fbpx
كيف يمكن ادماج اليمن في مجلس التعاون الخليجي !

د . قاسم المحبشي
ربما أدركت دول مجلس التعاون مؤخراً ان ترك اليمن خارج إطار المجلس بات اليوم يحمل الكثير من التحديات والأخطار المحدقة بأمن الجزيرة العربية تحديدا وسلامة المنطقة العربية عامة اذ ان الصراع الراهن في المنطقة العربية لم يعد صراعا بين أقطار الدول العربية كما كان في زمن الحرب الباردة بل يكتسب ابعاد إقليمية ودولية بصورة متزايدة اذ أضحى التهديد الإيراني بطموحه الإمبراطوري مثله مثل الوجود الصهيوني يهدد العالم العربي بجميع أقطاره منفردة ومجتمعه بما تعانيه من هشاشة سياسية وأزمات بنيوية عميقة وخطيرة بحيث بات معظمها خارج عن الجاهزية والقدرة على الفعل والفعالية ولا يخفى على احد مصير العراق وسوريا ليبيا والصومال واليمن ولبنان ودور ايران في الإيقاع بها في احضان الهيمنة الإيرانية الطائفية الثارية بطموحها الإمبراطوري ، ولا شك ان ما يحدث في اليمن اليوم هو جزء من هذه اللعبة ورهاناتها الاستراتيجية اذ عملت ايران منذ وقت طويل على تفعيل وتنمية البعد الطائفي الاثناعشري في المذهب الزيدي اليمني اكثر المذاهب الشيعية قربا الو السنة مذهب أغلبية سكان دول الجزيرة العربية وأكثرها اندماجا معها ، اذ لم تشهد اليمن في تاريخها القديم حروب طائفية بالمعنى الحقيقي للكلمة كما تريد لها دولة ولاية الفقيه اليوم بعد ان أججته في كل مكان من بلاد العرب والإسلام . اعتقد ان ملف اليمن وأزمته الراهنة هو اكثر تعقيدا مما قد يتصوره البعض مما يتعين على دول مجلس التعاون الخليجي ان إرادة دمج اليمن في المجلس بوصف هذه الدمج هو خير الضرورة ولابد مما ليس منه بد ! اذ كما يلوح بالأفق لا توجد خيارات بديلة فأما ان يدمج اليمن بشقيه جنوبا وشمالا في البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية الخليجية وأما ان يترك لقمة سائغة لفم ايران الشره ! وإذا كان لابد من اعادة إدماج اليمن في محيطه الجغرافي والاجتماعي والسياسي والثقافي الخليجي بحكم الضرورة الحيوية التي ينطوي عليها هذا الإدماج الملح
فان السؤال الذي ينتصب الان هو كيف يمكن ان يتم هذا الادماجه والاندماج ؟
لا سيما بعد الحرب الراهنة التي كشفت لدول مجلس التعاون الخليجي الكثير من الحقائق عن اليمن لطالما وغضت النظر عنها في الماضي اذ تبين اليوم ان النظرة الى اليمن بوصفه كتلة متجانسة هي نظرة خاطئة ويصعب البناء عليها بالمستقبل اذ اثبتت الأحداث ان ثمة اختلافات نوعية بين الجنوب والشمال اختلافات جغرافية وسياسية واجتماعية وثقافية ودينية وربما ستكشف وقائع الحرب المستمرة ان الشمال التقليدي ليس كتلة متجانسة أيضأ ، اذ تبين للقاصي والداني ان الجنوب المطل على شواطئ بحر العرب والمحيط الهندي هو اكثر قربا الى الخليج وأسهل اندماجا معه
وليس هناك شيء أفضل من الحروب والمقاومة للكشف عن الحقائق المجتمعية والثقافية للناس التي قد تختفي في أزمنة السلم والاستقرار
فالحروب تجلي الشعوب كما تجلي النار المعادن ، وقد اثبتت الحرب اليمنية الأخير ان الاختلاف بين الجنوب والشمال هو أوسع بكثير مما كنا نعتقده اذ تبين ان معظم جنود مليشيات الحوثي وعفاش القادمين من الشمال ينتمون الى المحافظات الشمالية التقليدية ومعظم أفراد المقاومة في المحافظات الجنوبية ينتمون الى الجنوب ولم تسجل حالة واحدة قاتل فيها شماليين مع الجنوبيين في تحرير الضالع وعدن ولحج وأبين وشبوة .
فضلا عن ان معظم النازحين من المحافظات الجنوبية فضلوا النزوح الى جيبوتي وحضرموت ودول الخليج وحتى الصين على ان ينزحوا الى محافظات الشمال القريبة منهم ! وليس في ذلك اي تعصب او تمييز من اي نوع كان بل تلك حقائق متمخضة من ارض المعركة وفي سياقها العفوي الطبيعي بدون تدخل او توجيه من احد هكذا علينا الإقرار بان المسألة ليست عاطفية او أيديولوجية علينا الإقرار بالوقائع المتحصلة بعيدا عن ترهات شعارات الشرعية والمقاومة الشعبية او الجنوبية والجيش الوطني والوحدة والانفصال .. الخ واعتقد ان دول مجلس التعاون الخليجي تحتاج الى وقت أطول حتى تعرف اليمن كما هو في الواقع وليس كما تحب ان تراه ، الصراع في اليمن الشمالي التقليدي هو صراع على السلطة والهيمنة بين تلك القوى التقليدية المهيمنة في شمال الشمال منذ أكثر من الف عام الإمام والقبيلة والعسكر والعامل الاقتصادي هو الدينامو المحرك لهذا الصراع الدائم بين مناطق الشمال الجبلية القبلية القاحلة ومناطق اليمن الأوسط وتهامه البحرية الخصيبة ومازالت دول التحالف العربية المساندة للشرعية اليمنية في حيرة من أمرها بشأن وضع المقاومة الشعبية في صنعاء وعمران وصعدة وذمار وغيرها من المحافظات الشمالية التي تشكل حاضنة اجتماعية ودينية تقليدية للمليشيات الحوثية النابعة منها
أتصور ان امر تحرير صنعاء والشمال بات اكثر تعقيدا من تحرير عدن والجنوب ولكن من المهم ان تحزم دول مجلس التعاون الخليجي أمرها في التعامل مع الجنوب المحرر بوصفه منطقة قابلة للإدماج والاندماج وهذا لن يتم الا بإعادة بناء مؤسساته الخدمية والإنتاجية بما يجعله نموذجا إيجابيا حيا ًملموسا لتحفيز المقاومة الشعبية في الشمال لقتال المليشيات الحوثية والانقلابية وتحرير المحافظات التي مازلت تدين بولائها للحوثي وصالح ، والناس يحتاجون الى مثل عليا للسلوك اكثر من حاجتهم الى المواعظ والضربات !
اذ لم يرى المنتصرون ثمار تضحياتهم وانتصارهم فلن يكون التضحية والانتصار معنى ، ولا قيمة لتحرير المدن من مليشيات الحوثي وعفاش اذا لم يتم تأمينها وإعادة الحياة الطبيعية اليها وأحداث فرقا محسوسا بين ما كانت عليه قبل التحرير وبعدها وجعل الآخرين المتخاذلين يرون ويشعرون بهذا الفرق الإيجابي بأنفسهم ويتشوقون للحصول عليه فان الحرب سوف تطول وكأنك بأزيد ما غزيت !
وربما كان على دولة مجلس التعاون ان تتعامل مع الأزمة اليمنية بموقف استراتيجي موحد ومسؤول وان تكف عن التعامل المنفرد لدولها مع شراذم من القوى اليمنية التقليدية كالاصلاح والمؤتمر والحوثيين والمشائخ والحراك والاسلاميين وغيرهم !
اليمن يحتاج فعلا الى اعادة أمل حقيقة وانتشاله من براثن الجوع والفقر والفساد والظلام والعنف والجريمة والشتات ويحتاج الى من يأخذ بيده صوب المستقبل والفرصة باتت اليوم سانحة لجعل اليمن بجنوبه الواسع حزام أمن للجزيرة العربية واستناس شماله المتوحش بما يجعله اكثر أمن وامانا واستقرارا والمثل الحضرمي يقول : أعط المجنون قرصه يعقل !والله وراء القصد