عام 2010م.

خامساً: الثورة الشعبية السلمية في الجنوب:

   وهي التي بدأت في عام 2007م. وقد حدد شعب الجنوب هدفه باستعادة دولته، التي أتحدت مع دولة الجمهورية العربية اليمنية في 22 مايو 1990م. وتكونت نتيجة ذلك دولة جديدة، هي الجمهورية اليمنية. إلا أن مشروع الوحدة هذا، قد فشل. وذلك عندما شن علي عبد الله صالح، الحرب على الجنوب في صيف 1994م. وكان من نتائجها المباشرة احتلال الجنوب وضمه، والاستيلاء على ثرواته.

سادساً: الحرب على الإرهاب.

   بعد أن هُزم تنظيم القاعدة – أو حتى ضعف – في أفغانستان، ذهب هذا التنظيم يبحث عن بيئة مناسبة أخرى له. فكانت هذه البيئة، في كلٍّ من العراق، والجمهورية اليمنية.

   وبغض النظر عن عدم انسجام القوى، التي ظهرت في مواجهة سلطة علي عبد الله صالح – أسرة آل الأحمر، أحزاب المعارضة، الحوثيون في صعده، وشعب الجنوب – إلا أنهم خلقوا مشكلة حقيقية لسلطة(صالح)، يتطلب إيجاد المعالجات لها. علماً بأنها مشكلات متعددة ومختلفة من حيث المضامين والأهداف. إلا أن مأساة علي عبد الله صالح، أنه لا يريد أن يقتنع بان هناك مشكلات معقدة، قد برزت أمام حكمه، وأنها تتطلب حلولاً مناسبة. ولذلك فقد اختار الحلول العسكرية والأمنية، بهدف تصفية خصومه. ويبدو أن الرجل، قد اعتمد على كلٍّ من الدعم الإقليمي والدولي.

   أما الدعم الإقليمي فتتزعمه السعودية – ومن وراءها أغلبية الدول الخليجية – وذلك مقابل؛ أولاً أن (صالح)، لا يشكل أية خطورة على محيطها الإقليمي، باعتبار أن نظامه السياسي لا يختلف من حيث جوهره عن الأنظمة الخليجية. بمعنى أنه نظام استبدادي، وأنه يعمل على توريث الحكم. أما الشيء الآخر، فهو أن (صالح) قد قدَّم خدمات كبيرة لبعض دول الجوار – وخاصة السعودية وعمان – وأهمها ترسيم الحدود، وبما أتاحته عملية الترسيم من استقطاع مساحات كبيرة لصالح هاتين الدولتين.

   أما الدعم الدولي ، فتتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك مقابل شيئين: الأول، هو تعاون نظام علي عبد الله صالح فيما يخص محاربة الإرهاب، والذي نجح(صالح) في حصر هذه المهمة به شخصياً، وبأفراد من أسرته. وبما يعني أيضاً، استحواذ(صالح) وأسرته على الدعم المالي، الذي تدفعه الحكومة الأمريكية لتغطية هذا النشاط. كما استطاع(صالح) أن يلعب بهذه الورقة، من خلال الاحتفاظ شخصياً، بكل المعلومات الخاصة بهذه المسألة.

   أما الشيء الآخر، فهو مقابل التسهيلات السخية، التي قدمها(صالح) للشركات الأمريكية، في مجال التنقيب على النفط والغاز. ولذلك لا نستغرب إذا ما عرفنا، أن المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية القادمة في أمريكا، قد عبَّر عن اعتراضه للضغوط، التي تمارسها الإدارة الديمقراطية الحالية على (الصديق) علي عبد الله صالح.

  ويمكننا القول، بأن الأزمة السياسية ظلت مراوحة في مكانها، وذلك بفضل الدعم السياسي والاقتصادي، الذي تقدمها – لصالح – مجموعة من الجهات ذات المصلحة المتبادلة معه.

  ولزيادة الضغط على(صالح)، عملت أسرة آل الأحمر على تكوين جماعات ضغط، كان أهمها ” مجلس الحوار الوطني”، الذي يرأسه الشيخ حميد الأحمر. و” مجلس التضامن الوطني” الذي يرأسه الشيخ حسين بن عبد الله بن حسين الأحمر. ناهيك عن مجلس اتحاد القبائل، الذي يرأسه الشيخ صادق بن عبد الله بن حسين الأحمر، شيخ مشايخ حاشد.

   وإذا استثنينا الأهداف التي يرفعها الجنوبيون والحوثيون، فإن أهداف التكتلات الأخرى: تكتل اللقاء المشترك ومجلس الحوار الوطني، ومجلس التضامن الوطني، واتحاد القبائل – والتي تقع جميعها تحت قيادة وتأثير أسرة آل الأحمر – تتمثل في:

1. زيادة عملية التحشيد ضد علي عبد الله صالح، باتجاه تقليل قاعدته الجماهيرية.

2. صياغة قانون انتخاب جديد.

3. تصحيح السجل الانتخابي.

4. خلق أرضية صحية للانتخابات.

5. إجراء انتخابات برلمانية، ورئاسية صحيحة.

6. عدم توريث الحكم.

7. تحقيق مبدأ التداول السلمي للسلطة.

المشهد السياسي الثاني(فبراير 2011م – نوفمبر 2011م)

   وفي ظل عملية تفاعلات المشاهد السياسية بشكلٍ عام – أو ما أطلق عليها بثورات الربيع العربي –

التي بدأت من تونس، ثم مصر، وليبيا، والبحرين، وسوريا – ثم بدأ المشهد السياسي في الجمهورية اليمنية – بين علي عبد الله صالح وأسرته وحزبه(المؤتمر الشعبي العام) كطرف أول، وأحزاب تكتل اللقاء المشترك بقيادة أسرة آل الأحمر – كطرف ثان منذ اواخر عام 2010م. فكيف يمكننا فهم ما حدث -والذي ما زال يحدث – في الجمهورية اليمنية؟ الذي انتهى جزئياً في نوفمبر 2011م، بموجب المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة الموقعة في الرياض بتاريخ 23/11/2011م، وقرار مجلس الأمن رقم(2014)، الصادر في 21/10/2011م.

  وقبل أن نحلل المشهد الراهن – الذي بدأ في مطلع فبراير 2011م – يتحتم علينا أن نتذكر أن هناك محاولات عديدة – للتظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات السياسية – قد رأيناها قبل هذا المشهد الراهن – الذي نشاهده اليوم في شارع الستين، وبجوار جامعة صنعاء القديمة، وبعض الساحات في بعض المدن الأخرى، مثل تعز وإب والبيضاء وصعده وغيرها – وكانت تلك الاحتجاجات والاعتصامات، تظهر بين الفينة والأخرى في ساحة مجلس النواب، وديوان مجلس الوزراء. وغالباً ما كانت الأجهزة الأمنية تسيطر على الموقف، وتعمل على تفريقها. وكانت أحزاب المعارضة، هي من كانت تقود ذلك المشهد. أما في المضمون، فإن حزب التجمع اليمني للإصلاح، كان هو القوة الدافعة الحقيقية لتلك الاحتجاجات والاعتصامات. والأسباب معروفة.

   وعليه، فإن المشهد الراهن هو امتداد، أو استمرار لذلك المشهد السابق(الاحتجاجات والاعتصامات). ولكن هناك اختلاف بين المشهدين، نلخصه على النحو الآتي:

1. فمن حيث الوتيرة والقوة والحجم، فبينما كان المشهد الأول هشاً وضعيفاً ومحدود العدد، فإن المشهد الراهن يبدو بعكس ذلك تماما. فقوة المشهد واضحة، والأعداد كبيرة.

 2. كما أن المشهد الراهن تشترك فيه قوى اجتماعية متنوعة. بينما كان المشهد السابق محصورا على عناصر الأحزاب المنضويين في تكتل اللقاء المشترك، وعلى وجه الخصوص أعضاء حزب التجمع اليمني للإصلاح. كما أن للشباب والنساء وقوى أخرى، حضوراً متميزاً في المشهد الراهن.

3. توافر تغطية إعلامية متنوعة مصاحبة للمشهد الراهن، ساهمت فيه مؤسسات وقنوات متعددة. بينما افتقر المشهد السابق لمثل هذه التغطية.

4. اكتست التجمعات في عدد من الساحات – وخاصة صنعاء وتعز – بنوع متقدم من التنظيم.

5. ومقابل الانتهاء السريع للاحتجاجات والاعتصامات السابقة، فقد اتسمت الاحتجاجات والاعتصامات الحالية بالصمود والاستمرارية. وفي سبيل ذلك، قدم المعتصمون والمرابطون في الساحات، عدداً كبيراً من الشهداء والجرحى والمعاقين والمعتقلين.

   وبغض النظر عن أهمية هذه الاختلافات بين المشهدين، إلا أن ذلك لا يخفي مجموعة من الحقائق ذات العلاقة بالحالة الراهنة، أو المشهد السياسي الراهن بحسب تعبيرنا، أو بالثورة الشبابية، كما يحبذ البعض الآخر أن يسمي ما يحدث الآن في بعض البلدان العربية.

   وقبل الخوض في مظاهر أو تجليات هذا المشهد، وكذا في المسار الذي اتبعه، ينبغي التدقيق في مسألتين: الأولى، هي توصيف هذا المشهد. بمعنى هل هو ثورة شبابية؟ أم ثورة شعبية؟ أو هو شيء آخر؟

   أما المسألة الثانية، فهي خاصة بتحديد المكان الذي يحدث فيه هذا المشهد. بمعنى هل هو في الجمهورية اليمنية؟ أم في تلك المناطق التي كان يطلق عليها(ج.ع.ي)؟ أو هو في اليمن؟

  فيما يخص المسألة الأولى، فإن الوصول إلى توصيف صحيح وسليم للحالة أو المشهد الراهن، له علاقة بالإجابة على مسألتين أساسيتين: الأولى، معرفة القوى الاجتماعية والسياسية، التي تقف خلف هذا المشهد، أو تلك التي لها مصلحة حقيقية ومباشرة بنتائج هذا المشهد. أما المسألة الثانية، فهي ليست خاصة فقط بمعرفة الأهداف القريبة والبعيدة، والمباشرة وغير المباشرة – التي يتبناها هذا المشهد – بل وتلك التي ستتحقق في الواقع فعلاً.

   فعند تفحصنا للقوى الاجتماعية والسياسية المشاركة في هذا المشهد، سنكتشف أن هناك لوحة متعددة الألوان تشبه منظر بانورامي، ولكنه يبدو متنافرا. فما هي هذه اللوحة، أو هذا المنظر البانورامي؟

   وإلى عشية المشهد الثاني، يمكننا القول بأن فعاليات أحزاب تكتل اللقاء المشترك – أو ما أطلقنا عليه بالمشهد الأول – قد خفتتْ وهمدتْ. بمعنى أن القوى الاجتماعية والسياسية – المشاركة في المشهد الأول – كانوا هم أعضاء وأنصار هذه الأحزاب. فما هي إذن القوى السياسية والاجتماعية المشاركة في المشهد الثاني؟

  يمكن القول بأن هذه المسألة، لها علاقة مباشرة بعدد من العوامل. أولها الأزمة السياسية المركبة، التي كانت جاثمة على الواقع السياسي. وثانيها، هو السياق الزمني الذي مرَّ به المشهد الثاني. وهي بالقطع فترة زمنية طويلة، قاربت العشرة الأشهر. وثالثها، هو التركيبة الاجتماعية للمجتمع الذي يحيط بالساحات الأساسية. ورابعها، له علاقة بالخبرة التاريخية بإدارة الصراعات السياسية في الواقع الذي توجد فيه الساحات الأساسية. وخامسها، هي خبرة وقوة السلطة الحاكمة. أما سادسها، فله علاقة بما حدث في بعض البلدان العربية، أي المشهد السياسي في هذه البلدان، أو ما حبَّذ البعض تسميته بالثورات العربية، أو ربيع الثورات العربية.

   وفي ضوء ما ذكرناها من عوامل، يمكننا أن نصل إلى اللوحة، أو المنظر البانورامي للقوى الاجتماعية والسياسية، المشاهدة في تلك الساحات الرئيسية للمشهد السياسي الراهن:

1. كانت مشاركة فئة الشباب في مشهدي تونس ومصر، ملهمة ودافعة لفئة الشباب في مدن مثل صنعاء وتعز، للخروج إلى ساحات هذه المدن وغيرها. وبذا كان الشباب، هم أول من نزل إلى ساحات الاعتصامات والاحتجاجات.

2. وإذا تذكرنا المشهد الأول – وعلى الخصوص القوى الاجتماعية والسياسية المكونة له – نجد أنها قد التحقت بالمشهد الثاني. وهو التصرف ذاته، الذي سلكته الأحزاب السياسية التقليدية في مصر أثناء مشهد “ثورة ” 25 يناير.

3. وإذا تذكرنا التصدع – الذي حدث داخل كيان الاوليجاركية الحاكمة – فإن هذا المشهد الثاني، كان مناسباً لالتحاق أسرة آل الأحمر به. وهذا يعني استخدام إمكانياتها وطاقتها – المادية والبشرية والإعلامية والقبلية – إلى أقصى مدى ممكن. هذا إذا لم تكن هي القوة الدافعة، والواقفة خلف هذا المشهد.

4. وكان للتركيبة الاجتماعية، تأثيرها الكبير على تكوين القوى الاجتماعية للمشهد الثاني. وهي بلا شك تركيبة اجتماعية قبلية. ولذلك كان غالباً ما يلفت انتباهنا، الإشارة إلى الكثيرين ممن انظموا إلى الساحات، بأنهم قد تخلَّوا عن القبيلة لمجرد أنهم وضعوا أسلحتهم النارية في المنازل، أو أنهم سلَّموها عند مداخل الساحات. وهذا مما يجافي المنطق.

5. وفيما يخص الخبرة التاريخية للصراع على السلطة، فقد تجلَّى ذلك في تلك الانقسامات التي حدثت في بعض مؤسسات السلطة – المدنية والعسكرية والدبلوماسية والتشريعية – وغيرها. وتأتي في مقدمة ذلك، انشقاق اللواء علي محسن الأحمر عن المؤسسة العسكرية مع أفراد فرقته وآلياتها، وانضمامه إلى ساحات الاعتصام. أضف إلى ذلك، تجميد العديد من البرلمانيين لعضويتهم في مجلس النواب.

   وبخصوص هذه الانشقاقات، ومن ثم الانضمام إلى صف المناوئين لعلي عبد الله صالح، فمن الممكن إعطاء تفسيرات مختلفة، باختلاف حالات تلك الانشقاقات، أكان من حيث الدوافع، أو الأهداف المراد تحقيقها من جانب كل حالة على حده. وهذا ما سنتطرق له لاحقاً.

6. وفيما يخص خبرة علي عبد الله صالح في إدارة الصراع مع خصومه، فيمكننا أن نلاحظ ذلك من خلال احتمال دفع بعض الأفراد أو الجماعات – عسكريه ومدنية – للانضمام إلى الساحات.

7. أما فيما يخص المدى الزمني الذي استغرقه المشهد السياسي الراهن – وهو مدى يقترب من العام – فيتجلى من خلال عملية الانضمام إلى هذا المشهد السياسي الثاني تارة، والانسحاب منه تارة أخرى، أكان بشكل فردي أو جماعي. ومع أن هذه العملية ليست منظورة، إلا أنها بالتأكيد موجودة. وتكمن أسباب ذلك إلى تقدير أولئك المنضمين أو المنسحبين، لقوة الفريقين المتخاصمين، وقدرة كل منهما على حسم المعركة لصالحه.

   واستكمالا لهذه الجزئية، وإذا تجاوزنا ما اعتادت أن تردده بعض القنوات الفضائية – الجزيرة وسهيل وغيرها –  بوجود ساحات الاعتصامات في 17 محافظة – فيمكننا توضيح هذه المسألة على النحو الآتي:

1. ففي مشهد الاعتصامات في العاصمة صنعاء، نجد أن جميع القوى الاجتماعية والسياسية – التي ذكرناها آنفا – كانت حاضره فيها. ويعني ذلك، أن هناك أهدافا متعددة، بحسب تعدد وتنوع هذه القوى، بغض النظر عما يصل إلى أسماعنا من أهداف ومطالب. وبشكل عام، فان مشهد الاعتصامات والاحتجاجات في صنعاء، قد استمدت  دوافعها ومبرراتها وزخمها من أهمية المكان ذاته. أي باعتبار أن صنعاء هي العاصمة، التي تحوي كلَّ مؤسسات الدولة الرئيسية، وفي المقدمة قصر الرئاسة.

2. كما شارك الحوثيون في اعتصامات(صنعاء) بفعالية. كما أنشئوا ساحاتهم الخاصة بهم في أماكن تواجدهم الفعلية – صعدة –  وسيَّروا المسيرات والاعتصامات. وهم بذلك كالمحارب الذي يأخذ قسطاً من الراحة، بغية مواصلة معركته. وبرغم أننا لم نكن نسمع – قبيل هذا المشهد – سوى أنباء القتال في صعده، فقد صرنا نرى الحشود الكبيرة للصعداويين بقيادة الحوثيين.

   ومثل هذا التحول الإبداعي عند الحوثيين، يحمل في طياته مجموعة من الدلائل الهامة:أولها، وجود درجة عالية من التنظيم والانضباط عند الحوثيين. وثانيها، إن الحوثيين قادرون على التحول من الحالة العسكرية إلى الحالة المدنية، والعكس صحيح. وثالثها، إن ذلك يدل بوضوح على قدرة الحوثيين على التقاط اللحظة التاريخية. وخلاصة القول، إن رسالة الحوثيين تجاه هذا المشهد، فحواها إنهم موجودون.

3. وفي تعز، نجد أن مشهد الاعتصامات والاحتجاجات، قد أتسم بعدد من السمات: أولها، إن القوى الاجتماعية والسياسية الطاغية على المشهد هناك، يشبه إلى حدٍّ كبير ما لاحظناه في ذلك المشهد في صنعاء. وثانيها، له علاقة بالتكوين المذهبي لسكان تعز وما جاورها. بمعنى أن الغالبية من المشاركين هناك، ينتمون إلى المذهب الشافعي. وهي حالة عكسية لما هو موجود في مشهد صنعاء. وثالثها، فبالإضافة إلى توحد مشهد تعز مع مشاهد الاعتصامات والاحتجاجات الأخرى – من حيث الشعارات والأهداف والمطالب – فإن هناك اختلاف نسبي، فيما يخص أهداف ومطالب القوى الاجتماعية والسياسية الموجودة في مشهد تعز. وهذا له علاقة باعتبارين: الأول، الحساسية التاريخية بين المذهبين (الزيدي والشافعي). أما الاعتبار الآخر، فهو شعور المواطنين المنتسبين إلى المناطق الشافعية – ومنها تعز – بالضيم والظلم، لاعتقادهم بأنهم مهشمون سياسياً، برغم أن الشوافع يمثلون النسبة الأكبر من سكان المملكة اليمنية المتوكلية سابقا، والجمهورية العربية اليمنية لاحقا.

   وعليه، فلا غرابة إذا ما لاحظنا، أن العديد من مشايخ القبائل المنتمية إلى هذه المنطقة، قد أعلنوا مشاركتهم للدفاع عن ساحة الحرية بتعز، بسبب تعرضها لهجمات عسكرية من جانب قوات السلطة وأعوانها، وبرغم أن هولاء المشايخ أنفسهم، قد استخدمتهم السلطة ضد مواطنيهم في بعض الصراعات السياسية سابقاً.

   ومن الممكن تثبيت ماقلناه بصدد تعز، على ساحات أخرى مثل؛ الحديدة وإب وغيرها من المناطق التي، كانت تقع ضمن الجمهورية العربية اليمنية.

   أما إذا انتقلنا لتقصي المشهد السياسي في الجنوب، فالحالة تبدو مختلفة تماماً.

   ففي البدء يجب أن نتذكر، أن الحراك في الجنوب، كان هو السبَّاق إلى إشعال ثورة شعب الجنوب السلمية، المطالبة باستعادة دولة الجنوب التي كانت قائمة حتى 21 مايو 1990م. وذلك بعد فشل تجربة الوحدة الاندماجية مع كيان الجمهورية العربية اليمنية. وتنماز هذه الثورة بسمتين أساسيتين: الأولى، أنها أول ثورة سلمية، حيث سبقت كل ثورات الربيع العربي. حيث بدأت في يوليو 2007م، وما زالت مستمرة حتى الآن. أما السمة الأخرى، فهي أنها أكثر هذه الثورات العربية عدالة، باعتبار أن هدفها الأساسي، هو الحرية والاستقلال وتقرير مصير شعب الجنوب، وليس هدفها الإصلاح السياسي، أو إسقاط النظام السياسي، كما هي الحال في بقية المشاهد السياسية العربية الأخرى. وبالطبع باستثناء الثورة البحرينية.

   ومن ناحية ثانية، يجب أن نتذكر أن ثورة الجنوب – بقيادة حراكه السلمي – كانت في أوج زخمها وعنفوانها حتى بدء المشهد السياسي ضد علي عبد الله صالح في فبراير 2011م. علماً بأن شعب الجنوب، قد قدم منذ بدء ثورته السلمية حتى الآن نحو(620) شهيدا، و(1200)جريحاً، و(23000) معتقلاً سياسياً. وقد ظل المناضل الجنوبي حسن أحمد باعوم وولده فواز، أسيرين لدى سلطة صنعاء، وفي صنعاء حتى أواخر عام 2011م.

   وفي ضوء بروز المشهد السياسي في فبراير 2011م، فما هو انعكاسه على المشهد السياسي لثورة الجنوب؟

   فمنذ البدء وبالتزامن مع قيام الاحتجاجات والاعتصامات – الخاصة بالمشهد الثاني – فبراير 2011م – شارك الكثير من الجنوبيين في هذا المشهد، الذي رُفعَ فيه هدف “إسقاط النظام”. ومن خلال هذه المشاركة، كان الجنوبيون يأملون تحقيق هدفين أو مطلبين. الأول، هو الاعتراف بفشل وحدة مايو 1990م، أما الهدف أو المطلب الثاني، فهو اعتراف القائمين على المشهد الثاني، بشرعية وعدالة القضية الجنوبية، وحق تقرير المصير لشعب الجنوب.

   والمؤسف أن شعب الجنوب، قد خاب أمله للحصول على هذين الهدفين أو المطلبين. وسبب ذلك يعود إلى أن ” ثوار” المشهد الثاني، لم يلتفتوا إلى قضية شعب الجنوب، أو أنهم لم يضعوها في أجندتهم، أو أنهم تنكروا لها لأنها لاتهمهم، أو للأسباب الثلاثة جميعها. علماً بأن الحراكيين وأنصارهم في الجنوب، هم أول من قدموا الشهداء في مشهد المطالبة بإسقاط نظام علي عبد الله صالح. وكان ذلك في مدن المعلى وخور مكسر والمنصورة. حيث سقط نحو العشرات من الشهداء والجرحى، وذلك في بداية المشهد السياسي الثاني، الذي بدأ في فبراير2011م.

   وقد تولد عن هذا الموقف السلبي تجاه القضية الجنوبية، المسائل الآتية:

1. انسحاب الجنوبيين المرتبطين بحركة الحراك السلمي الجنوبي، من ساحات الاعتصامات المحسوبة على المشهد السياسي الثاني – المطالب بإسقاط نظام علي عبد الله صالح – واستغلال هذه الساحات لصالح القضية الجنوبية، كلما تطلبت الضرورة أو المناسبات ذلك.

2. في ضوء هذا الموقف الذي اتخذه الجنوبيون، نزع المتحمسون لأجندة المشهد الثاني إلى إقامة بعض الساحات الخاصة بهم في بعض مناطق الجنوب. وقد اعتبره أغلب الجنوبيين، بمثابة تحدّ سافر ضد قضيتهم ومشروعهم السياسي. وقد تولَّد هذا الموقف من اعتبارين اثنين:الأول، إن قسماً من هؤلاء المتحمسين هم من أصول غير جنوبية. أي من أولئك الذين ينكرون أن للجنوبيين هويتهم الخاصة بهم.  أما الاعتبار الثاني، فيعود إلى أن القسم الآخر من هؤلاء المتحمسين، ينتمون في معظمهم – إن لم يكن جميعهم – إلى التيار الإسلامي، المتمثل بحزب التجمع اليمني للإصلاح. وهو في الأساس حزب وافد من خارج حدود الجنوب، أي من مناطق الجمهورية العربية اليمنية. مع التذكير بأن هذا الحزب، جرى تأسيسه بالاتفاق بين الأوليجاركية الحاكمة – صالح وأسرة آل الأحمر – لاستخدامه ضد الجنوب. وذلك بحسب ما ورد في مذكرات المرحوم الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر. كما كان هذا الحزب،  الحليف الرئيسي لعلي عبد الله صالح في احتلال الجنوب في حرب صيف 1994م.

3. وتأسيسا على ما سبق قوله، نستخلص أن هؤلاء المتحمسين – بقسميهم – قد شكلوا حالة استفزازية ضد الجنوبيين وقضيتهم. أدركوا ذلك أم لم يدركوه.

   وبالعودة إلى سؤالنا بصدد المكان الذي يحدث فيه هذا المشهد الثاني، نستخلص أن هذا المكان، هو تلك المناطق التي كانت تشكِّل الجمهورية العربية اليمنية، وذلك للأسباب الآتية:

1. برغم أن هدف أو مطلب “إسقاط نظام الرئيس صالح” هو ما يأمل به الجنوبيون، إلا أنه من المؤكد والثابت أن سقوط هذا النظام – هذا إذا تم فعلا – لن يؤدِ إلى الحل الفوري الاتوماتيكي لحل قضية الجنوب.

2. وحتى إذا حاولنا أن نبحث في الخطاب السياسي لأصحاب المشهد الثاني – في مختلف ساحاتهم – فإننا لا نجد ما يشير إلى الاعتراف بقضية الجنوب، وحلها بالطريقة التي يريدها شعب الجنوب. بل بالعكس من ذلك، حيث نجد تجاهلا ونكرانا لهذه القضية.

3. خلو ساحات الجنوب من الاعتصامات والاحتجاجات المؤيدة للمشهد السياسي الثاني، باستثناء أعداد ضئيلة لهم علاقة بالتشيُّع للهوية اليمنية، وليس لهم علاقة بالهوية الجنوبية.

4. وبالعلاقة مع ما سبق وللأسباب ذاتها، كان خيار الجنوبيين هو عدم الانخراط في هذا المشهد السياسي الثاني، أو تجاهله، أو التعامل معه بدون حماس.

   أما فيما يخص التساؤل الآخر – وهو ما يخص توصيف هذا المشهد، من حيث كونه ثورة شبابية، أم ثورة شعبية؟ أو أنه يحمل توصيفا آخر – فإن الإجابة على هذه التساؤلات، ستكون صادمة لأولئك الذين ما زالوا يتعاملون مع الواقع برومانسية. ومن المؤكد بأن الرومانسية عكس الواقعية.

   وفي الحقيقة، فإن هذا التساؤل ينقسم إلى سؤالين أساسيين:

الأول: هل المشهد السياسي الثاني – الذي استنتجنا أنه يحدث أساسا في مناطق ج.ع.ي – ثورة بالمعنى المتعارف عليه؟ أم هو ليس ثورة؟ بمعنى أنه يحمل توصيفا آخر.

الثاني: إذا كان هذا المشهد ثورة، فهل هو ثورة شبابية؟ أم ثورة شعبيه(جماهيرية) واسعة؟

   وقبل الإجابة على السؤال الأول – وهو السؤال الهام والأساسي – يمكننا تناول السؤال الثاني. بمعنى هل هناك ثورات شبابية؟ وأخريات غير شبابية؟ وما هي معايير توصيف ذلك؟ وبالتالي أين نضع ما يحدث في المشهد السياسي الراهن؟

   ومع إنني غير منساق إلى هذا التوصيف – الذي يميِّز بين ثورات شبابية، وأخرى غير شبابية – إلا إنني أتساءل مع آخرين، بصدد المعايير الخاصة بهذا التوصيف. بمعنى هل “الثورة الشبابية” لها علاقة بالفئة العمرية، التي تقود هذه الثورة؟ أم بجماهيرها؟ أو لها علاقة بأهداف الثورة ذاتها؟

   وإذا أخذنا هذه المعايير على مجمل الجد، فإن إجابتنا على هذا السؤال تكون بالنفي. أي أنه لا توجد ما يمكن تسميتها بالثورة الشبابية. وهذه هي الأسباب:

1. إذا سلمنا بأن الشباب، كانوا هم أول من نزلوا إلى ساحات الاعتصامات والاحتجاجات – فبراير 2011م – فإن المؤكد بأن هذا المشهد قد تغير تماماً، وذلك عندما انضمت إلى هذا المشهد، تلك الفئات الاجتماعية والمهنية والسياسية والعسكرية والأمنية. وذلك كما ألمحنا إلى ذلك في سياق دراستنا هذه.

2. أما إذا نظرنا إلى المسألة من حيث معرفة الجهة، التي تتحكم أو تؤثر في قيادة هذا المشهد السياسي، فمن المؤكد بأن الشباب يقعون – من الناحية العملية والواقعية – خارج هذه العملية تماماً. وذلك بغض النظر عما نشاهده من إبراز العديد من العناصر الشبابية – في بعض القنوات الفضائية – للحديث عن هذا المشهد. وسنأتي لاحقا لتوضيح هذه المسألة.

3. أما إذا أخذنا المسألة من حيث الأهداف المعلنة، والخطاب السياسي الخاص بهذا المشهد، فمن المؤكد بأن التجربة التاريخية لكل الثورات، لم تميِّز بين ثورات خاصة بالشباب، وأخرى خاصة بالنسوة وغيرها بدوي الأعمار المتقدمة .. الخ.

   وعليه، فإننا نخلص إلى أن هذا التوصيف – بين ثورات شبابية وغير شبابية – هو توصيف مضلِّل وزائف. لأنه مؤَسَسٌ على الحماس والانتشاء ليس إلا.

   ولكن إذا وصلنا إلى قناعة، بأنه لا توجد ثورة شبابية، فهل هناك ثورة بالأساس؟ أم ما نشاهده أمامنا هو شيء آخر؟ وما هو؟

   وعليه، هل باستطاعتنا أن نطلق على ما نراه في المشهد الثاني – (فبراير 2011م) – بأنه ثورة؟ وذلك بحسب ما يردده المتواجدون في ساحات هذا المشهد، وما يكرره إعلامهم المساند، وخاصة قناتا الجزيرة وسهيل.

  وللوصول إلى إجابة شافية على هذا السؤال، ينبغي أن يتوافر لدينا تعريف لمفهوم “الثورة”. هذا أولاً. ثم يتوجب علينا أن نتعرف على الأهداف والمطالب، التي يرفعها المشاركون في هذا المشهد. وهذا ثانياً. وثالثا، ما هي القوى الاجتماعية والسياسية المحركة لهذا المشهد من ناحية؟ وماهية القوى الاجتماعية والسياسية، المستفيدة من ثمار هذا المشهد من ناحية أخرى؟. وقبل ذلك وبعده، هل هذه الثورة سلمية؟ أم عكس ذلك؟ وإذا لم يكن ما نشاهده ” ثوره “. فلماذا هو ليس كذلك؟

   يمكننا التقرير بأن  لمفهوم “الثورة” تعريفين: الأول، قديمٌ أو تقليديٌ. والآخر حديثٌ.

   فمن حيث الشكل أو الطريقة، غالباً ما كانت تتم عملية التغيير – الثورات – بواسطة أسلوبين:الأول هو العمل المسلح ضد الاستعمار الأجنبي. أما الأسلوب الثاني، فهو الانقلابات العسكرية التي تكفَّلت بها، المؤسسات العسكرية(الجيش والأمن).

   أما من حيث المضمون، فإن الأسلوب الأول قد أدى إلى تكوين الدولة الوطنية المستقلة. كما أن الأسلوب الثاني، قد أدى إلى تغيير الأنظمة الملكية إلى جمهورية، أو تغيير قمة السلطة بقيادات أخرى، مدنية أو عسكرية. ومن المؤكد بأن تلك الثورات – وبما نتج عنها من أنظمة سياسية – قد فشلت في شكلها ومضمونها من تحقيق الأهداف الوطنية الكبيرة، التي كانت الشعوب العربية تهفو إليها. فلا دولة مدنية تأسستْ. ولا أنظمة ديمقراطية أقيمتْ. ولا مواطنة متساوية شُيدتْ. ولا حقوق للإنسان احترمتْ. ولا عدالة توزيع للثروة تحققتْ. وهكذا إلى آخر القائمة. وباختصار، فإن ما تحقق هو عكس ذلك تماماً.

   وفي ضوء نكوص الثورات السابقة عن تحقيق أية أهداف كبيرة، كان من الضرورة أن توجد هذه المشاهد السياسية في أكثر من بلد عربي. ولكن بمضامين جديدة.

  وباعتبار إننا قد اتفقنا، بأن المشهد السياسي الحالي يخص أساسا المناطق، التي كانت تخضع لكيان الجمهورية العربية اليمنية. إذن كيف يمكننا تطبيق هذه الحالة على هذا المشهد السياسي الحالي؟ وفي المكان الجغرافي المشار إليه سابقا؟

   فمن حيث الشكل، فإن الذي حصل في 26 سبتمبر 1962م، هي عملية انقلاب عسكري، نفذها مجموعة من ضباط جيش المملكة اليمنية المتوكلية، ضد الإمام محمد البدر بن احمد بن يحيى حميد الدين. أما من حيث المضمون، فإن أقصى ما حققه هذا الانقلاب، هو تغيير نظام الحكم من ملكي إلى جمهوري.

   وللتأكيد على محدودية الأهداف المتحققة من هذا الانقلاب – أي بما يعني نفي مضمون الثورة عن هذا الانقلاب – يمكننا تلخيص المسألة على النحو الآتي.

1. برغم أن الهدف المباشر لانقلاب 26 سبتمبر 1962م، كان تحويل نظام الحكم من النظام الملكي إلى الجمهوري، إلا أن هذا الهدف لم يتحقق في حينه. حيث دخلت البلاد في حرب أهليه بين قسم يؤيد النظام الجمهوري، وقسم آخر يؤيد النظام الملكي. ولم تضع الحرب أوزارها، إلا عندما اتفق الجانبان (القسمان) على تقاسم السلطة، وذلك استنادا إلى اتفاقية جده في مارس عام 1970م.

2. أدت هذه الاتفاقية إلى نتيجتين أساسيتين:الأولى، هي عودة كلّ الأفراد – الأساسيين وغير الأساسيين – الذين حاربوا ضمن القسم الملكي، ومشاركتهم في بعض مواقع السلطة. ولم يتبقى في المملكة السعودية، سوى الشخصيات المنتمية إلى أسرة آل حميد الدين، أو أولئك الذين فضلوا العيش في السعودية.

   أما النتيجة الأخرى، فقد تمثلتْ بعملية تفريغ ذلك الانقلاب من كل “الشعارات التقدمية “. ولم يبقى من النظام الجمهوري سوى التسمية فقط.

3. تحوَّل نظام الجمهورية العربية اليمنية من نظام مرتبط وتابع لقلعة ” التقدمية العربية” – ونعني بها مصر عبد الناصر – إلى نظام مرتبط وتابع لقلعة “الرجعية العربية “، ونعني بها المملكة العربية السعودية.

   ومن المؤكد، بأن رفض عودة أسرة آل حميد الدين إلى صنعاء، ليس له علاقة مطلقاً بمبدأ رفض عودة النظام الملكي إلى البلاد. ولكن له علاقة بمسألتين: الأولى، هي أن بقاء أسرة آل حميد الدين في السعودية، يزيح عن(أسرة آل الأحمر) عقبة كأداء. وذلك استناداً إلى العداوة التاريخية بين الأسرتين.

   أما المسألة الأخرى، فإن عدم عودة أسرة آل حميد الدين، قد هيأت الظروف كافة لأسرة آل الأحمر، بأن تكون الوكيل المعتمد للمصالح السياسية، لنظام الحكم السعودي في الجمهورية العربية اليمنية. وهو ما تحقق فعلاً. وذلك بفعل الدور النشط الذي نفذه الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، منذ تطبيق اتفاقية جده المذكورة حتى يوم مماته.

4. وعوضاً عن واقع اجتماعي، تأسس على تساوي الجميع في الظلم والفقر – وذلك في فترة حكم آل حميد الدين – جرى إقامة واقع اجتماعي مؤَسِسٌ على انقسام طبقي شديد، استولت فيه حفنة صغيرة على ثروات البلاد لصالحها. وقد مثلتْ فترة حكم علي عبد الله صالح، الصورة البشعة فيما يخص هذه الحالة.

5. وبرغم أن الهدف الرئيسي لانقلاب 26 سبتمبر 1962م، قد تحدد أساساً في إنهاء توريث الحكم. إلا أن نظام الحكم الجمهوري البديل، قد عمل على تكريس مبدأ التوريث في مختلف مفاصل الإدارة والحكم، وصولاً إلى رأس الدولة. وكانت فترة حكم علي عبد الله صالح، النموذج الفاضح الذي تجسدتْ فيه سياسة التوريث على مستوى الاداره والسلطة.

   وفي ضوء نكوص انقلاب 26 سبتمبر 1962م عن تحقيق الأهداف المرجوة – شكلا ومضمونا – جاء المشهد الثاني في فبراير 2011م. وقد طمح المشاركون في هذا المشهد، بأن يكون مختلفاً عن انقلاب سبتمبر 1962م، وكذلك عن المشهد الأول الذي سبق المشهد الثاني. وقد تحدد هذا الاختلاف في شكل ومضمون هذا المشهد الثاني.

   فمن حيث الشكل، فقد تحدد في زعم القائمين، والمشاركين في هذا المشهد الثاني، بأن ما يحدث في ساحات الاحتجاجات والاعتصامات – منذ فبراير 2011م – هو ثورة شعبية سلمية. وهذا بالطبع بعد أن برهنا، بأن ما يحدث في المشهد الثاني ليس بثورة شبابية.

   أما من حيث المضمون، فقد تحدد في زعم القائمين والمشاركين في المشهد ذاته، بأن أهداف هذا المشهد يختلف كلية عن أهداف كلٍّ من انقلاب سبتمبر 1962م، والمشهد الأول الذي سبق المشهد الثاني. بمعنى أن أهداف هذا المشهد، تبدأ من هدف إسقاط النظام السياسي الحاكم، وتنتهي بهدف بناء الدولة المدنية الحديثة. وهذا يتضمن أساسا على سبيل المثال لا الحصر تحقيق الأهداف الآتية:

1. إسقاط سلطة علي عبد الله صالح من رئاسة الدولة . ويشمل ذلك، تصفية كلَّ ما يمت بصلة لعملية التوريث، الذي كان يسعى إليها (صالح).

2. إسقاط النظام السياسي، بما يعني تصفية كلَّ المؤسسات السياسية(التنفيذية، والتشريعية، والقضائية)، التي اعتمد عليها علي عبد الله صالح في بقاءه في الحكم. وبما يعني إقامة نظام سياسي عصري.

3. بناء دولة مدنية حديثه بدستور عصري، وبما تشتمل عليه هذه الدولة من عناصر أساسية متعارف عليها دوليا، وذلك من قبيل: ديمقراطية صحيحة، ومواطنة متساوية، وتداول سلمي وحقيقي للسلطة، والحريات السياسية والعقائدية والفكرية، وإلى آخر هذه القائمة.

   وفي ضوء هذه الأهداف وبالاستناد إليها، هل يمكننا أن نحكم على هذا المشهد السياسي – الذي بدأ في فبراير 2011م – بأنه ثورة شعبيه من عدمها؟ وذلك بعد أن تبيَّن لنا عدم وجود مسمى “الثورة الشبابية “.

   وللوصول إلى إجابة شافية على هذا السؤال، يمكننا استعراض خمس مسائل أساسية، وهي:

أولاً: معرفة تطور هذا المشهد منذ البداية – فبراير2011- حتى نهايته.

ثانياً: الكيفية التي انتهى إليها هذا المشهد.

ثالثاً: الأهداف المتحققة حتى الآن.

رابعاً: القوى المستفيدة من هذا المشهد.

خامساً: الأسباب والعوامل المؤثرة في نهاية هذا المشهد، وبالطريقة إياها.

أولا: تطور المشهد الثاني منذ بدايته في فبراير 2011، حتى نهايته في نوفمبر 2011م

   بدأ هذا المشهد في فبراير 2011م، من خلال محاكاته لما حدث في المشهدين السياسيين في كلٍّ من تونس ومصر. أي عندما خرج الآلاف أولاً إلى ميدان السبعين في العاصمة صنعاء، ثم إلى الساحات المجاورة لجامعة صنعاء القديمة وميدان الستين، وذلك بعد أن عملتْ قوات الأمن على طردهم من ميدان السبعين. وذلك بحجة أن ميدان السبعين، يقع بالقرب من قصر الرئاسة.

   وبرغم عملية المحاكاة والتقليد لما حدث في تونس ومصر، إلا أن المشهد قد أخذ بالانحراف. فبعد أن ابتدأ الشباب – أولا – بالاحتشاد في الساحات، وبعد أن ابتدأ المشهد سلمياً، إذ بالمشهد ينقلب على عقبيه. حيث انضم إلى ساحات هذا المشهد، رجال القبائل – بغض النظر عن التظاهر بوضع أسلحتهم النارية عند بوابات الساحات – فذلك لا يغير من صفاتهم شيئاً. كما لحق أصحاب المشهد الأول بالمشهد الثاني. ونعني بهم أحزاب المعارضة – قيادات وقواعد – ثم لحقت بالمشهد، تلك المؤسسات التي أنشأتها أسرة آل الأحمر – مجلس التضامن الوطني، ولجنة الحوار الوطني. كما أتت الخطوة الأهم والأخطر، وهي انضمام اللواء علي محسن الأحمر – قائد الفرقة الأولى مدرع – وفرقته وأنصاره.

   وبغض النظر عن التظاهر برفع الشعارات المؤيدة – والمساندة والداعمة لهذا المشهد – أو الثورة السلمية كما يحلو للكثيرين. إلا أن الحقيقة، أن لكلِّ فريق من هؤلاء المذكورين الملتحقين بهذا المشهد، أهدافه، أو أجندته الخاصة به.

1. فبالنسبة للأفواج الأولى من الشباب – الذين نزلوا إلى الساحات – فمن الممكن تقسيمهم إلى ثلاثة أقسام: الأول، هم الشباب المتحمس للتغيير، والمتأثرون بما حدث في كل من تونس ومصر. وهم خليطٌ. فمن حيث المؤهلات التعليمية والتخصصية؛ فهناك تنوع وتدرج في مستوياتهم. ومن حيث الانتماء السياسي، فيوجد تنوع أيضا. وإنْ كانت الغلبة للمستقلين. والثاني، هم الشباب المنتمين سياسيا إلى مختلف الأحزاب السياسية، المنضوية داخل أحزاب تكتل اللقاء المشترك. وإنْ كانت الغلبة لأولئك المنتمين إلى حزب التجمع اليمني للإصلاح، ذات التوجه الإسلامي. ناهيك عن أنصاره وجماهيره. أما القسم الأخير، فهم الشباب المتحمسون للتغيير. ولكنه مقلِّدٌ وينقصه الوعي.

   وبالتقابل مع هذه الأقسام الثلاثة من الشباب، توجد ثلاثة أنواع من الأهداف، أو الأجندات. فالقسم الأول يبحث عن التغيير الجذري للنظام السياسي. بمعنى أنه يتوق إلى بناء دولة مدنية حديثة. والقسم الثاني، يبحثون عن التغيير. ولكن بما يتوافق مع أهداف مؤسساتهم السياسية الحزبية. أما القسم الأخير فإن أهدافهم تذهب في اتجاهين – إن لم تكن إلى أكثر من اتجاه. أما الاتجاه الأول، فتتسم أهدافهم بالضبابية وعدم الوضوح. أما الآخر فتتسم بالانسياق والتبعية مع أهداف القوى المؤثرة في هذا المشهد السياسي، الذي نحن بصدد الحديث عنه.

2. أما الصنف الثاني – وهم رجال القبائل – فهم من حيث المستوى التعليمي متنوعون: وإن كانت الغلبة لذوي المستويات المتدنية، دون أن نستبعد وجود الأمية الأبجدية بين جزء كبير منهم. كما أن هذه الفئة – رجال القبائل – تتسم بالعصبية لصالح القبيلة، أكان بمفهومها  الضيق أو بمفهومها الواسع.

   أما من حيث أهداف، أو أجندة هذه الفئة الاجتماعية. فغالبا مع تكون متسقة مع أهداف هذه القبيلة أو تلك. وذلك بحسب الانتماء. أو تكون منحازة مع أهداف القبيلة، أو التحالف القبلي القوي والمؤثر في هذا المشهد السياسي.

3. أما فيما يخص الصنف أو القسم الثالث – وهم أصحاب المشهد الأول – أي أحزاب تكتل اللقاء المشترك. أو الذين يجري نعتهم في الأدبيات السياسية المحلية، بالمعارضة السياسية للنظام، فهم أيضا متنوعون من حيث البنية الاجتماعية، ومن حيث رؤيتها السياسية والإيديولوجية. وعلى أساس هذا التنوع، يفترض أن تتنوع أهداف هذه الأحزاب. إلا أن هذه المسألة، ليست ما تعنينا في سياق موضوعنا هذا. وسبب ذلك يعود إلى أن هذه الأحزاب – وبعد توحدها في هذا التكتل – عملت على توحيد أهدافها كمعارضة لحكومة المؤتمر الشعبي العام.

   ومع أهمية توحد الأحزاب السياسية في هذا التكتل، إلا أن المسألة الأهم في ذلك، تتحدد في مركز الثقل الذي يحتله كل حزب في هذا التكتل.

   وبالتدقيق في هذه الحالة، يتبين لنا بأن حزب التجمع اليمني للإصلاح، يشكِّل حجر الرحى في هذا التكتل. وتعود أهمية وقوة هذا الحزب إلى مجموعة من الأسباب. نذكر منها:

– أنه الحزب الأكثر عددا من حيث؛ أعضائه وأنصاره وجماهيره. أكان على مستوى مناطق الجمهورية العربية اليمنية، أو حتى في مناطق الجنوب. وخاصة بعد أن تخلَّى الحزب الاشتراكي “اليمني” عن قضية الجنوب. ففقد بذلك سمعته وتاريخه. ولم يتبقى منه سوى الأطلال، أي اسمه.

– وهو حزب جماهيري، لأنه يجمع بين خاصتين الدين والقبيلة. أي أنه حاصل جمع التيار الديني (الأخوان المسلمين والسلفيين) والقبيلة. وكلاهما – أي الدين والقبيلة – لهما ذلك الوهج والتأثير الكبير بين صفوف الملا – في واقع مناطق الجمهورية العربية اليمنية –   بغض النظر عن ثقافتهم.

– وهو حزب منظَّم بشكل جيد، مقارنة مع بقية الأحزاب المتحالفه معه في هذا التكتل.

– وهو حزب يملك إمكانيات مادية ومالية كبيرة، تحصَّل عليها بوسائل مشروعة وغير مشروعة. وذلك مقارنة مع الأحزاب الأخرى المتحالفة معه.

– ناهيك عن القدرة العسكرية التي توفرها القبيلة له.

   وفي ضوء المعطيات الهامة المذكورة، نستخلص أن حزب التجمع اليمني للإصلاح، هو القوة القادرة على صياغة أهداف تكتل أحزاب اللقاء تجاه هذا المشهد السياسي، الذي نحن بصدد الحديث عنه. وإذا تذكرنا بأن أسرة آل الأحمر هم من أسسوا هذا الحزب، وأنهم المؤثرون فيه والمسيطرون على هذا الحزب، فإن المعادلة والنتيجة واضحة وضوح الشمس في كبد السماء.

4. أما فيما يخص تلك المؤسسات التي ابتكرتها أسرة ال الأحمر – مجلس التضامن الوطني، ومجلس الحوار – بقصد تشديد الخناق على علي عبد الله صالح وأسرته، فإن أهدافها واضحة. وهي الأهداف ذاتها الخاصة بأسرة آل الأحمر. والتي يمكن تلخيصها في منافستهم لعلى عبد الله صالح على السلطة. إن لم يكن الاستيلاء على كامل السلطة.

5. أما بالنسبة للموقف الذي اتخذه اللواء علي محسن الأحمر – قائد الفرقة الأولى مدرع – بالانضمام وفرقته إلى هذا المشهد السياسي، فهي المسألة الأكثر تعقيدا. ولكنها بالتأكيد ليست مستعصية على الحل. وعقدة المسألة، تعود أساسا إلى الإشكالية التي تحيط بالرجل – علي محسن الأحمر- من حيث شخصيته، ومواقفه، وعلاقته بعلي عبد الله صالح.

   فمن حيث شخصيته، فيبدو أن فيها الكثير من الالتباس، وتحمل العديد من المتناقضات. وبغض النظر عن الجهة التي صنعت هذا الالتباس أو التناقض. بمعنى هل الرجل هو من اختلق ذلك؟ أم الأفراد المحيطون حوله؟ فمن المؤكد بأنه لا يمكننا تجاهل هذه الحقيقة.

   فالمسموع عن الرجل أنه متدين. وهذه السمة تفترض أنه يتمتع بأخلاق وسلوك ومواصفات، تتطابق كليةً مع كونه متديناً. كما أن المسموع عن الرجل، أنه منتمي إلى المذهب السلفي، المقرون دائما بالمذهب الوهابي، الذي يرعاه نظام المملكة العربية السعودية. وبغض النظر عن السمات الخاصة بهذا المذهب – السلفي الوهابي – إلا أن ما يهمنا هي سمتين أساسيتين، وهما: سمة المغالاة، وعدم التسامح عند أصحاب هذا المذهب. وهما سمتان تتعارضان تماماً مع الجوهر الأساسي للدين الإسلامي، وهي التسامح. وهذه واحدة من تناقضات الرجل.

   كما أن المسموع عن الرجل، بأنه يتمتع بأخلاق جيدة. ومن المؤكد بأن من أبجديات أخلاق أي شخص، هي نظافة اليد. وهذا لا يتسق مع حجم الثروة والجاه التي يتمتع بهما الرجل. فكيف يمكننا حل هذا التناقض؟ هذا إذا تذكرنا جيدا، أن اللواء علي محسن الأحمر، ليس سوى قائد عسكري لفرقة عسكريه في جيش الدولة. وهو ليس بوزير الدفاع. ولا رئيس هيئة أركان الجيش. ومن المؤكد بأن قائمة الرجل طويلة، ولكننا سنذهب إلى آخر وأهم إشكالية عند علي محسن الأحمر، وهي علاقته بعلي عبد الله صالح.

   وحرىٌ بنا أن نتذكر، بأنه من المستبعد أن يذكر علي عبد الله صالح، بدون أن يقرن بعلي محسن الأحمر. وهذه حالة صارت ثابتة منذ استيلاء (صالح) على كرسي الحكم في 17 يوليو 1978م في الجمهورية العربية اليمنية. ومن الممكن أن نجد الإجابة على هذه المسألة في العناصر الآتية:

– لئن الفضل في وصول علي عبد الله صالح إلى السلطة، يعود إلى اللواء علي محسن الأحمر.

– كما يعود الفضل إلى علي محسن الأحمر، لإنقاذ علي عبد الله صالح عند تعرض حكمه للخطر، كما هي الحال في الانقلاب الذي قادة الناصريون ضد (صالح)، حيث ساهم علي محسن الأحمر في إفشاله الانقلاب، وإعدام قادته سرا.

–  ساهم بفعالية بواسطة فرقته الأولى (مدرع)، في تدمير القوات العسكرية الجنوبية في حرب صيف 1994م، واحتلال أراضي الجنوب. وقد حصل على نصيبه من الكعكة من ثروات الجنوب.

– قاد الحرب الظالمة ضد مواطني صعده بقيادة الحوثيين، وذلك خلال الحروب الست التي انتهت جولتها الأولى في نهاية عام 2010م.

– دور اللواء الأحمر في تصفية الرئيس الحمدي.

   ومن المؤكد بأن هذه المواقف، ليست سوى جزء من كل مواقف اللواء الأحمر مع علي عبد الله صالح. ولكن المهم بالنسبة لنا الآن، لماذا اتخذ اللواء الأحمر هذا الموقف الجديد، الذي يبدو أنه مخالف للعادة تجاه علي عبد الله صالح؟ وهل هذا الموقف، يمثل قطيعة نهائية مع الآخر؟ أم أنه يحمل في مضمونه مواقف متعددة؟

   ومن خلال قراءتنا للمشهد السياسي الحالي – بعموميته – ولموقف اللواء الأحمر، باعتباره جزء من هذا المشهد – نصل إلى أن موقف اللواء الأحمر، يمكن تفسيره على أكثر من وجه. وهذه القراءات المختلفة – أو المتعددة الوجوه – انطلقت أساسا من خاصية معروفه عند اللواء الأحمر، تتمثل في أنه يمتلك درجة من الذكاء، يجعله دائما مختفيا وراء الأحداث، برغم أنه الفاعل الحقيقي لهذا الحدث أو ذاك. كما أنه – بشكل عام – قليل الكلام. إلا أنه استطاع أن يتحرر من عقدة لسانه، وذلك منذ اللحظة الأولى التي انضم فيها إلى ساحة الاعتصامات. فصار خطيباً مفوهاً، ومحاوراً طليقاً مع رؤساء البعثات الدبلوماسية، والعديد من الصحف المحلية والأجنبية.

1. فإذا استندنا إلى علاقة والتزام اللواء الأحمر بالمذهب السلفي، فإن موقفه الجديد هذا، يمكن تفسيره باعتباره هروبا إلى الإمام. أي تقديم المذهب السلفي – واللواء الأحمر جزء منه – باعتباره جزءا من هذ المشهد السياسي المتشكِّل. وهو ما يعني أن هذا التقديم، يتضمن اعتذاراً عن أي سلوك سياسي سابق، أقدم عليه هذا المذهب. والمقصود بالسلوك السياسي السابق، الإشارة إلى علاقة السلفيين بتنظيم القاعدة، أكان من خلال ردف تنظيم القاعدة بالعنصر البشري، أو من خلال أنواع الدعم والمساندة الأخرى. ومن المؤكد بأن هذا الموقف، موجهٌ بشكل أساسي إلى المجتمع الدولي – وخاصة الولايات المتحدة والدول الأوربية – وقد تكفَّل اللواء الأحمر – من خلال هذا الموقف – بتنفيذ ثلاث مهمات:   الأولى، هي الاعتذار نيابةً عن السلفيين. والثانية، هي عرض خدمات السلفيين ابتداء من هذه اللحظة. والثالثة، وهي الأهم، تتمثل في تقديم نفسه – أي اللواء الأحمر – كلاعب أساسي في هذا المشهد.

2. وإذا تذكرنا أن حزب التجمع اليمني للإصلاح، هو اليافطة المحلية لتيار الإخوان المسلمين، وهو النسخة المحلية لتيار الأخوان المسلمين. وإذا تذكرنا أيضا بأن هذا الحزب، هو القوة المسيطره على كلٍّ من المشهد السياسي الحالي – ساحات الاعتصامات – وعلى تكتل أحزاب اللقاء المشترك. أي بمعنى آخر، بأنه رأس الحربة الموجهة ضد سلطة علي عبد الله صالح، فإن موقف اللواء الأحمر –  أي انضمامه إلى هذا المشهد – يمكن تفسيره باتجاهين. وهما: الأول، وله علاقة بما ذكرناه سابقا، أي أنه يهدف إلى تسويق وتأكيد وجود السلفيين في هذا المشهد السياسي، وعدم ترك مسرح المشهد للإخوان المسلمين لوحدهم. أما الاتجاه الآخر، فيهدف إلى خلق علاقة مزاوجة بين الجناحين السنيين (الإخوان والسلفيين) – أي خلق تحالف سياسي بينهما – برغم وجود درجة عالية من التطرف عند السلفيين.

3. وإذا انطلقنا من العلاقة المتميزة بين الرجلين – اللواء الأحمر والرئيس صالح – وذلك كما تعرفنا عليها في سياق حديثنا هذا، فيمكن أن يفسر موقف اللواء الأحمر في أربعة اتجاهات. وهي: إما أن خطوة اللواء الأحمر، هي استمرار لدوره السابق في دعم ومساندة علي عبد الله صالح. أو أنها خطوة نحو فك الارتباط عن علي عبد الله صالح. وإما انه يهدف إلى الوقوف في المنطقة الوسطى من المتصارعين داخل هذا المشهد. أو أنه يريد أن يلعب الادوارالثلاثة المذكورة جميعها.

4. أما إذا انطلقنا من الموقع الحقيقي المتميز – الذي يحتله اللواء الأحمر – وليس من الموقع الشكلي، باعتباره قائد فرقه في الجيش، فإن انضمام الرجل إلى المشهد السياسي الراهن، يمكن تفسيره باعتباره ضرورة ملحة للاشتراك في اقتسام الكعكة بعد أن تستوي.

   أما قولنا بأن المشهد السياسي – الذي بدأ في فبراير – قد تحوَّل من الطابع السلمي إلى حالة من العنف، فإن الشواهد على ذلك كثيرة وواضحة. كما أن هذا التحول كان له أثر سلبي على مجريات المشهد، وعلى النتائج النهائية التي أفضى إليها هذا المشهد.

   ومن حيث تجليات حالة العنف، يمكننا التمثيل على ذلك على النحو الآتي:

1. إن انضمام اللواء علي محسن الأحمر، وفرقته بمعداتها وعتادها الحربي إلى مشهد الاعتصامات والاحتجاجات – وخاصة في العاصمة صنعاء – قد أضفى على هذا المشهد طابعا عسكريا. وذلك بغض النظر عن الهدف المعلن عن هذه الخطوة، المتمثل بحماية الاعتصامات والاحتجاجات والمسيرات السلمية، أو حماية الثورة الشبابية السلمية، كما يحلو للبعض أن ينعت هذا المشهد.

2. وبالقدر نفسه، يمكننا التقرير فيما يخص إعلان بعض قبائل تعز وما جاورها من مناطق، بحماية ساحات الاعتصامات في تعز.

3. وإذا عدنا إلى بداية المشهد، وتذكرنا توافد رجال القبائل من خارج صنعاء – برغم القول بأنهم قد وضعوا أسلحتهم خارج الساحات – فإن ذلك يؤكد بأن جزءاً كبيراً منهم، قد اشتركوا في تلك الصدامات المسلحة، التي حدثت في العديد من مناطق العاصمة صنعاء. وهي المسئولة عما تعاني منه العاصمة من انفلات أمني، ووضع الحواجز، وتقطيع شوارعها وأحياءها.

4. وهذا التقييم ينسحب كذلك على إحداث عنف أخرى، مثل حادث جامع النهدين في قصر الرئاسة، الذي سقط فيها ضحايا – مثل الأستاذ عبد العزيز عبد الغني – وأصيب فيه كثيرون – بما فيهم الرئيس (صالح). وهو عمل مدان، مهما كانت الذرائع.

   وباختصار، فإن محاولة تغيير المشهد – من الطابع السلمي إلى حالات عنف – قد أدى إلى نتيجتين سلبيتين:

الأولى: استخدام نظام علي عبد الله صالح، لأقصى ما يملك من وسائل وأدوات عنف لديه، ضد الاعتصامات والاحتجاجات السلمية في مختلف الساحات. حيث أُعلن عن سقوط نحو( 1032) شهيدا، و(22321) جريحا، وذلك منذ فبراير 2011م. وذلك بحسب تصريحات شباب الساحات. ومن المؤكد بأن ذلك لا يشمل الضحايا، الذين سقطوا خارج ساحات الاعتصامات. وقد وجدت السلطة مبررات قوية لأعمال التنكيل التي نفذتها ضد المنتفضين ضدها.

الثانية: إن هذا التحول – من الطابع السلمي إلى حالة العنف – قد قوَّى من حالة اللامبالاة عند القوى الدولية والإقليمية اللاعبة في المنطقة. ولذلك لم نجد تلك الإدانات الكافية لعنف السلطة، ولا التضامن مع ضحايا هذا العنف. وهي حالة معاكسة لموقف هذه القوى ذاتها، تجاه أحداث أخرى مثل ليبيا وسوريا.

   ويبدو أن هذه القوى الدولية والإقليمية، قد وجدت ذرائعها في مشهد العنف، لكي تصف المشهد السياسي الراهن بكامله باعتباره أزمة سياسية بين السلطة والمعارضة، ومن ثم حصره في هذه الخانة.

 

ثانيا: نهاية المشهد السياسي الثاني، أو النقطة التي وصل إليها

   لا يمكننا الحديث عن النهاية التي وصل إليها هذا المشهد، بدون التذكير بمجموعة من المسائل ذات العلاقة المباشرة، وغير المباشرة بهذا المشهد. علماً بأننا سنترك تفاصيل الحديث عن بعض هذه المسائل في مكان آخر. وهذه المسائل هي:

1. القوى السياسية والاجتماعية المشاركة في هذا المشهد.

2. السياق العام الذي اختطته هذا المشهد.

3. تجربة علي عبد الله صالح في صنع الأزمات السياسية، والخروج منها.

4. قوة وتأثير الشباب في هذا المشهد.

5. مصالح القوى الدولية والإقليمية، ودورها في التحكم بهذا المشهد وتوجيهه.

6. مجموعة المشكلات الأخرى المؤثرة على هذا المشهد (قضية الجنوب ومشكلة صعده).

1. القوى السياسية والاجتماعية المشاركة في هذا المشهد:

   عندما تحدثنا عن مجموع القوى السياسية والاجتماعية – المشاركة في هذا المشهد – فقد تبيَّن لنا أن تكتل أحزاب اللقاء المشترك، هو واحدٌ من هذه القوى، بل وأهمها. وكان لذلك أسبابه، أو عوامله المتعددة. نذكر منها على سبيل المثال، قوة وتأثير حزب التجمع اليمني للإصلاح على هذا التكتل، الذي يعود بالأساس إلى قوة وتأثير أسرة آل الأحمر في هذا التكتل. ومن المؤكد بأن المصلحة السياسية، قد جعلت كلاً من حزب التجمع للإصلاح وأسرة الأحمر، بأن يقررا الاستفادة من هذا التكتل إلى أقصى مدى. ومن هذه الأسباب أيضا، درجة التنظيم الجيدة المتوافرة في احزاب هذا التكتل. ومنها أيضا، إن هذا التكتل كان هو الرافعة السياسية المعترف به – دوليا وإقليميا ومحليا – الذي يقود الأزمة السياسية ضد سلطة علي عبد الله صالح.

   وإلى جانب تكتل اللقاء المشترك، نجد أيضا قطاع الشباب وسلطة علي عبد الله صالح، باعتبارهما قوتين مؤثرين في هذا المشهد السياسي الراهن. وسوف نتحدث عن هذه القوتين في مكانهما المخصصين لهما.

   وبدون الدخول في التفاصيل، فمن المؤكد بأن تكتل اللقاء المشترك، قد استفاد من مجمل العوامل أو الأسباب المذكورة أنفا وغير المذكورة، التي مكنته بأن يلعب الدور الفاعل في توجيه بوصلة المشهد السياسي لصالحه.

2. السياق العام لسير المشهد السياسي:

   يمكننا التقرير بأن هناك مجموعة من الإرادات تتنازع هذا المشهد، وذلك بحسب مصلحة أهداف كل إرادة على حده. وهذا من فن السياسة. وعليه يمكننا تحديد أربع إرادات رئيسية في هذا المشهد:

الأولى: الإرادة التي يمثلها علي عبد الله صالح، وهي تسعى كحد أقصى إلى تحقيق هدف الاحتفاظ بالسلطة كاملةً. وكحد أدنى، فهي تسعى إلى الاحتفاظ بالقسم الأكبر من السلطة. أي بمعنى آخر، من الممكن تقاسم السلطة مع اطراف أخرى.

الثانية: الإرادة التي يمثلها تكتل اللقاء المشترك – دون تجاهل القوى الأساسية الفاعلة فيه وخاصة حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) وأسرة آل الأحمر – وهذه الإرادة تشبه الإرادة الأولى تماما من حيث الهدف. إلا أنها تختلف عن الأولى من حيث انتهازيتها أو برغماتيتها. حيث تعلن للملأ بأن هدفها هو بناء دولة مدنية حديثه، مع أن هدفها الحقيقي هو الاستيلاء على السلطة كاملةً، أو اقتسامها.

الثالثة: الإرادة التي يمثلها اللواء علي محسن الأحمر. وهي تسعى إلى تحقيق الهدف ذاته، كما هي الحال بالنسبة لعلي عبد الله صالح، وبحديها الأقصى والأدنى. ولذلك لا نستغرب تلك الصورة أو الهيئة، التي ظهر فيها اللواء الأحمر طوال الفترة التي استمر فيها هذا المشهد. وذلك من قبيل المكتب الفخم الذي كان يظهر فيه بين الفينة والأخرى، ومقابلات الرجل الرسمية مع رؤساء البعثات الدبلوماسية العربية والأجنبية، والمنظمات الأممية، وغيرها. بالإضافة إلى الأحاديث الصحفية للرجل مع الصحف ووكالات الأنباء. وهو ما يعني التأكيد، والاعتراف بالمركز الهام والمؤثر للواء الأحمر داخل منظومة السلطة. برغم أن الرجل، ليس سوى قائد فرقة واحدة في جيش هذه السلطة.

   وبرغم الاعتبارات المذكورة آنفا، إلا أن واقعية الرجل وذكاءه، مكناه من التعامل مع هذا المشهد بعقلانية وحنكة، بحيث تجنب إثارة الغبار من حوله. بمعنى أنه لم يضع نفسه حاكماً بديلا عن الرئيس (صالح). أي أنه لم يطمع إلى التهام الكعكة كلها. ولكنه ارتضى باقتسامها مع آخرين.

الرابعة: الإرادة التي يمثلها الشباب المتواجدون في مختلف ساحات هذا المشهد. وبرغم إدغام هذا المشهد بالشباب – وذلك من حيث التسمية – حيث أطلق عليه بـ “الثورة الشبابية”. أو من حيث الأهداف، باعتبار أن أهم أهدافها هو إسقاط النظام السياسي الحالي، واستبداله بنظام سياسي جديد، وبناء دولة مدنية حديثه. وهي إشارة كافية بعدم وجود دولة حقيقية حتى لحظة بدء هذا المشهد. إلا أن إرادة وأهداف هؤلاء الشباب، قد جرى تعليقها على المشجب، أو إغفالها وتجاوزها. ويعتبر ذلك نتيجة طبيعية لحالة الانقسام المسيطرة على فئة الشباب. وإلى أسبابٍ أخرى، سنتحدث عنها لاحقا.

3. تجربة علي عبد الله صالح في الحكم:

   منذ وصوله إلى الحكم في 17 يوليو 1978م ، أستطاع علي عبد الله صالح إلى أن يحافظ على حكمه بفضل عاملين: الأول، استفادته من أخطاء سلفه من الرؤساء، التي أدت إلى زعزعة حكمهم، ومن ثم إزاحتهم عن السلطة. أما العامل الثاني، فهو الاستفادة من القوى السياسية والقبلية والعسكرية والدينية، التي ساعدته للوصول إلى الحكم. وذلك من خلال اللعب على تناقضاتها.

   وفي هذا المشهد السياسي – فبراير 2011م – استمر علي عبد الله صالح باستغلال هذه اللعبة. ولكن مع توسيع دائرة الاستفادة، حيث اشتملت على الآتي:

– الاستفادة من عامل خوف المجتمع الدولي من الإرهاب الدولي. وخاصة نشاط تنظيم القاعدة على أراضي الجمهورية اليمنية. ولذلك فمن غير المستبعد أن تكون أحداث مصنع 7 أكتوبر في الحصن، وسيطرة ما يطلق عليهم بأنصار الشريعة على زنجبار – عاصمة المحافظة أبين – في إطار استفادة علي عبدا لله صالح من هذا العامل، إن لم تكن هذه الأحداث، ضمن إطار اتفاق اشمل بين كلٍّ من علي عبد الله صالح، وجهات دولية وإقليمية ذات علاقة بمحاربة الإرهاب.

– الاستفادة من رفض المحيط الإقليمي – وخاصة المملكة السعودية – من قيام أي نظام سياسي راديكالي بالقرب منها، وكذا من الخشية الحقيقية للدول الخليجية، والدول الغربية من ثورات الربيع العربية، وإن تظاهرت هذه الدول بعكس ذلك.

– الاستفادة من خوف دول الجوار والمجتمع الدولي – وخاصة الدول التي لها مصالح – من نشوء الفوضى والاحتراب الداخلي والحرب الأهلية، ومن ثم فقد السيطرة على الأوضاع.

– الاستفادة من تناقضات القوى المشاركة في هذا المشهد.

   وعليه، وباختصار يمكن القول بأن علي عبد الله صالح – وبالاستفادة من سياسته هذه – استطاع أن يحصر المشهد السياسي الراهن، في إطار الأزمة السياسية بين السلطة – ممثلة بعلي عبد الله صالح – والمعارضة ممثلة بتكتل أحزاب اللقاء المشترك. وبما يعني أساسا عدم الاعتراف بالمشهد السياسي الحالي، الذي بدأ في فبراير 2011م. أي عدم اعتبار هذا المشهد ضمن ثورات الربيع العربية.

4. قوة وتأثير الشباب في هذا المشهد:

   وبدون تكرار ما قلناه سابقا – بخصوص إسهام الشباب في هذا المشهد – يمكننا التأكيد بان قوة وتأثير الشباب في هذا المشهد، قد أخذ بالتحول لصالح تلك القوى التي لحقت بالمشهد. وقد أدى ذلك إلى نتائج سلبية، أكان فيما يخص انحسار دورهم، أو فيما يخص النتائج النهائية التي أفضى إليها هذا المشهد، التي سنتحدث عنها لاحقا.

   أما الأسباب أو العوامل الحقيقية – التي أفقدت الشباب تأثيرهم على هذا المشهد – فيمكن تلخيصها على النحو الآتي:

– توزُّع الهويَّات السياسية للشباب في هويات متعددة ومختلفة، بل ومتنافرة أحيانا.

– توزُّع إرادة الشباب بين أكثر من إرادة، تختلف في أهدافها عن بعضها البعض.

– استيلاء تكتل اللقاء المشترك – وخاصة حركة الأخوان المسلمين ممثلة بحزب التجمع للإصلاح – على المشهد السياسي الراهن برمته، سياسيا وإعلاميا وعسكريا وامنيا.

– عدم امتلاك الشباب لحامل سياسي موحد، أو حتى جبهة ائتلافية توحد هدفهم ونشاطهم، وتعمل على بلورة تعاملهم مع هذا المشهد ومع القوى الأخرى المشاركة في هذا المشهد.

5. علاقة وتأثير القوى الاقليميه والدولية على هذا المشهد.

   تتمثل القوى الاقليميه ذات العلاقة بالمشهد السياسي الراهن بدول الجوار، وفيها قوتان أساسيتان هما: المملكة العربية السعودية، ودولة قطر. وعلاقة هاتين القوتين قديمه أو تقليدية بالنسبة للأولى، وذلك بحكم التماس المباشر بين السعودية، والمكان الذي يجري فيه هذا المشهد السياسي، وبحكم العلاقة التاريخية بين البلدين المتجاورين. وهي علاقة اتسمت بالعداء الشديد بين المملكة السعودية والمملكة المتوكلية اليمنية، أدت إلى نشوب حرب بين البلدين في النصف الأول من القرن الفارط، واحتلال أقاليم عسير وجيزان ونجران من جانب السعودية. وقد ظلت هذه الأقاليم بحوزة السعودية بموجب اتفاقية جدة لعام 1934م.

   وبرغم تحسن العلاقة بين النظام الجمهوري – الذي خلف نظام المملكة اليمنية المتوكلية – بموجب اتفاقية جده لعام 1970م، إلا الأقاليم الثلاثة المذكورة ظلت باعتبارها أراضي يمنية محتلة، حتى جاء على عبد الله صالح إلى الحكم، وتنازل عن هذه المناطق نهائيا لصالح السعودية، وذلك بموجب اتفاقية (الرياض) الموقعة في عام 2006م.

   وبغض النظر عن التبريرات التي قيلتْ بهذه المناسبة – من جانب علي عبد الله صالح أو غيره – فإن هذه الخطوة الخطيرة والجريئة، قد حكمها عاملان أساسيان:

الأول: هو حرص علي عبد الله صالح على تقديم نفسه، كصديق حميم وموثوق به للأسرة الحاكمة في المملكة السعودية. وهي أيضا رسالة قوية وواضحة، مفادها أن المصالح السعودية يجب إن تمر عبره – أي علي عبد الله صالح – وليس بالضرورة عبر أسرة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر وأسرته. وكان ذلك مفهوما، وخاصة بعد أن استطاع (صالح) تقوية سلطته.

الثاني: هو ضمان وتوفير الحماية والمساندة السياسية والاقتصادية، لنظام حكمه من جانب المملكة السعودية.

   وعلى هذا الأساس، كان تدخل المملكة العربية السعودية في المشهد السياسي الراهن، محكوماً أولاً برد الجميل لعلي عبد الله صالح مقابل اتفاقية ترسيم الحدود (2006) المذكورة آنفا، التي تنازل فيها عن أراضي شاسعة لصالح السعودية. كما أن تدخل السعودية في هذا المشهد قد حكمه ثانيا – وهو الأهم – حرص السعودية على منع نشوء أو قيام أي نظام سياسي راديكالي، أو نظام يتعاكس مع نظام الحكم فيها، أو مع عقيدتها السياسية المحافظة.

   أما فيما يخص دولة قطر، وتدخلها في المشهد السياسي – الذي نحن بصدد الحديث عنه – فقد حكمته العوامل الآتية:

الأول: برغم التأثير المتواضع – إن لم نقل المعدوم – لدولة قطر في السياسيتين الدولية والإقليمية، بحكم صغر حجمها، أو مكانتها الجيوسياسية، أو خبرتها المتواضعة في السياسة الدولية، إلا إنها تحاول أن تعوض ذلك النقص، من خلال إمكاناتها الاقتصادية كدولة منتجة للغاز الطبيعي.

الثاني: العلاقة الجديدة بين دولة قطر والولايات المتحدة، التي صارت بموجبها دولة قطر أداة لتنفيذ الأهداف والمصالح الأمريكية في المكان والزمان المطلوبين.

ثالثا: الدور الجديد الذي تلعبه دولة قطر كوسيط، بين كلٍّ من الولايات المتحدة من جانب، والحركات الإسلامية – وخاصة حركة الإخوان المسلمين في الدول العربية – من جانب آخر. ويتجلى ذلك في الدور الذي تقوم به قطر في بعض البلدان العربية، التي شهدت وما زالت تشهد ما يطلق عليها بـ “ثورات الربيع العربية “. وهو دور يهدف – أساسا – إلى السماح بوصول الحركات الاسلاميه – وخاصة الإخوان المسلمين – إلى الحكم، مقابل تحول هذه الحركات إلى موقع الاعتدال السياسي، الذي يقصد به – أساسا – عدم معاداة المصالح الغربية – بشكل عام – والمصالح الأمريكية بوجه خاص في المنطقة العربية.

   ومن المؤكد بأن قطر، قد استندت في تسويق نفسها على قناة الجزيرة الفضائية بمختلف فروعها وتخصصاتها، التي تخفَّتْ خلال السنوات المنصرمة خلف شعارات: احترام المهنية الإعلامية، وقبول الرأي والرأي الآخر، ومناصرة حقوق الضعفاء، والتواجد في أماكن الصراع، وإبراز حقيقة ما يحدث في هذا المكان أو ذاك. وهو ما أكدت أفعال “الجزيرة” على عكس ذلك، وذلك منذ بدء المشهد السياسي الراهن في البلدان العربية، الذي بدأ من تونس في مطلع عام 2011م. وهذا موضوع يطول البحث فيه، وهو ليس من متطلبات هذه الدراسة. إلا أنه حرىٌ بنا التذكير إلى النقاش الذي رافق ظهور قناة الجزيرة، حيث ذهب الكثيرون إلى التشكيك بالدور الذي تقوم به هذه القناة الفضائية، باعتبار أن هناك مهمة ودورا خفيين لهذه القناة. وبحيث جرى توصيفها باعتبارها قناة ( C N N) بلسانٍ عربي، إن لم تكن أسوا من ذلك. والحقيقية فقد كنت – وما زلت – واحدا من اولئك الذين شككوا بظهور ونشاط هذه القناة.

   وإذا عدنا إلى موضوعنا – الخاص بتدخل دولة قطر في المشهد السياسي الذي نحن بصدد الحديث عنه – فيمكننا تفسيره بالآتي:

1. هذا التدخل له علاقة بتسويق دولة قطر لنفسها. كمنافس للمملكة السعودية، فيما يخص خدمة المصالح الغربية، وخاصة الامريكيه.

2. كما إن تدخلها في هذا المشهد، يأتي في سياق تنفيذ دورها الجديد للتأثير على حركة الإخوان المسلمين – ممثلة بحزب التجمع للإصلاح، وذلك في اتجاه عقلنة خطابه السياسي، والتخفيف من راديكاليته.

3. وبالعلاقة مع ما سبق قوله، فإن تدخل دولة قطر، كان يهدف بشكل مباشر إلى جر حزب التجمع للإصلاح خلف سياستها. وذلك انطلاقا من الفكرة المسيطرة على قطر، المتمثلة بأنها – أي دولة قطر – هي المؤهلة والمخولة بقيادة حركة الإخوان المسلمين في المنطقة العربية، وخارجها إن أمكن.

   ومشكلة دولة قطر أنها تعامت عن رؤية بعض الحقائق، الخاصة بحركة الإخوان المسلمين في هذه المنطقة من حيث التأسيس والتكوين.

   فمن حيت التأسيس – وبغض النظر عن وجود إرهاصات تنظيمية لحركة الإخوان المسلمين في عهدي المملكة المتوكلية اليمنية، أو الجمهورية العربية اليمنية – إلا إن التأسيس الحقيقي لحركة الإخوان المسلمين، قد ارتبط أساسا بتأسيس حزب التجمع اليمني للإصلاح في عام ديسمبر عام1990م، بزعامة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر.

   أما من حيث تكوين هذه الحركة(التجمع اليمني للإصلاح)، فإنها تمثل تحالف بين الجناح القبلي بزعامة الشيخ الأحمر، والجناح العقائدي للإخوان المسلمين، الذي بدأت إرهاصاته الأولى في عهد المملكة المتوكلية.

   وعليه، فإننا نلاحظ أن المشترك في هذين الاعتبارين – التأسيس والتكوين – هو وجود وتأثير الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، وبالتالي إفراد أسرته في حزب التجمع اليمني للإصلاح.

   وإذا تذكرنا العلاقة المميزة بين الشيخ الأحمر والأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية – وذلك منذ اتفاقية جدة بين الملكيين والجمهوريين – فإن ذلك قمينٌ بنا أن ندرك العلاقة بين كلٍّ من حزب التجمع اليمني للإصلاح، ومؤسسة الحكم في السعودية. وهو ما لم تدركه دولة قطر. كما لم تدرك المدى الذي يمكن أن يذهب إليه حزب الإصلاح، فيما يخص المشهد السياسي الراهن. أو حتى فيما يخص صراعه مع علي عبد الله صالح، باعتبار أن الأخير يمثل حليفا هاما للملكة العربية السعودية. وهو الدور الذي يلتقي فيه مع حزب الإصلاح وأسرة آل الأحمر.

   أما فيما يخص القوى الدولية – ذات العلاقة بهذا المشهد السياسي – فيتمثل باختصار في الدول الغربية بشكل عام، والولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص، باعتبارها الدولة الكبرى في العالم، القادرة على التحكم بمجريات السياسة الدولية، وذلك بعد انتهاء الحرب الباردة وسيطرة القطبين.

   وبشكل عام، فإن العوامل التي دفعت إلى تدخل كلٌّ من الاتحاد الاروبي والولايات المتحدة الأمريكية – أو ما يطلق مجازا عليهم بالمجتمع الدولي – في المشهد السياسي في الجمهورية اليمنية فبراير 2011م، هي على النحو الآتي:

1. الأخذ بعين الاعتبار الموقع الاستراتيجي الهام، الذي يحدث فيه هذا المشهد السياسي. أي باعتبارها منطقة مجاورة لأهم منطقة منتجة ومصدرة للطاقة(البترول والغاز). وباعتبارها منطقة تشرف على أهم الطرق البحرية، التي تمر بها هذه الطاقة متجهة إلى مختلف بقاع العالم، ومنها أوروبا وأمريكا.

2. عدم تكرار ما حدث في تونس ومصر، حيث أدى المشهدان(الثورتان) هناك إلى تغيير في رأسي الدولة – مبارك وبن علي – مع الأخذ بعين الاعتبار العلاقة الوطيدة التي تربطهما بالدول الغربية. ومن المؤكد أن ذلك التغيير – أو بالأصح الثورتين – لم يكن متوقعا بالنسبة للدول الغربية. بل أتت مفاجأة.

3. ونظرا للعلاقة القوية التي تربط كل من الدول الخليجية – وخاصة السعودية باعتبارها مجاورة وقريبة من المشهد السياسي الذي نحن بصدد الحديث عنه – والدول الغربية بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص – فقد أدركت الدول الغربية، خطورة هذا المشهد ونتائجه على المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، إذا لم يتم التدخل في هذا المشهد، بهدف السيطرة عليه أو إنهائه أو ضبط إيقاعه على أقل تقدير.

   وعليه، فقد هدف تدخل الاتحاد الأوربي، والولايات المتحدة في هذا المشهد السياسي – منذ بدايته – إلى حماية مصالحهم الإستراتيجية والاقتصادية في هذه المنطقة من العالم، وكذلك حماية مصالح حلفاءهم أيضاً.

6. مشكلات أخرى: الحرب على الإرهاب، قضيته الجنوب، ومشكلة صعدة.

   مع أن هذه المشكلات الثلاث، قد سبقت ظهور هذا المشهد السياسي الراهن. إلا أنها مرتبطة بهذا المشهد بشكل وثيق من ثلاثة جوانب: الأول، باعتبار أن هذه المشكلات الثلاثة، متولدة من سوء إدارة نظام علي عبد الله صالح الاستبدادي. والجانب الثاني، من كون أن هدف هذا المشهد هو إسقاط النظام.  وبما يعني إسقاط كل السياسات والتدابير المتولدة عنه. وبالتأكيد فإن المشكلات الثلاثة المذكورة، هي جزء من جملة تلك السياسات والتدابير، التي تحتاج إلى تصحيح وحل ومعالجة. أما الجانب الثالث والأخير، فهو إن هذه المشكلات الثلاثة قد تأثرت بهذا المشهد، أكان من حيث تأثيره على عملية سريانها واستمرارها، أو من حيث تأثرها بنهاية هذا المشهد، والنتائج المترتبة على تلك النهاية.

   وفي ظل هذه الوقائع والمعطيات التي تناولناها. فكيف كانت نهاية هذا المشهد؟ أو ما هي النقطة التي وصل إليها؟

   ودون الخوض في ماراتون الحلول، التي كانت منشودة لحل المشهد السياسي الراهن والخروج منه. أو بمعنى آخر، البحث عنه نهاية لهذا المشهد. فإن النهاية التي اختيرتْ لهذا المشهد، تجلت في خطوتين: الأولى، هي مبادرة مجلس التعاون الخليجي، التي جرى الإعلان عنها منذ أبريل 2011م، واكتملت بالتوقيع عليها مع آلياتها المزمنة بين الفرقاء، الذين حددتهم وثيقة المبادرة. وكان ذلك في 23 نوفمبر 2011م. أي بعد حوالي عشرة أشهر من بدء هذا المشهد المذكور.

   أما الخطوة الثانية، فكانت قرار مجلس الأمن رقم(2014) الصادر بتاريخ 21/10/2011م. وكان الغرض من هذا القرار، هو إجبار الفرقاء بأن يبقوا ماشيين على  سكة المبادرة. وهو الهدف الذي تحرص على تحقيقه، القوى الإقليمية والدولية المتدخلة في هذا المشهد.

   ومن حيث الشكل، فقد تم التوقيع على المبادرة الخليجية مع آليتها المزمَّنة – أي الترتيب الزمني لتنفيذ المبادرة – بين كلٍّ من حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم وحلفائه من جهة، وتكتل اللقاء المشترك وشركائه من جهة أخرى، بالرغم من ضبابية مفهوم حلفاء المؤتمر لعدم وجودهم. ولأنه لا يوجد سوى علي عبد الله صالح وإفراد أسرته المقربين منه. وكذا ضبابية مفهوم (الشركاء)، لأنه بالأساس لا يوجد سوى حزب الإصلاح، ومن إمامه ومن خلفه أسرة آل الأحمر.

   أما من حيث مضمون هذه المبادرة واليتها المزمنة، فيمكن النظر إليها من جانبين اثنين: الأول، من حيث تقسيمها إلى فترات زمنية، واشتمال كل فترة على مهام محددة، يجب تنفيذها في سياق الفترة الخاصة بها. أما الجانب الآخر، فيمكن النظر إليه من حيث الأهداف المنظورة وغير المنظورة للمبادرة الخليجية.

   فمن حيث التقسيم الزمني، فقد احتوت المبادرة على مرحلتين، بحيث يتم التمهيد لهما من خلال نقطتين أساسيتين: الأولى، هي تفويض الرئيس علي عبد الله صالح نائبه – عبد ربه منصور هادي – بموجب المرسوم الرئاسي رقم (24) لعام 2011م، تقويضا لا رجعة فيه، الصلاحيات الرئاسية اللازمة للتفاوض بشان الآلية المزمنة للمبادرة وتوقيعها وإنفاذها، إلى جانب جميع الصلاحيات الدستورية، المتصلة بتنفيذها ومتابعتها. وكذا الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة، خلال فترة لا تتجاوز (90) يوما من تاريخ بدء نفاذ هذه الآلية.

   أما الخطوة الأخرى، فهي دعوة نائب الرئيس – وفق المرسوم الرئاسي رقم (24) لعام 2011م – إلى انتخابات رئاسية مبكرة بتاريخ 21 فبراير 2012م. وعلى أن ينشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية.

   وتتألف الفترة الانتقالية من مرحلتين:

الأولى: تبدأ مع بدء نفاذ هذه الآلية، وتنتهي مع تنصيب عبد ربه منصور هادي، رئيسا توافقيا بين الطرفين الموقعين على هذه المبادرة واليتها المزمنة. وأهم ما تضمنته هذه المرحلة:

1.  تشكيل حكومة وفاق وطني ترأسها المعارضة. وبحيث تتكون من (50) حقيبة وزارية، يتم تقاسمها بالمناصفة بين الطرفين الموقعين على المبادرة. وقد تم تشكيل الحكومة برئاسة السيد محمد سالم باسندوة، وأدت اليمين الدستورية أمام نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي، وقدمت برنامجها إلى مجلس النواب (البرلمان).

2. يقوم نائب الرئيس بتشكيل “لجنة الشئون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار “، ويتولى هو رئاستها.

3. إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ويكون الرئيس توافقيا بين طرفي المبادرة. وقد حددت المبادرة واليتها، الرئيس التوافقي بنائب الرئيس عبد ربه منصور هادي. وقد حدد يوم الانتخاب بتاريخ 21 فبراير 2012م، التي تبدأ فيها المرحلة الثانية من الفترة الانتقالية ومدتها سنتان.

4. في غضون خمسة عشر يوما من دخول مبادرة مجلس التعاون الخليجي والية تنفيذها حيز التنفيذ، ينشئ نائب الرئيس ورئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني المكلف، لجنة تفسير تكون مرجعية للطرفين، لحلِّ أي خلاف ينشأ عند تنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها.

   وقد حددت آلية المبادرة الخليجية، مجموعة من المهام والصلاحيات الخاصة بكلٍّ من نائب الرئيس، وحكومة الوفاق الوطني، واللجنة العسكرية. كما وضعت مجموعة من الضوابط الخاصة بعمل هذه الجهات المذكورة، وذلك خلال المرحلة الأولى من الفترة الانتقالية.

   أما المرحلة الثانية من الفترة انتقالية – ومدتها سنتان – فتبدأ مع تنصيب الرئيس التوافقي، بموجب الانتخابات الرئاسية التي ستجري في 21 فبراير 2012م، وتنتهي هذه المرحلة بأجراء الانتخابات العامة، الذي سينتج عنها انتخاب رئيس جديد، وذلك بالاستناد إلى الدستور. وتتضمن هذه المرحلة:

1. مع بداية المرحلة الثانية من الفترة الانتقالية، يقوم الرئيس التوافقي المنتخب – (عبد ربه منصور هادي) – وحكومة الوفاق الوطني، بالدعوة إلى عقد مؤتمر حوار وطني شامل لكل القوى والفعاليات السياسية. وقد حُددتْ هذه القوى والفعاليات بـ: الشباب، والحراك الجنوبي، والحوثيين، وكل الأحزاب السياسية، وممثلين عن المجتمع المدني، والقطاع النسائي. وقد حددتْ المسائل التي يجب أن يبحثها هذا المؤتمر.

2. بعد انتهاء مؤتمر الحوار الوطني في مدة أقصاها ستة أشهر، تنشئ حكومة الوفاق الوطني لجنة دستورية، تكون مهمتها صياغة مشروع دستور جديد خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إنشائها. وتقع على هذه اللجنة، مهمة اقتراح الخطوات الضرورية لمناقشة مشروع الدستور، والاستفتاء عليه.

3. بعد اعتماد الدستور الجديد في مدة أقصاها ثلاثة أشهر، سيعمل مجلس النواب (البرلمان) على اعتماد قانون جديد للانتخابات. وعلى أساس هذا القانون ستجرى انتخابات برلمانية – وكذلك انتخابات رئاسية، إذا كان الدستور ينص على ذلك، بحسب ما ورد في المبادرة.

4. إعادة تشكيل اللجنة العليا لشئون الانتخابات والاستفتاء.

5. إعادة بناء السجل الانتخابي، وفق ما يتطلبه القانون الجديد للانتخابات.

   أما الشق الآخر الخاص بمضمون المبادرة الخليجية واليتها، فيمكن النظر إليه من خلال ما حققته، وما أرادت أن تحققه هذه المبادرة من نتائج. والتي يمكن إبرازها على النحو الآتي:

1. إقناع أو إجبار – والأمر سيان – القوى المتصارعة في المشهد السياسي على السير في الطريق، الذي ارتأته القوى الإقليمية والدولية المتدخلة في هذا المشهد.

2. انتصار القوى الإقليمية – وخاصة السعودية – والقوى الدولية – وخاصة الولايات المتحدة – في حرف هذا المشهد من “مشروع ثورة”، ووضعه في إطار أزمة سياسية بين سلطة ومعارضة.

3. إعادة الحياة للنظام السياسي الحالي – أي نظام علي عبد الله صالح – وذلك من خلال الحلول، التي تضمنتها المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة. وقد تجلَّى ذلك في العناصر الآتية:

– لم يتحقق هدف “إسقاط النظام السياسي”، كما حدث في ليبيا وتونس وجزئيا في مصر. وعوضاً من نعت علي عبد الله صالح بالرئيس المخلوع، سيتم نعته بالرئيس السابق. بل وسيبقى يمارس العمل السياسي من خلال موقعه كرئيس لحزب المؤتمر الشعبي العام، الذي من المتوقع أن تزداد أهميته – مستقبلا – في ظل قيادة علي عبد الله صالح له.

– تشكيل حكومة الوفاق الوطني مناصفة بين حزب المؤتمر الشعبي العام والمعارضة، ممثلة بتكتل أحزاب اللقاء المشترك. وهما وجها النظام السياسي الذي – كان قائما حتى فبراير 2011م، أي لحظة بدء المشهد السياسي الثاني الذي نحن بصدد الحديث عنه. وهو النظام السياسي نفسه الذي سيستمر عامين قادمين، وذلك حسب ما أقرته المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة، والتي قبل بها ووقع عليها الطرفان المذكوران؛ السلطة والمعارضة.

– حصول عبد ربه منصور هادي على صلاحيات رئيس الجمهورية خلال المرحلة الأولى من الفترة الانتقالية، وانتخابه رئيسا للجمهورية خلال المرحل الثانية من الفترة الانتقالية ومدتها سنتان. علماً بأن اللواء عبد ربه منصور هادي يعتبر من الناحية الرسمية، الشخصية الثانية في نظام علي عبد الله صالح.

– يضاف إلى ذلك الصلاحيات الاستثنائية – التي منحت لعبد ربه منصور هادي في مرحلتي الفترة الانتقالية – بما يعني استمرار صلاحيات النظام السياسي ذاته، الذي استهدفه هذا المشهد.

– وبموجب المبادرة الخليجية وآليتها، سيحتفظ النظام السياسي السابق على المشهد السياسي الراهن، بكل مقوماته الأساسية، وذلك من قبيل:الدستور، وقانون الانتخابات، واللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء، والسجل الانتخابي، ناهيك عن الاحتفاظ برئاسة الدولة، والحصول على50% من حكومة الوفاق الوطني لصالح المؤتمر الشعبي العام.

   وبشكلٍ عام، يمكننا القول بأن المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة، قد أفضت – فيما يخص نهاية المشهد السياسي الراهن – إلى نتيجتين أساسيتين:

الأولى: إطفاء الأزمة بواسطة تحقيق مصالح القوى الأساسية، المؤثرة في هذا المشهد. وليس بعيدا عن ذلك، المعلومات التي جرى تناقلها قبيل بدء سريان المبادرة، التي تحدثت عن عملية التقريب بين كلٍّ من: علي عبد الله صالح، وأسرة آل الأحمر، واللواء علي محسن الأحمر. ومن المؤكد بأن قادم الأيام ستكشف ما هو خافٍ.

الثانية: عملت المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة – بما تضمنته من حلول ومعالجات – إلى إحداث انقسام بين القوى السياسية والاجتماعية، التي اشتركت في هذا المشهد السياسي الراهن منذ فبراير 2011م. فقسمٌ خرج من هذا المشهد، وذلك بحكم التحاقه بالمبادرة الخليجية، وما قدمته من حلول للأزمة السياسية. وأهم القوى التي يضمها هذا القسم: تكتل أحزاب اللقاء المشترك(المعارضة السياسية)، والقوى القبلية وأهمها أسرة آل الأحمر، واللواء علي محسن الأحمر.

   أما القسم الآخر، فهو الذي رفض المبادرة الخليجية وحلولها، وبقي في الساحات. وأهم هذه القوى التي يضمها هذا القسم: جزء كبير من الشباب، وخاصة أولئك الذين كانوا في طليعة من اشترك في هذا المشهد، وكذلك جزء من شباب الأحزاب السياسية، الرافضين للمبادرة الخليجية.

ثالثا: الأهداف المحققة:

   المقصود بذلك، هي الأهداف التي تحققت حتى الآن، أكان ذلك بفعل المشهد السياسي ذاته(فبراير 2011م)، أو بفعل العوامل المتدخلة في هذا المشهد، وأهمها المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة، وما تضمنته من حلول ومخارج للأزمة السياسية.

  وفي هذا الإطار، يمكننا التمييز بين نوعين من هذه الأهداف. النوع الأول، هي تلك الأهداف المعلنة والمنظورة. أما النوع الآخر، فهي الأهداف غير المعلنة وغير المنظورة.

   أما أهداف النوع الأول، فيمكن تمثيلها في الآتي:

1. السيطرة على المشهد السياسي – الذي بدأ في فبراير 2011م – حتى لا يتحول إلى حالة عنف، أو حرب أهلية. وهي الحالة التي يتخوف منها الكثيرون.

2. المساعدة في حل المشهد السياسي الذي بدأ في فبراير 2011م.

3. عدم إحداث أي تغيير جذري في النظام السياسي الحالي. ويتضح لنا ذلك من خلال عدد من الملامح، التي تضمنتها المبادرة والياتها، أو من خلال ما تتحقق في الواقع فعلاً، أو من خلال الحالتين معا.

   أما أهداف النوع الثاني، فيمكن تمثيلها على النحو الآتي:

1. تحويل المشهد السياسي – الذي بدا في فبراير 2011م – من “مشروع ثورة”، وإبقاءه في إطار الأزمة السياسية بين سلطة ومعارضة.

2. وضع المشهد تحت المراقبة والسيطرة التامة.

3. مكافأة علي عبد الله صالح – شخصيا – على الخدمات التي قدمها لكلٍّ من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، وذلك فيما يخص تسهيله نهب الثروات بواسطة الشركات الغربية، أو فيما يخص محاربة الإرهاب.

4. سحب هذا المشهد من يد الشباب إلى يد القوى السياسية، ممثلة في تكتل اللقاء المشترك.

5. تقسيم الكعكة بين القوى الأساسية والحقيقية – المحركة لهذا المشهد – المتمثلة بالثلاثي: علي عبد الله صالح وأسرته، وأسرة آل الأحمر، واللواء علي محسن الأحمر.

6. مواصلة السياسة التي بدأتها الولايات المتحدة مع الحركات الإسلامية، المتمثلة في تهجينها وترويضها لهذه الحركات، وذلك من خلال السماح لها في الحكم بمفردها، أو بالاشتراك مع قوى سياسية أخرى. وذلك عوضا عن السياسة السابقة، المتمثلة في رفض ومنع هذه الحركات للوصول للحكم في الدول العربية والإسلامية.

7. العمل على إنهاك الجميع، بحيث يتحقق إجبار كل القوى المتنازعة، بقبول الحلول المقدمة لهم من جانب الذين يديرون ويوجهون – فعليا – هذا المشهد. وهم أصحاب المبادرة والراعون لها.

8. إن إجراء الانتخابات المحسومة في فبراير 2012م – برئيس متفق عليه – تهدف إلى شرعنة الوحدة القائمة، التي طعن شعب الجنوب بشرعيتها في عام 1994م. على الأقل خلال الفترة الانتقالية المحددة بعامين.

رابعا: القوى المستفيدة من نهاية هذا المشهد

   وبرغم إن نهاية هذا المشهد لم يكتمل بعد، إلا أنه من المؤكد، أن هناك قوى قد استفادت من وصول هذا المشد السياسي إلى هذه النهاية المرئية. كما أنه من المؤكد أيضا، بأن قوى أخرى قد خرجت خالية الوفاض، على الأقل حتى هذه اللحظة. علما بأن هذا المشهد السياسي – الذي نحن بصدد الحديث عنه – لم يكتمل بعد. وهذا واضح من حالة رفض قطاع كبير – من الذين اشتركوا في هذا المشهد منذ بدايته – من الخروج من ساحات الاعتصامات. وذلك بسبب رفضهم للنهاية التي آل إليها المشهد السياسي، وذلك كما رسمته المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة.

   وفيما يخص القوى المستفيدة من النهاية الحالية لهذا المشهد، فيمكننا تحديدها بالآتي:

1. الولايات المتحدة الأمريكية:

   وقد تحققتْ للولايات المتحدة عددٌ من الفوائد، أكان أثناء المشهد أو من النهاية التي وصل إليها المشهد ذاته. فالفائدة الأولى، هي إمساك الولايات المتحدة بخيوط اللعبة. ونعني بذلك المشهد السياسي الذي بدأ في فبراير2011م. حيث استطاعت أن تبقي هذا المشهد في إطار الأزمة السياسية بين السلطة والمعارضة. أي أن تبقيه في إطار المشهد الأول، الذي كان قائما وسائدا قبل فبراير 2011م. وهذا ينسجم تماما مع الرغبة الداخلية الحقيقية غير المعلنة للولايات المتحدة الأمريكية، المتمثلة في رفضها لأية تغييرات جذريه وثورية في المنطقة العربية. وهذا ينسجم تماما مع الجوهر الرجعي للإدارة الأمريكية، وذلك منذ وصول الرئيس رولاند ريجان إلى حكم الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1984م.

   كما أنه من خلال إمساكها بخيوط هذا المشهد، استطاعت الولايات المتحدة أن تختار لهذا المشهد النهاية المرغوبة، التي تلبي أهدافها ومصالحها الإستراتيجية، وكذا تلبي وتحافظ -أيضاً – على مصالح حلفائها الإقليميين والمحليين.

   أما الفائدة الثانية، فتتمثل في اصطياد وقتل مجاميع كبيرة من المنتمين إلى تنظيم القاعدة. وقد جرى تحقيق هذا الهدف – أو الفائدة – من خلال استخدام سياسة الفوضى الخلاقة. وقد تجلت هذه السياسة في تقديم منطقة أبين – وخاصة عاصمة المحافظة زنجبار، وما جاورها من مناطق – كطُعْم لعناصر القاعدة. حيث جرت عملية تسهيل استيلاء تنظيم القاعدة على هذه المناطق، وفق خطة استخباراتية محكمة، ساهمت فيها كلٌّ من الولايات المتحدة الأمريكية، والسعودية وعلي عبد الله صالح. وقد جنى كلُّ طرفٍ ثماره من هذه العملية.

   لذا فقد تمتلث الفائدة – التي جنتها الولايات المتحدة الأمريكية – في اصطياد وقتل عدد غير قليل من عناصر تنظيم القاعدة، وذلك بعد تجميعهم من مناطق متفرقة في منطقة زنجبار وما جاورها، وذلك بدلا من مطاردتهم في أكثر من منطقة. وهي الفائدة ذاتها التي جنتها المملكة السعودية، وذلك عندما تم القضاء على عددٍ من عناصر القاعدة ذوي الجنسية السعودية. أما علي عبد الله صالح، فإن خروجه من هذا المشهد السياسي رابحا- دون مساءلة – ومتمتعا بما خف وثقل حمله من ثروات، يُعد أكبر فائدة جناها(صالح). ناهيك عن مشاركته غير المباشرة في الحكم خلال الفترة الانتقالية.

   أما قولنا بأن العملية برمتها، هو قرار سياسي متفق عليه بين الأطراف الثلاثة التي ذكرناها، فيمكن تأكيدها عبر الحقائق الآتية:الأولى، هي مسرحية سقوط وهزيمة معظم المؤسسات الأمنية والعسكرية أمام عشرات من عناصر القاعدة – أو أنصار الشريعة كما يطلق عليهم – ولم يصمد سوى اللواء (25) ميكانيكا. وهي من مستلزمات حبك المسرحية بشكل جيد. والأقبح أنه ظل صامدا حتى اللحظة. والحقيقة الثانية، هي هروب – أو بالأصح – سليم المنطقة من قبل جميع مسئولي الأجهزة والمؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية للعناصر المسلحة، حتى قبل دخولها العاصمة زنجبار. والثالثة، ظهور عناصر من الأمن القومي والقوات الخاصة والأمن المركزي، بين العناصر المسلحة التي استولت على زنجبار وما جاورها. والرابعة عمليات تموين العناصر المسلحة بالسلاح والغذاء، بواسطة الطائرات وغيرها من الوسائل الأخرى. ناهيك عن عدم غلق الطرقات، بهدف منع وصول مسلحين آخرين إلى المنطقة. والخامسة – وهي الأخطر – عملية تهجير المواطنين من مساكنهم. وهي عملية تولت اجهزة الدولة العسكرية تنفيذها. وذلك من خلال عمليات قصف الطيران والمدفعية والدبابات، بغرض إخافة المواطنين ودفعهم لتركها، بهدف إخلاء المنطقة للمسلحين. والسادسة، هي المسرحية الهزلية للمعارك الدائرة بين عددٍ من الألوية العسكرية – المكلفة بطرد(المسلحين) من المناطق التي استولى عليها – ولكن بدون نتيجة. وهل يعقل أن تهزم مجاميع بالعشرات – أو حتى بالمئات – قوات عسكرية مدربة، وتمتلك كلَّ أنواع الأسلحة، ماعدا القنبلة الذرية والهيدروجينية. والسابعة، هي أن كلَّ المساهمين في هذا المشهد – وبدون استثناء – لم يتحدثوا عن مأساة محافظة أبين. لا أثناء الأزمة، ولا الحلول التي تضمنتها المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة، ولا حتى في بيان حكومة الوفاق الوطني. وهذا يدل بشكل كافٍ إلى أن قرار إنهاء مأساة أبين، لا يوجد في الداخل.

2. المملكة العربية السعودية:

   حيث تحققت لها فوائد عدة. منها أنها بقيت ممسكة بالملف السياسي والأمني لجارتها الجنوبية. كما أن التعامل مع المشهد السياسي (فبراير 2011م) – باعتباره أزمة سياسية بين السلطة والمعارضة ومن ثم حله بحسب ما نصت عليه المبادرة الخليجية واليتها المزمنة – قد قوَّى من الدور السعودي تجاه صنعاء. وقد ساهم في ذلك تلك العلاقة المتميزة، التي تربطها بكلِّ العناصر ذات العلاقة بالمشهد السياسي الراهن، أكانت في السلطة أو المعارضة.

   كما أن عملية الإنهاك الاقتصادي – التي حدثت خلال فترة استمرار هذا المشهد – قد زادت من عملية الاستعداد عند حكومة الوفاق الوطني، لقبول أية اشتراطات سياسية من جانب النظام السعودي.

   كما أن الفائدة الأساسية التي جنتها السعودية – من نهاية هذا المشهد – تكمن في التخلص من إمكانية أن يولِّد هذ المشهد – على الأقل في هذه اللحظة – نظاماً سياسياً راديكاليا معاديا لها على حدودها الجنوبية. وهو ما عملت على تفاديه منذ انقلاب 26 سبتمبر 1962م.

   وبشكلٍ عام، فقد صار من المؤكد بأن النظام السياسي الذي جرى تخليقه – بحسب رغبات خارجية صرفة – سيظل مرهونا لمطالب المملكة العربية السعودية. وذلك عائد بدرجة رئيسية إلى مجموعة المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، التي خلَّفها هذا المشهد، وكذلك تلك المشاكل السابقة على هذا المشهد.

3. علي عبد الله صالح:

   مع إننا قد عرجنا على عددٍ من الفوائد التي تحصل عليها علي عبد الله صالح – وذلك في سياق هذه الدراسة – إلا أنه من الممكن التذكير بأهم هذه الفوائد – التي حصل عليها في نهاية هذا المشهد – أو نتيجة له. فأولى هذه الفوائد، هي إعفائه من المحاسبة السياسية والقانونية والقضائية، مما تسببت به أجهزته القمعية طوال فترة حكمه، أو ضد الكثير من المشاركين في هذا المشهد السياسي. والثانية، هو السماح له بالمشاركة السياسية من خلال بقائه في رئاسة حزب المؤتمر الشعبي العام. حيث يوفر له ذلك إمكانية كبيرة لعودته إلى الحكم مستقبلا، أو العودة الى حكم بواسطة أفراد من أسرته.

4.اللواء علي محسن الأحمر:

   إذا تذكرنا مجموعة من السمات والخصائص، ذات العلاقة بشخصية اللواء الأحمر – التي ذكرناها سابقا – سيتضح لنا مدى الأهمية الكبيرة التي تبوأها الرجل أثناء هذا المشهد، أو الفائدة التي جناها من نهاية هذا المشهد.

   وبدون مبالغة، يمكننا التقرير أن اللواء الأحمر، كان بمثابة الطفل المدلل أثناء هذا المشهد، بل وبعد انتهاءه بموجب المبادرة الخليجية. والدليل على ذلك أنه الشخصية الوحيدة، التي تمتعت برؤية الأضواء الآتية من كل اتجاه. ويكفي القول بأن سفراء الدول الهامة في هذا العالم، قد منحته القسط الأكبر والوافر من اهتمامها خلال هذا المشهد السياسي.

   ومرة أخرى، فبالعلاقة مع سمات شخصية اللواء الأحمر، وموقعه الهام في نظام علي عبد الله صالح وعلاقتهما الوثيقة، وعلاقته مع السلفيين ” الوهابيين”، وأخيرا بما تضفي عليه كل هذه الخصائص المذكورة من أهمية استثنائية – ليس فقط في هذا المشهد السياسي – بل وعلى مستوى المشهد السياسي العام – فقد حصل الرجل على مكاسب لما قدمه من خدمات للقوى المؤثرة في هذا المشهد السياسي، بما في ذلك شباب الساحات.

   ويبدو أن انضمام اللواء علي محسن الأحمر – مع طاقم فرقته المدرعة – إلى المشهد السياسي في فبراير 2011م، وإنزال فرقته بكامل أسلحتها وإفرادها إلى ساحة الاعتصام في صنعاء، قد أصاب الكثيرين بالذهور والاستغراب والدهشة. وكان الشباب ضمن أولئك المذهولين. ولذلك فقدوا توازنهم الذهني، فصدقوا ما شاهدوه. وشرعوا يفاخرون به ويمدحونه. بل وقد استقووا به ضد علي عبد الله صالح وأجهزته القمعية. وعندما ذهبت السكرة، أتت الفكرة. وكان ذلك عندما تحولت الفرقة الأولى وقائدها الفذ إلى عائق لحركة “ثوار الساحات”. فصارت – أي الفرقة – هي من تدير الأمور في هذا المشهد، وخاصة في صنعاء. وهي من تنظِّم عملية الدخول والخروج إلى الساحات، وتراقب حركتها. أي بمعنى آخر، إن المهمة الأساسية – غير المعلنة للواء علي محسن وفرقته – كانت هي السيطرة على حركة المشهد السياسي وتقييده، بحيث لا يتطور المشهد ويذهب إلى نقطة غير مرغوب فيها. وهو ما تحقق فعلا.

   ومن المؤكد بأن هذه المهمة – التي قام بها اللواء الأحمر وفرقته – قد خدمت أطرافا عدة. فقد خدمت الأطراف الإقليمية والدولية، من حيث بقاء المشهد عند المستوى الذي يمكن السيطرة عليه، وتختار له النهاية المطلوبة. وهو ما حدث فعلا. كما أن هذا الدور قد خدم أيضا كلاً من السلطة والمعارضة. وذلك من خلال بقاء هذا المشهد في حدود الأزمة السياسية، و عدم تحوله إلى ثورة شاملة.

   ولم يكتفي اللواء علي محسن الأحمر باللعب بورقة تدخل فرقته في الساحات، بل كانت بيده أوراق أخرى. مثل ورقة علاقته بالسلفيين، وعلاقته بالمجاهدين الذين يشكلون جزءا من تنظيم القاعدة، الذي يستخدم اليوم في العبث بعاصمة محافظة أبين – زنجبار – وماجا ورها من مناطق.

   أما من حيث الفائدة التي تحصل عليها اللواء الأحمر، فيمكن تحديدها في:

1. حصول اللواء الأحمر على صك براءة على كل أفعاله وسيئاته، باعتباره حليفا وداعما وشريكا أساسيا لعلي عبد الله صالح أثناء حكم(صالح).

2. إبرازه باعتباره حليفا وداعما لـ “الثورة “.

3. تسويقه باعتباره البديل لعلي عبد الله صالح”، وإنْ كان ذلك بشكل ضمني.

4. احتفاظه بكل المغانم التي حصل عليها أثناء نظام حكم علي عبد الله صالح.

5. أما الفائدة الأساسية والكبرى، فهي مؤجلة حتى انتهاء الفترة الانتقالية، التي حددتها المبادرة الخليجية بعامين. هذا إذا لم يتم قطفها قبل ذلك. أي خلال العامين المذكورين.

5. تكتل أحزاب اللقاء المشترك:

   يمكننا تحديد الفائدة أو الفوائد التي حققها التكتل، بالعناصر الآتية:

1. اعتراف إقليمي ودولي بتمثيل اللقاء المشترك لهذا المشهد السياسي، حتى وإنْ جرى تغيير تسمية المشهد من “ثورة” إلى أزمة سياسية. أو بالأصح تثبيته في إطار الأزمة السياسية. ذلك لأن ما يهم اللقاء المشترك هو المكسب. وقد حصل عليه.

2. صار اللقاء المشترك، هو اللاعب الأساسي في مواجهة علي عبد الله صالح. وبذلك كان هو الجهة التي يتم التحاور معه.

3. وباعتباره – أي اللقاء المشترك – الممثل الرئيسي المعترف به للمشهد الأساسي، واللاعب الوحيد مقابل علي عبد الله صالح، فكان من الضرورة بمكان أن يكون شريكا في الحل النهائي لهذا المشهد، أو الأزمة السياسية. ولا فرق في ذلك.

4. وباعتباره شريكا في الحل، لذا من الأهمية بمكان أن يكون شريكا فاعلا في النتائج، التي ستنتج عن حل المشهد السياسي أو الأزمة السياسية. وهو ما تحقق فعلا. وذلك بموجب ما تمخض عن المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة. وهو حصوله على نصف الكعكة، بينما حصل علي عبد الله صالح على النصف الآخر منها. وإنْ كان ذلك محددا بالفترة الانتقالية المحددة بعامين.

6. حزب التجمع اليمني للإصلاح: 

   ومرة أخرى، يمكننا التأكيد بأن حزب التجمع للإصلاح – وهو الفرع المحلي لحركة الأخوان المسلمين – هو المستفيد الأساسي من المكاسب، التي حصل عليها تكتل اللقاء المشترك. ويعود ذلك لعدة أسباب، نذكر منها:

1. باعتبار أن تجمع الإصلاح، هو المكون الأساسي لتكتل اللقاء المشترك، وهو سنده القوي. وبدون حزب التجمع اليمني للإصلاح، فلا وجود البتة لتكتل اللقاء المشترك. وذلك يعود إلى أسباب وعوامل ذكرناها سابقا.

2. وإذا عدنا إلى مجريات المشهد السياسي- الذي بدأ في فبراير 2011م – ونعني بذلك الفعاليات التي شهدتها ساحات الاعتصامات والاحتجاجات، سنجد أن القوة بالحضور والمشاركة والتأثير، جميعها كانت لصالح حزب التجمع اليمني للإصلاح. ومن المؤكد بأن المال والإعلام والقبيلة، قد لعبت أدوارا كل في مجاله.

3. ومن المؤكد، بأن العملية قد توجت بالنصيب الأوفر، الذي حصل عليه حزب التجمع اليمني للإصلاح من حقائب حكومة الوفاق الوطني. حيث حصل التجمع للإصلاح على نصف عدد الوزارات تقريباً. وبالطبع إضافة إلى رئيس الحكومة – الأستاذ محمد سالم باسندوة – الذي هو قريب من حزب التجمع اليمني للإصلاح.

7. أسرة آل الأحمر:

   إذا جاز لنا تشبيه ما حدث خلال المشهد السياسي الثاني بلعبة الكراسي المشهورة، فيمكننا التقرير بان أسرة آل الأحمر، كانت ضمن من قطفوا الفوز في نهاية هذه اللعبة، أو المشهد. إن لم تكن هي من حصلت على المركز الأول المرفق بالميدالية الذهبية.

   ويمكننا تحديد المكاسب التي حصلت عليها أسرة آل الأحمر من نهاية هذا المشهد، على النحو الآتي:

1. إذا تذكرنا بأن أسرة آل الأحمر، هي الأساس والسند والداعم للتجمع اليمني للإصلاح، وذلك من حيث التأسيس والبناء والتمويل المالي، والدعم البشري والحماية القبلية، فان ذلك كفيل بنا أن نتعرَّف على موقع وتأثير هذه الأسرة داخل هذا الحزب، بحيث يمكننا التقرير، بأن لا قوة أو تأثير لحزب التجمع اليمني للإصلاح بدون أسرة آل الأحمر. وعليه، فإن أية مكاسب حصل عليها هذا الحزب – في نهاية هذا المشهد السياسي – تُصبُّ أساساً في صالح أسرة آل الأحمر. وهي المكاسب ذاتها التي حصل عليها تكتل اللقاء المشترك. وهي عملية تعويضية، بحسب منطق علم الهندسة. بمعنى أنَّ كلَّ المكاسب، قد ذهبتْ لصالح أسرة آل الأحمر.

2. وإذا عدنا إلى مفتتح أو مستهل هذه الدراسة، سيتبين لنا بجلاء أن المكاسب أو الفوائد، التي تريد أسرة آل الأحمر الحصول عليها من هذا المشهد، لا تقتصر على الثروة والجاه فقط. والسبب هو أن هذين الشيئيين متوفران لدى أسرة آل الأحمر، وبكثرة. وعليه، فما هي المكاسب التي تريد أسرة آل الأحمر، تحقيقها من هذا المشهد السياسي؟

3. ومرة أخرى بتذكرنا ما سطَّرناه في مفتتح أو مستهل هذه الدراسة، سنجد أن الهدف المبتغى لأسرة آل الأحمر، يتحدد أساسا في احتفاظها بما تتمتع به من مشاركة في السلطة، إن لم يكن اختطاف السلطة بكاملها.

   وعليه، فإنَّ هدف الحصول على المشاركة في السلطة، فإن أسرة آل الأحمر قد حققته، وذلك من خلال احتفاظها بما كانت تتمتع به من سلطة في فترة ما قبل هذا المشهد. ويبقى هدف الحصول على كامل السلطة، أو على أقل تقدير معظمها. ولكن أين؟ وكيف؟ ولماذا؟

   أما أين؟ فإن المقصود به المكان الذي يجب أن تقوم عليه هذه السلطة، أو النظام السياسي.

   وبالعودة إلى مناقشتنا السابقة – بصدد المكان الذي يحدث فيه هذا المشهد السياسي – فبراير 2011م – وما توصلنا إليها من نتائج، أهمها أن هذا المشهد السياسي يخص في الأصل تلك المنطقة الجغرافية التي تكون الجمهورية العربية اليمنية. وبما يعني أن الجنوب يقع خارج هذا المشهد. وقد بينَّا سبب ذلك أيضا.

   أما كيف؟ فإن ذلك يتوجب من هؤلاء المعنيين بأمر الاستحواذ على السلطة – وفي المكان الذي حددناه – أن يكونوا برجماتنيين وواقعيين. بمعنى أن عليهم تجاوز نزعة الإيديولوجيا أو التاريخ الزائف والمضلِّل. لأن ذلك هو السبب الرئيسي، الذي أوصل علي عبد الله صالح إلى هذه النهاية الكارثية. فبعد أن كان الجنوب مغنما بفعل الوحدة الاندماجية، تحوَّل إلى عبء ثقيل يجب التخلص منه. ولو أمكن لعلي عبد الله صالح من استيعاب هذه المسألة، لما وصل إلى الحالة التي هو فيها الآن.

   أما فيما يخص الإجابة على السؤال (لماذا)؟ فإن ذلك له علاقة بالإجابتين على (أين؟ وكيف؟).

   فإذا كنَّا قد اتفقنا على منطقة الحكم – وهي مناطق الجمهورية العربية اليمنية – إلا أن ذلك يتطلب شرطين أساسيين:

الأول: أن يتم حل مشكلة المناطق التي تقع تحت تأثير وسيطرة حركة الحوثيين، وبالطريقة التي يرغب فيها مواطنو هذه المناطق.

الثاني: ضرورة تطبيق نظام حكم لا مركزي في بقية مناطق الجمهورية العربية اليمنية. ذلك لأن المركزية في الحكم، لم تعد مناسبة على الإطلاق. أما ما هو شكل اللامركزية الذي ينبغي الأخذ به، فإن ذلك متروك لمكونات كيان الجمهورية العربية اليمنية. فهي التي تقرر ذلك.

   وللإجابة على (لماذا) أيضا، يمكننا التذكير بالزخم الذي شهدته – وما زالت – تشهده ساحات تعز وأخواتها إب والحديدة والبيضاء وغيرها من الساحات – خلال المشهد المذكور وحتى الآن، وكذا التذكير بالمسيرات الزاحفة من هذه المناطق إلى صنعاء. حيث أراد المشاركون في مسيرات الحياة والكرامة تلك، إبلاغ رسالتين: الأولى التأكيد على التمسك بمشروع ثورتهم، التي بدأت في فبراير 2011م. والأخرى، هي أن لهم أهدافهم الخاصة بهم. وهو ما نوهنا إليه في مكان سابق من هذه الدراسة. وقد أكدوا على ذلك من خلال تشكيل ” جبهة انقاد الثورة اليمنية “.

   أما الخاسرون من النهاية التي وصل إليها المشهد السياسي الراهن، فيمكن تحديدهم في القوى الآتية:

1. شباب المشهد السياسي:

   وخسارتهم الكبرى تجلت في تجاوز ” مشروعهم الثوري”، بل والتنّكر له وعدم الاعتراف به. مما دفع بهؤلاء الشباب إعلان رفضهم للمبادرة الخليجية، والحلول التي تضمنتها. وبالتالي إعلانهم البقاء في الساحات، والتمسك بمشروعهم الذي أعلنوا عنه في بداية هذا المشهد. ومن أجل ذلك أعلن شباب الساحات – المتبقون في هذا المشهد – عن تأسيس حامل سياسي خاص بهم، أطلقوا عليه بـ ” جبهة إنقاذ الثورة اليمنية “.

   والمشكلة الأساسية هنا، أن خسارة الشباب ومشروعهم جاء من جهات عدة. فهناك القوى الدولية – وفي المقدمة الولايات المتحدة – والقوى الإقليمية – وفي المقدمة السعودية – ونظام علي عبد الله صالح، التي توحدت أهدافهم تجاه مشروع شباب هذا المشهد، باتجاه عدم الاعتراف بما يحدث بأنه ثورة، ومن ثم تجاوزه وإفشاله. وقد تطرقنا إلى تفاصيل هذه المسألة في مكان سابق من هذه الدراسة.

   كما اشترك اللواء علي محسن الأحمر وفرقته في خلق هذه الخسارة، التي مُني بها الشباب. حيث تجلَّى ذلك في: أولاً انضمام اللواء الأحمر إلى هذا المشهد السياسي، برغم أنه يعتبر جزءا من نظام علي عبد الله صالح. وثانياً، من خلال مجموعة الأساليب والسلوكيات، التي استخدمتها الفرقة الأولى ضد الشباب داخل الساحات، وعرقلة تحركهم كلما هموا بالتقدم خطوات نحو تنفيذ مشروعهم، المتمثل بإسقاط نظام علي عبد الله صالح. وثالثاً، سرقة اللواء علي محسن الأحمر الأضواء، أثناء وبعد انتهاء هذا المشهد. برغم أن الشباب هم القوة الحقيقية والمبادرة لخلق هذا المشهد. ورابعاً، حصوله على جزء كبير من الكعكة بغير حق.

   أما الخسارة الكبرى – التي تكبدها شباب المشهد – فقد أتتهم من حلفائهم المقربين. ونعني بذلك تكتل اللقاء المشترك – وخاصة القوتين المؤثرتين فيه – وهما: حزب الإصلاح وأسرة آل الأحمر.  أي أن هذه الخسارة قد أتتهم من “نيران صديقة” بحسب قول العسكريين.

   وقد تمثلَّت خسارة الشباب من جانب تكتل اللقاء المشترك في:

أولاً: اختطاف المشهد كله لصالح أحزاب اللقاء المشترك، برغم أن الشباب كانوا المبادرون والبادءون للنزول إلى الساحات. بل وهم من قدموا القرابين في هذا المشهد.

وثانيا: عندما تجاهل(التكتل) وجود الشباب، وقدم نفسه بديلا لكل القوى السياسية والاجتماعية، المشاركة في هذا المشهد.

وثالثا: عندما اشترك(التكتل) في مؤامرة تغيير المشهد السياسي، من “مشروع ثورة” إلى أزمة سياسية. ورابعا: عندما ارتضى بالمبادرة الخليجية وآليتها المزمنة- كحل للمشهد السياسي – الذي بدأ في فبراير 2011م، برغم معرفة هذا التكتل بكلِّ مساوئ وعيوب هذه المبادرة، وفي مقدمة ذلك: عدم الاعتراف بـ “ثورية المشهد “، وعدم الاعتراف بالشباب كقوى سياسية واجتماعية رئيسية في هذا المشهد السياسي. ومن المؤكد بأن الجهة الأساسية التي تقف خلف هذه النتائج، هو حزب التجمع اليمني للإصلاح، وأسرة آل الأحمر، باعتبارهما القوتان الأساسيتان المستفيدتان من هذه النهاية، وما نتج عنها.

   ومن ناحية أخرى، فإن المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة، قد خلقت نوعاً من المواجهة والتصادم بين كلٍّ من الشباب الرافض لهذه المبادرة من جهة، وتكتل اللقاء المشترك من جهة أخرى، باعتباره شريكا في حكومة الوفاق الوطني، وباعتبار أن هذه الحكومة، ملزمة بتنفيذ هذه المبادرة على الأرض، وفي الواقع.

2. الحوثيون:

   يمكننا القول بأن خسارة الحوثيين، قد تمثلت في أربعة مستويات: الأول، أن المبادرة قد تجاهلت مشكلتهم، وما تتضمنه من مطالب وأهداف مشروعة لهم. والثاني، أنه بمجرد وصول هذا المشهد إلى النهاية المعروفة، جرى افتعال معارك عسكرية جديدة مع الحوثيين، إلا أن هذه المرة كانت بواسطة السلفيين، المدعومين من اللواء علي محسن الأحمر، والسعودية والنظام بفرعيه: القديم والجديد. والمقصود من ذلك إظهار، “السلفيين ” كقوة سياسية موجودة على الأرض، وبالقرب من الحوثيين. والثالث، هو محاولة تحويل قضية الحوثيين، من ” حالة سياسية” إلى “حالة مذهبية ” بين الزيدية والسلفية. أو بالأصح بين السنة والشيعة. وهي الموضة الجديدة المتبعة الآن.

   والملفت للانتباه، هو الهجوم الإعلامي المحموم ضد الحوثيين، الذي يشترك فيه بقايا نظام علي عبد الله صالح، وحزب الإصلاح، واللواء علي محسن الأحمر، والسلفيين، والعديد من الصحف الحكومية والأهلية، والقنوات الفضائية مثل “سهيل”، و”الجزيرة” و “العربية” وغيرها. وهي حالة لم تكن موجودة قبل هذا المشهد السياسي.

   ومن المؤكد، بأن ذلك يأتي في إطار الأجندة الأمريكية المستحدثة، لحرف الصراعات والخلافات في المنطقة العربية، من صراعات وخلافات سياسية إلى إصباغها بالطابع الطائفي والمذهبي – بين السنة والشيعة، التي تأتي في إطار محاصرة إيران والحرب عليها، انطلاقا من إشاعة الخوف من إيران، أو ما يطلق عليها بإيران فوبيا. وهي نزعة أيديولوجية راسخة لدى الدول الغربية بشكل عام، والولايات المتحدة على وجه الخصوص. وهي استمرار للشيوعية فوبيا، والإسلام فوبيا. وهي حالة مرتبطة بالبحت عن عدو خارجي للغرب، يستخدم كفزاعة، ولتوحيد المجتمع الدولي ضد هذا العدو.

خامسا: الأسباب والعوامل المؤثرة في نهاية هذا المشهد

   وأخيرا نأتي إلى الجزء الأخير من هذه الدراسة، الخاص بمعرفة الأسباب والعوامل التي أدتْ إلى نهاية هذا المشهد السياسي – الذي بدا في فبراير 2011م – وليس إلى النهاية التي كان يتمناها الكثيرون، وفي مقدمتهم قطاع الشباب.

   وللتذكير، فان النتيجة أو النهاية التي نقصدها، تتمثل في:

أولاً: التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة بين المؤتمر الشعبي العام وشركائه من جهة، وتكتل أحزاب اللقاء المشترك وحلفائه من جهة أخرى، ومن ثم تطبيقها على صعيد الواقع. وهو ما يعني اعتبار هذا المشهد السياسي بمثابة أزمة سياسية بين فريقي النظام السياسي. ويعني ذلك، أن المشهد السياسي – أو الأزمة السياسية – قد انتهت بحسب ما تضمنته هذه المبادرة من حلول ومعالجات.

ثانيا: بسبب شعور قسم من الذين اشتركوا في هذا المشهد السياسي – وهم جزء واسع من الشباب – بعدم الرضاء مما حملته المبادرة الخليجية من حلول ومعالجات لهذا المشهد السياسي. لذا فقد تم رفض هذه النهاية من جانبهم، ومن ثم قرروا البقاء في الساحات واتجهوا نحو التصعيد، ورفضوا كل ما نتج عن هذه المبادرة، بما في ذلك حكومة الوفاق الوطني. كما تمسكوا بطلب إسقاط نظام علي عبد  الله صالح كاملا، ومحاكمته مع أركان حكمه. كما أعلنوا تمسكهم بـ “مشروع ثورتهم”، كما حددتها تلك الأهداف التي تناولناها سابقا، وفي مقدمتها بناء دولة مدنية حديثة.

   ولذا يمكننا القول، بأنه قد تولَّد من هذه النهاية المذكورة مجموعة من النتائج، منها على سبيل المثال:

1. إن الحالة السياسية التي بدأت منذ فبراير 2011م، وانتهت بموجب المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة في 23 نوفمبر 2011م، قد بقيت في إطار المشهد السياسي. بمعنى أنها لم تتحول الى “ثورة”. وهذا له علاقة بالقوى السياسية والاجتماعية المشاركة في هذا المشهد. وكذا بالسياق العام الذي سار عليه هذا المشهد، وخاصة اتسامه بحالة العنف. كما أن له علاقة بالنتيجة النهائية لهذا المشهد.

2. انقسام القوى السياسية والاجتماعية التي شاركت في هذا المشهد، وذلك كما بينَّا آنفا.

3. لم يحدث أي تغيير جوهري، أو “ثوري” في الواقع السياسي والاجتماعي في المكان، الذي حدث فيه هذا المشهد، أي في المناطق التي تكوِّن الجمهورية العربية اليمنية. ولذلك أسبابه سنذكرها لاحقا.

4. إنه بفعل مزيج من العوامل التاريخية والسياسية والجغرافية، بالإضافة إلى الأخذ بالمبادرة الخليجية وآليتها المزمنة كحل لهذا المشهد السياسي أو الأزمة السياسية، فقد نتج عن ذلك انتقاص للسيادة السياسية، تجلى ذلك من خلال التدخلات المباشرة وغير المباشرة من جانب الجهات، التي رعتْ وأشرفتْ على حلِّ الأزمة السياسية، وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة العربية السعودية.

   وبالعودة إلى موضوع الأسباب والعوامل – التي أدت إلى هذه النهاية لهذا لمشهد – يمكننا تقسيمها على النحو الآتي:

أولا: أسباب وعوامل موضوعية

    المقصود بها تلك الأسباب العوامل، التي لها علاقة بوصول هذا المشهد إلى هذه النهاية بالضبط. وهي عوامل غالبا ما تكون خارجة عن إرادة تلك القوى، التي شاركت في بناء هذا المشهد السياسي.

    وتأسيسا على ذلك، فإن هذه العوامل تنقسم إلى نوعين: الأول هو الذي يشمل تلك العوامل ذات العلاقة بالحالة الاقتصادية، وما يترتب عليها من نتائج. والنوع الآخر، هو الذي يشمل تلك العوامل ذات العلاقة بالبيئة الاجتماعية المتجلية عن الحالة الأولى.

   ونقصد بالبيئة الاجتماعية، المكونات والمؤثرات الاجتماعية والثقافية، الخاصة بالمجتمع الذي تتناوله هذه الدراسة. وبهذا يكون مقصدنا هو مجتمع “الجمهورية العربية اليمنية”، الذي حدث فيه المشهد السياسي الثاني الذي بدأ في فبراير 2011م، وانتهى بالتوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة بين طرفي الأزمة السياسية.

   وفيما يخص أسباب وعوامل النوع الأول، فيمكننا تلخيصها على النحو الآتي:

   يصنف النظام السياسي القائم في البلدان العربية بشكل عام – ومن ضمنها الجمهورية اليمنية – بأنه نظام فئوي، يولِّد نظام اقتصادي ريعي، بل ويعادي قيام وإنشاء أي نظام اقتصادي إنتاجي. ذلك لأن نظام اقتصاد الإنتاج يفرض المساءلة والمحاسبة، بينما اقتصاد الريع يعفي القائمين على النظام السياسي هذا عن المساءلة والمحاسبة.

   والريع هو ظاهرة عامة، تعرفها جميع الاقتصادات المتقدمة والمتخلفة. وقد انحصر الخلاف في درجة الأهمية النسبية للريع. وبشكلٍ عام، فإن الريع لا يشكل إلا نسبة ضئيلة من الإنتاج القومي. إلا أن الحال يختلف كثيرا في البلدان النفطية، وخاصة في البلدان العربية.

 ومصادر الريع متعددة، وسمتها الأساسية مصدرها الخارجي. كما توجد لها مصادر داخلية، عبر ما يمكن تسميته بتجارة النفوذ بين السلطة والمقربين منها.

   وكما هو الحال في البلدان العربية، فإن مصادر الريع الخارجي في الجمهورية اليمنية هي:

1. العائدات من بيع النفط الخام.

2. تحويلات المغتربين العاملين في الدول النفطية المجاورة، وغيرها.

3. المساعدات الخارجية، التي تمنحها بعض الدول في إطار مساعدات فعلية، أو في إطار سياسي، أو في إطار ما يسمى محاربة الإرهاب.

4. عائدات ناتجة عن نفقات السياحة الخارجية الوافدة.

   وبشكلٍ عام، فقد تولَّد عن ذلك مجموعة من نتائج، وهي على النحو الآتي:

1. وباعتبار أن الريع الاقتصادي، هو الفارق بين السعر السوقي للسلعة أو عامل الإنتاج، مقارنة بكلفة الفرصة، فإن ارتفاع سعار النفط، قد أوجد ريعاً بسبب عدم التناسق بين كلفة الإنتاج وسعر البيع. حيث أن الفرق ليس ناتجا عن زيادة في الاستثمار، أو تحسين الإنتاجية والكفاءة، بل بسبب الموقع الجغرافي لمصادر النفط ، وبسبب الطلب المتزايد عليه.

2. برغم عائدات النفط الكبيرة، إلا أن ذلك لم يؤدِ إلى زيادة الإنتاجية الاقتصادية، ولم يؤدِ إلى ثقافة الإنتاج، بل إلى ثقافة الاستهلاك.

3. إن إنتاج الثروة محصورة في مجموعة قليلة، لا تساهم بشكل فعَّال في عملية الإنتاج الاقتصادي. كما أن حصة توزيع الريع على تلك الفئة، تفوق حصتها المشروعة.

4. إن السمة الأساسية المتولِّدة عن هذا النظام السياسي، هي توزيع الريع وفقا لمعايير سياسية واجتماعية محددة.

5. كما يوجد ريع داخلي ناتج عن السعي الداخلي، للحصول على امتيازات في الأسواق الداخلية مثل: (رُخَص الاستيراد، أو الحماية الجمركية، أو الإعفاءات الضريبية والجمركية). وهؤلاء هم قلة في المجتمع من المقربين إلى السلطة، بسبب انتشار الفساد السياسي والإداري، حيث يحصلون على إرباح ليس بالضرورة ناتجة عن زيادة الإنتاج، أو الكفاءة، أو الاستثمار.

6. توزيع الريع عبر توزيع العقارات للمقربين، ثم عبر شراء الدولة لهذه العقارات الموزعة بأسعار باهظة، محوِّلة الريع للأقارب والمحسوبين.

7. توزيع الجعالات الناتجة عن تصدير النفط، حيث صارت هذه الجعالات المصدر الرئيسي للدخل الريعي.

8. توزيع العقود لانجاز مشاريع البنية التحتية( طرق، منشات عسكريه، مشافي ، مدارس، مواصلات، وغيرها)، وفقا لمعايير الولاء والقرابة والمحسوبية. وجميعها تهدف إلى دعم نظام الحكم القائم.

9. كما أن القطاع الخاص بالمؤسسات الكبيرة – وخاصة العائلية – قد تكونت ثرواته من قيم وقوانين الدولة. كما أن معظم النشاطات التجارية، تتمحور حول الوكالات التمثيلية المحصورة بتلك الفئات، التي تسيطر على التبادل التجاري الداخلي. حيث ظهرت طبقة التجار المتحالفة مع النظام السياسي القائم. وهذه الطبقة تؤدي الخدمات لأُولي الأمر في السلطة.

10. كما أن المسألة قد تعدت التمثيل التجاري للشركات الأجنبية، إلى المواقع الاحتكارية التي ولَّدها النظام السياسي الفئوي.

11. كما أن العقلية الريعية، تفرز قيما تتناقض مع متطلبات التحرر الإنساني، منها: التقليد ضد الإبداع، والاستعلاء الذكوري ضد تحرر المرأة، والسلطة ضد الحرية، والقبلية ضد التعاقد الاجتماعي، والمحسوبية ضد الكفاءة الفردية، والثروة ضد الفقر.

12. كما أن الاحتكارات تنتج ريعاً لا يقل أهمية عن الريع الخارجي، بسبب إن جميع الامتيازات التي يمنحها النظام الفئوي لمؤيديه، تؤدي إلى اتساع الفجوة بين القلة الحاكمة والمستفدين من ناحية، وبين شرائح المجتمع الأخرى من ناحية أخرى.

   وفيما يخص البيئة الاجتماعية لهذا المجتمع، فيمكن القول بأنها تتسم بعدد من الخصائص، نذكر منها:

1. سيطرة العلاقات القبلية وتعميمها في كامل المجتمع. ويتجلى ذلك من خلال أولاً، انقسام هذا المجتمع إلى قبائل. إلا أن المهم في الأمر، هو أن المجتمع أكثر خضوعا للحلقات السحرية، ممثلة بالقبيلة وملحقاتها؛ كالعشائرية والمناطقية وغيرها. ويعني ذلك، أن هذا المجتمع ذاته قليل التأثر بالمؤسسات المدنية؛ كالأحزاب والمنظمات الاجتماعية والمهنية وغيرها. وحتى عندما تحمَّس الكثيرون من هذا المجتمع القبلي، للانضمام إلى بعض الأحزاب السياسية، فإن الغالبية من هؤلاء قد اختاروا حزب التجمع اليمني للإصلاح، ذات التكوين القبلي والتوجه الديني، ولم يختاروا أحزابا يسارية أو قومية أو علمانية.

2. وبرغم انتشار المؤسسات التعليمية بمراحلها المختلفة – بما يعني زيادة ملحوظة في مخرجات التعليم – إلا أن الثقافة القبلية ما زال لها حضورا قويا في المجتمع. ومن أمثلة ذلك، انتشار عادات الثأر، وسيادة التقاليد والأعراف القبلية عوضا عن سيادة القانون. وحتى أولئك القبليين الذين انضموا إلى ساحات الاعتصامات والاحتجاجات، وجرى التباهي بهم بأنهم انضموا إلى الثورة – فقد كانت دوافعهم أقرب إلى تلبية قانون القبيلة المعروف بـ “داعي القبيلة “. وإنْ كان ذلك غير معلن. ويمكن تأكيد ذلك من خلال حدثين:

الأول: اندلاع المعارك بين مسلحي أسرة آل الأحمر من جهة، والأجهزة العسكرية والأمنية التابعة لنظام علي عبد الله صالح من جهة أخرى. أكان ذلك في منطقة الحصبة من العاصمة صنعاء، أو خارج صنعاء. ومن المؤكد بأن جزءاً كبيراً منهم، قد شاركوا في تلك المعارك مع الطرف الأول، إن لم يكن مع كلا الطرفين.

الثاني: هو الإعلان عن تجنيد اللواء علي محسن الأحمر، لمجاميع كبيرة من أولئك لصالح فرقته الأولى (مدرع).

3. وبرغم ما يقال – جزافا – عن تحول القبيلة – هناك – باتجاه ممارسة الأعمال الاقتصادية – وعلى وجه الخصوص – التجارة والاستثمار – إلا أن هذا العمل، قد بقي حكراً على فئة المشايخ الكبار فقط. بما يعني أن أسرة آل الأحمر، قد جمعوا بين المنزلتين،وهما: الجاه (رئاسة القبيلة) والثروة. وهو ما مكَّن أسرة آل الأحمر من تحريك هذا المشهد السياسي ضد خصمهم علي عبد الله صالح، وكذا السيطرة على هذا المشهد، وتجييره لصالحهم، ومن ثم قطف ثماره.

ثانياً: أسباب وعوامل ذاتية

   أما المقصود بالأسباب والعوامل الذاتية، فهي تلك التي تخص القوى السياسية والاجتماعية، التي اشتركتْ في هذا المشهد الثاني. وذلك من حيث تنظيمها ووعيها، ووحدتها من عدمها، وأهدافها وتقاليدها وخبرتها، وغيرها من المسائل ذات العلاقة.

   ومن خلال مناقشتنا السالفة، فقد خلصنا إلى الحقائق الآتية:

1. إن القوى السياسية والاجتماعية – التي اشتركتْ في هذا المشهد – هي متنوعة، ومختلفة سياسيا واجتماعيا، بل وحتى إيديولوجياً.

2. إن هذا التنوع والاختلاف، قد نتج عنه تباين واختلاف في أجندة وأهداف كل قوة عن سواها.

3. إن هذه القوى – المشاركة في هذا المشهد – تختلف فيما بينها من حيث درجات التنظيم. فدرجة التنظيم عند الأحزاب السياسية، هي أفضل مما هي عليه عند فئة الشباب والقبيلة مثلا. وكذا هي الحال عند المؤسسة العسكرية، حيث درجة التنظيم والانضباط جيدة. كما أن درجة التنظيم والانضباط بين الأحزاب السياسية متفاوتة كذلك. فهي عند حزب التجمع اليمني للإصلاح، أفضل عما هي عند بقية الأحزاب في تكتل اللقاء المشترك أو خارجه.

4. لقد أكد هذا المشهد حالة التمزق والاختلاف بين صفوف الشباب، بعكس ما هو متوافر من وحدة وتماسك عند قوى أخرى – شاركت في هذا المشهد – كما هي الحال عند المؤسسة القبلية. وهذا ما تأكد لنا عندما تداعت القبيلة – أو التحالف القبلي – للاشتراك في المعارك، التي قادها الشيخ صادق بن عبد الله بن حسين الأحمر، ضد قوات السلطة داخل العاصمة صنعاء أو خارجها. والحالة ذاتها عند المؤسسة العسكرية، وذلك كما رأيناها عند المؤسسة العسكرية التابعة لعلي عبد الله صالح، أو عند الفرقة الأولى(مدرع) التابعة للواء الأحمر.

5. ومن هذه الأسباب والعوامل، توافر التقاليد والخبرة في العمل السياسي، أو حتى في عملية التغييرات والتحولات السياسية. ففي الوقت الذي افتقر الشباب لمثل هذه الأمور المذكورة، نجدها متوافرة لدى المؤسسة العسكرية والقبلية.

   فالمؤسسة العسكرية هي التي نفذت انقلاب 26 سبتمبر 1962م، ضد الإمام محمد البدر بن احمد بن يحيى حميد الدين – ملك المملكة اليمنية المتوكلية – وأتت بالمشير عبد الله السلال رئيسا للجمهورية العربية اليمنية. وهي التي نفدت انقلاب الخامس من نوفمبر عام 1967م ضد المشير عبد

الله السلال، وأتت بمجلس جمهوري برئاسة القاضي عبد الرحمن الإرياني. وهي التي نفدت انقلاب 13يونيو عام 1974م ضد القاضي عبد الرحمن الإرياني، وأتت بالمقدم إبراهيم الحمدي رئيسا للجمهورية. وهي التي نفدت الانقلاب ضد الرئيس الحمدي، وأتت بالمقدم أحمد الغشمي رئيسا للجمهورية. وهي التي أتت بالرائد علي عبد الله صالح رئيسا للجمهورية، بعد اغتيال الرئيس الغشمي. وهذا يعني، إن هذه المؤسسة تمتلك خبرة كافية في الحياة السياسية، والتغييرات في نظم الحكم.

   كما أن تجربة وخبرة المؤسسة القبلية، ليست مختلفة عن تجربة المؤسسة العسكرية. حيث أن المؤسسة قبلية، هي من خلقت التوازن بين الجمهوريين والملكيين بعد انقلاب سبتمبر 1962م. وذلك عندما انقسمت القبائل بين مؤيدة للجمهوريين، وأخرى مؤيدة للملكيين. ولن تتحد ثانية، إلا عندما اتفق الفريقان على المصالحة الوطنية في الجمهورية العربية اليمنية، التي رعتها المملكة العربية السعودية في عام 1970م.

   والمعروف أن هذه المؤسسة، قد تولَّت مهمة التأثير في الأوضاع السياسية في الجمهورية العربية اليمنية، بما في ذلك تغييرات رؤساء الدولة وحكوماتها. وعلى وجه الخصوص منذ وصول القاضي عبد الرحمن الإرياني إلى سدة الحكم.

6. وبالاستناد إلى التجربة والخبرة، المتوفرة لدى كلٍّ من اللقاء المشترك وأسرة آل الأحمر واللواء الأحمر، وافتقار الشباب لمثل ذلك، فقد تمكّنت الأطراف المذكورة من قطف ثمار هذا المشهد، تأسيساً على النية السيئة المضمرة لدى هذه الأطراف تجاه الشباب.

ثالثاً: أسباب سياسية خارجية

   أما الأسباب والعوامل الخارجية، فتتمثل بمدى تأثر أو تأثير المشهد السياسي بالأوضاع الإقليمية والدولية، والعكس صحيح. وكذا بما يحدثه من تدخل إقليمي ودولي في هذا المشهد، ومن ثم السيطرة عليه، وتوجيهه لكي يكون منسجما مع رغبة القوى الإقليمية والدولية، وبما لا يتعارض مع هذه الرغبة. وهو ما حدث مع هذا المشهد وصولاً إلى نهايته، بحسب المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة. التي تعرفنا عليها سابقا.

   وللتذكير، وباختصار شديد، فإن هذه العوامل الخارجية – التي أثَّرتْ في هذا المشهد – وأدتْ إلى هذه النتيجة المذكورة، يمكن تلخيصها في الآتي:

1. حرص القوى الدولية – وفي مقدمتها الولايات المتحدة – والقوى الإقليمية – وفي مقدمتها المملكة السعودية – في التعامل مع هذا المشهد، باعتباره أزمة سياسية بين مكوني النظام السياسي، المتمثلين في السلطة والمعارضة.

2. تدخل هذه القوى في هذا المشهد وبقوة، ومن ثم السيطرة عليه، وتوجيهه لصالحها. وقد نتج هذا التدخل والسيطرة، بسبب العلاقة القوية لنظام علي عبد الله صالح بهاتين القوتين، والتي انعكست سلبا على السيادة الوطنية، قبل وأثناء وبعد هذا المشهد.

3. وبسبب هذه العلاقة – وما نتج عنها – استطاعت هذه القوى، أن تفرض الحلول والمخارج المناسبة لها على هذا المشهد السياسي، وذلك عبر سياسة الإنهاك السياسي والاقتصادي، وخلق الفوضى وانعدام الأمن. وبحيث وجدت جميع القوى المشاركة في هذا المشهد نفسها، مرغمة على قبول ما قدمته المبادرة الخليجية، بما فيها الشباب الذين لم يغادروا الساحات. برغم إعلانهم رفض المبادرة ونتائجها، وتمسكهم بالثورة وأهدافها.

   والسؤال هو، كيف يمكننا فك رموز هذه المعادلة المتمثلة، بأن هؤلاء الشباب قد قبلوا هذه المبادرة، مع أننا ما زلنا نشاهدهم في الساحات رافضين للمبادرة ونتائجها. والإجابة بسيطة، وتتلخص على النحو الآتي:

– إذا افترضنا أن الشباب كانوا هم المبادرين في إشعال هذا المشهد – وهذا صحيح – إلا أنهم تخلوا لاحقا عن هذه المبادرة لصالح قوى أخرى في هذا المشهد، وخاصة تكتل اللقاء المشترك. ولا يهم كيف؟ برغبة أو بدونها؟ بوعي أو بدون ذلك؟ فالنتيجة واحدة.

– لقد اكتفى الشباب بالتعبير عن ” مشروع ثورتهم” وأهدافهم، من خلال فعالياتهم السياسية والإعلامية في الساحات فقط. ولم يستطيعوا أن يترجموا ذلك إلى أفعال.

– وبالعلاقة مع مجموعة الخصائص التي تميَّز بها الشباب – التي ذكرناها في مكان آخر من هذه الدراسة – وهي في أغلبها سلبية- نجد أن الشباب لم يتمكنوا من توحيد أنفسهم في إطار تنظيمي وسياسي واحد. وعوضا عن ذلك عملوا على تأسيس العديد من الائتلافات السياسية والفكرية، التي عكست واقع اختلافهم وتمزقهم في الأساس.

الخلاصة

   في نهاية دراستنا، يمكننا وضع مجموعة من الاستخلاصات، وهي على النحو الآتي:

1. إن المشهد السياسي الراهن – الذي بدأ في فبراير 2011م – يخص أساسا من حيث المكان، تلك المناطق التي كانت تكوِّن قبل 22 ما 1990م دولة الجمهورية العربية اليمنية.

2. إن الجنوب قد بدأ بثورته من أجل استعادة دولته قبل مايو 1990م، وذلك بعد أن فشل مشروع الوحدة الاندماجية بين دولتي جمهورية اليمن الديمقراطية الشبيه، والجمهورية العربية اليمنية. بمعنى أن أهداف شعب الجنوب، تختلف عن أهداف شعب(ج.ع.ي) في هذا المشهد.

3. إن المشهد السياسي الثاني – الذي بدأ في فبراير 2011م – بقي عند كونه أزمة سياسية بين السلطة والمعارضة، ولم يتحول إلى ثورة شاملة.

4. إن إنهاء المشهد السياسي بموجب المبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن الدولي رقم(2014)، قد أدى إلى انقسام المشاركون في هذا المشهد إلى قسمين: الأول، ضم أولئك الذين قبلوا ووقعوا على الحلول والمعالجات التي حملتها المبادرة. ويندرج في إطار هذا القسم، كلٌّ من أحزاب اللقاء المشترك وشركائه، وأهمهم أسرة آل الأحمر، واللواء علي محسن الأحمر. وهؤلاء ملزمون – سياسياً وقانونياً وأدبياً – بتنفيذ المبادرة وآليتها المزمنة. أما القسم الآخر، فضم أولئك الذين رفضوا المبادرة وآليتها المزمنة. ويندرج في إطاره جزء كبير من قطاع الشباب. وقد بقي هؤلاء في الساحات.

5. إن تشكيل حكومة الوفاق الوطني – بموجب هذه المبادرة – قد جعل هذه الحكومة فاقدة لإرادتها السياسية المستقلة، ومرهونة لرغبة القوى الإقليمية والدولية المتبنية والراعية لهذه المبادرة. والشواهد على ذلك كثيرة. منها على سبيل المثال لا الحصر: تصريحات وتهديدات سفراء الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي للأطراف المعنية بالأزمة السياسية، بل وحضور هؤلاء السفراء لاجتماعات حكومة الوفاق، واللجنة الأمنية والعسكرية.

6. إن الانجاز الواضح الذي أنجزه هذا المشهد، هو تجاوز مسألة توريث الحكم، على الأقل في المدى القريب والمتوسط.

7. إن تجاهل حلَّ كلاً من قضية الجنوب ومشكلة صعده، له علاقة بالتسريع في حلّ الأزمة السياسية الراهنة. كما أن لذلك علاقة بامتناع طرفي النزاع – وهم الموقعان على المبادرة – على التعاطي مع هاتين المسالتين، بالطريقة التي يرغب بها كلٌّ من شعب الجنوب والحوثيين.

8. إن قبول الأطراف بالمبادرة الخليجية وآليتها المزمنة، والتوقيع عليها، يعني التزام كلُّ الأطراف المعنية بتنفيذ هذه المبادرة بكلِّ حذافيرها، بدون انتقاص أو تلكؤ أو انتقائية.

9. وببقاء قطاع الشباب في الساحات، وتجاوز قضية الجنوب ومشكلة صعدة، يعني في الواقع أن المشهد السياسي غير منتهي. بما يعني أن الأمور ستكون مفتوحة على كثير من الاحتمالات.

10. أما أهم الاستخلاصات من هذا المشهد – أكان بالنظر إلى مجريات هذا المشهد كاملاً، من حين بدأ في فبراير 2011م، حتى نهايته في نوفمبر من العام نفسه – أو بالنظر إلى القوى المشاركة فيه، أو بالنظر إلى الموقعين والراعين للمبادرة الخليجية، أو المستفيدين من النهاية التي وصل إليها هذا المشهد، أو الأهداف والنتائج المترتبة على هذه النهاية – فهي استحالة قيام أية ثورة شعبية في هذه المنطقة – التي حدث فيها هذا المشهد الثاني، والتي حددناها بمناطق الجمهورية العربية اليمنية – وذلك بسبب تخلف العلاقات الاجتماعية بشكلٍ عام، وسيادة العلاقات القبلية بشكلٍ خاص، التي تعتبر العائق الأساسي لقيام أي فعل ثوري جذري في هذه المنطقة. وقد ثبت ذلك طوال فترات زمنية طويلة، بدأتْ منذ ما قبل انقلاب 26 سبتمبر 1962م حتى اللحظة الراهنة. ويعني ذلك، أن قيام أية ثورة في هذه المنطقة المعنية، تبدأ أولاً من الثورة  على هذه العلاقات الاجتماعية المتخلفة، وليس بدونها.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  * أستاذ جامعي في كلية الاقتصاد بجامعة عدن

.