fbpx
30 نوفمبر … بين الأمس واليوم من ثورة .. ثورة يا جنوب .. إلى .. دولة .. دولة ياجنوب

في هذه اللحظات التي اكتب فيها هذا المقال من يوم 30 نوفمبر , تحتشد الجماهير الجنوبية بكثافتها المعتادة وحضورها القوي في ساحة الحرية بخور مكسر .. تحمل على أكتافها وسواعدها اعلام الجنوب , وتحمل في قلوبها وعقولها آمالها العريضة – المشروعة بيوم استقلال ثاني تتويجا للحق وللنضال وللعدل أيضا , وكلها أمل ان يسجل التاريخ للجنوب يوم استقلال جديد .

   في هذا اليوم بالذات.. وفي هذه المناسبة الوطنية الخالدة , يختلف المشهد الجنوبي واليمني والإقليمي بشكل كبير عما كان عليه في العام الماضي بشكل كبير وواضح . فما كان احدا من المحللين السياسيين أو من المراقبين والمتابعين بدقة لمجريات الأحداث من داخل الحركة الوطنية الجنوبية أو من خارجها كان يمكن له ان يتوقع ان يحدث اليوم في ساحة الحرية بخور مكسر ماحدث من مظاهر جديدة , ودلائل كبيرة تنبىء بأن يوم الاستقلال الثاني بات مسألة وقت ليس الا ! … ومن لا يعرف شعب الجنوبي وإرادته .. وعنفوانه .. وقدرته على الصمود وصنع الانتصارات يمكنه ” وحده ” أن يشكك فيما قلت … اليوم تغير الشعار من النداء بثورة الجنوب إلى النداء بدولة الجنوب ! وهو ابلغ تعبير على ان هذا الشعب يعلم تماما أين يسير بثورته والى أين وصلت اليوم .

  اليوم وبخلاف الأمس البغيض… لدينا الآلاف من القوات المسلحة ورجال الشرطة يتواجدون في الساحة .. يطوقونها من جميع الاتجاهات … يضربون باقدامهم على أرضيتها الصلبة بقوة النظام وانضباط العسكرية , لكنهم في هذه المرة وعلى غير العادة … ” منا وفينا ” .. إخواننا … أبنائنا .. وصلوا إلى الساحة ليشاركونا الفرحة , وليبادلونا البسمة ولينشروا الطمأنينة والسلام فيما بيننا وليحمونا من أولئك الذين لا تليق لهم مثل هذه المناسبات , ولا مثل هذه الحشود , وممن لا يريدون خيرا للجنوب … فشتان ما بين الأمس واليوم …!!

      شتان ما بين هذا الجندي الجنوبي المحب الرائع .. وذاك الذي كان يأتي الينا بالأمس …  ” جندي الاحتلال ” الذي كان يكلف من قبل مرؤوسيه  بالذهاب إلى الساحة وهو محملا بالحقد والكراهية والبغضاء لكل ما هو جنوبي يسير على الأرض … ذلك الجندي الذي كان يأتي الينا وهو محملا أيضا بحمولة أخرى من العتاد والسلاح والذخيرة التي تنسجم مع ” مشاعره المريضة ” لتصنع الموت وتنشره في الساحة بقتل الأبرياء الأحرار وتمزيق أجسادهم , وللتنغيص عليهم , وسرقة فرحتهم وتحويلها في لحظات جنون وحقد إلى مآسي وأحزان … هكذا كان هو الحال وشتان مابين جندي اليوم وجندي الأمس !! فمن منا بالله عليكم كان يتوقع ان يحدث كل هذا , وبمثل هذه السرعة وفي مثل هذه الظروف ؟!! … لا أحد طبعا .

         بالأمس ..  كانت الجماهير الغفيرة تتقاطر على الساحة من كل حدب وصوب , وكانت تخترق كل النقاط والأطواق الأمنية التي كانت تفرضها قوات الاحتلال على مداخل الساحة , وكانت تتسرب إلى الميدان كما يتسرب الماء من بين أصابع اليد الواحدة , وفي أحيانا كثيرة كانت تقتحم الساحات بإرادة فولاذية وشجاعة نادرة وتدفع الثمن غاليا , وكانت تدرك من عند آخرها ان حضورها يشكل حالة خطر على كل فرد , وان كل شخص يمثل في إي لحظة ” مشروع شهيد ” … ومع ذلك كانت الساحات تكتظ عن بكرة أبيها تعبيرا عن إرادة امة لا تنكسر ولا تنثني الا لله .واليوم – وبفضل الله – هاهي نفس الحشود الغفيرة تدخل ذات الساحة المجيدة ومن جميع الاتجاهات برعاية أبناء الجنوب وتحت حراستهم وإشرافهم وحمايتهم .

    اليوم … تأتي مناسبة 30 نوفمبر 2015 م .. وقد اختلط ترابنا الوطني بدماء عربية أصيلة أتت إلى بلادنا لتقاتل إلى جانبنا ! .. اليوم ترفع في ساحة الحرية بخور مكسر صور عديدة ل ” شهداء ” من دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة .. شهداء شاءت الأقدار ان يسقطوا على ارض الجنوب جنبا إلى جنب مع إخوانهم من افراد المقاومة الجنوبية ,  فمن كان يتخيل على سبيل المثال ان ترفع في الساحة في يوم من الأيام صور شهداء لدولة عربية استشهدوا على ارض الجنوب العربي كما حدث اليوم ؟!! .. هؤلاء الشهداء الإماراتيين سيبقون على مر الزمن بمثابة الجسر الذي لا ينكسر مابين شعبنا وشعب الإمارات العربية المتحدة الشقيقة .. هؤلاء الشهداء سيبقون رمزا ل” الوفاء ” الذي يستوجب علينا تسديده ورده في أجمل ما يكون رد الدين ومبادلة الوفاء بالوفاء .

    ان أول عربون للوفاء يستوجب علينا تسديده وتقديمه بدون تردد هو بناء تمثال ل ” الجندي المجهول ” الإماراتي إلى جانب تمثال آخر ” للجندي المجهول ” الجنوبي في ساحة الحرية بخور مكسر , وهو عمل يمثل قطرة من بحر وفاء يستوجب علينا العمل على إثباته وتسجيل حضوره … وستمثل هذه الرمزية الوطنية أول لبنات البناء لعلاقة ” إستراتيجية ” وثيقة في المستقبل من شأنها تحقيق مكاسب كبيرة على مختلف الأصعدة فيما بيننا وبين دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة.