fbpx
اليمن يستعد لعهد جديد
شارك الخبر

يافع نيوز / الخليج الاماراتيه

صنعاء – صادق ناشر

أيام قليلة تفصل اليمنيين عن كتابة تاريخ جديد في بلادهم، فبعد عام من اندلاع احتجاجاتهم، وفي مقدمتهم الشباب الذين ملأوا ساحات التغيير في معظم مناطق البلاد، للمطالبة بإسقاط النظام ورحيل الرئيس علي عبدالله صالح، تطوى في الحادي والعشرين من شهر فبراير/ شباط الجاري صفحة قديمة ومتآكلة من صفحات الحكم في اليمن، وإن كانت لا تزال بقاياها حاضرة، تتمثل في عهد الرئيس علي عبدالله صالح، الذي حكم البلاد لأكثر من 33 سنة، وحان الوقت لكتابة عهد جديد، تمتزج فيه الأماني بغد أفضل بالتحديات التي لا تنتهي .سيكون يوم الثلاثاء المقبل محطة فاصلة واستثنائية في حياة اليمنيين، وهو تعبير أكده نائب الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي، الذي سيخلف الرئيس صالح، عندما قال إن اختياره رئيساً جديداً لليمن عن طريق انتخابات غير تنافسية لا يعني سوى أن “الظرف استثنائي والوضع استثنائي والوقت استثنائي” في إشارة إلى أن مدة بقائه في السلطة لن تزيد على عامين، بحسب بنود المبادرة الخليجية، التي وقعت عليها كافة الأطراف السياسية الفاعلة في البلاد في الثالث والعشرين من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي في العاصمة السعودية الرياض .
بوابة عبور آمنة
يحلو لكثير من السياسيين، بخاصة من هم في السلطة التأكيد على الانتخابات المقبلة، وإن كانت ليست تنافسية، هي بمثابة بوابة عبور آمنة للمستقبل، خاصة أن الأوضاع القائمة في البلاد لا تزال تحت مؤشر الخطر، فالأوضاع لا تزال هشة، والكثير من المراقبين يرون أن الاتفاقية الموقعة بين الأطراف السياسية يمكن أن تنهار في أي لحظة، ما لم يصل الجميع إلى اللحظة الحاسمة في العملية السياسية برمتها من دون مشكلات، أي نقل السلطة بشكل آمن من الرئيس صالح إلى نائبه عبدربه منصور هادي .ويحرص طرفا الأزمة على التأكيد على مواقفهما من الانتخابات، فكل منهما لا يريد أن يظهر أنه رافض لها، ويجاهد من أجل إظهار الطرف الآخر بأنه من يسعى ويخطط لإفشال الانتخابات وعرقلتها، يعزز ذلك الأجواء المشحونة في معسكر كل طرف والشعور أن الرهان على صندوق الاقتراع ليس سوى مناورة حيث يتحين كل منهما الفرصة للانقضاض على الآخر .
مكمن هذا الشعور أن الطرفين يشعران أنهما لم يحققا ما يريدان طوال عام من الأزمة، فمعسكر النظام، الذي يتزعمه الرئيس صالح والقوى العسكرية والقبلية والسياسية الموالية له، يشعر أن المبادرة الخليجية كبلّته، وجعلته غير قادر على الاستمرار في السيناريو الذي كان مرسوماً للخروج من الأزمة والمتمثل في إنهاك الخصوم وتوسيع دائرة الحرب والمواجهات المسلحة، سواء في العاصمة صنعاء أو بقية مناطق البلاد، بخاصة المناطق المحيطة بصنعاء مثل أرحب ونهم وبني جرموز وتعز المحافظة، خاصة في ظل شعوره بالتفوق العسكري .
ويشعر هذا المعسكر أنه خاسر أكثر من الطرف الآخر، لأن التسوية أفضت في نهاية الأمر إلى خروج الرئيس صالح من الحسابات السياسية، وخاصة الرئاسية منها، بقطع النظر عن طريقة الخروج، وإن كان أنصاره يصورون الأمر وكأنه خرج بقناعته وليس بضغط من الطرف الآخر، وأن الأمر كله خسارة للطرف المقابل الذي لم يستطع أن يحدث التغيير عن طريق الانقلاب .
وتبدو حسابات معسكر صالح منطقية إذا ما تم قراءتها من زاوية التخلي عن السلطة عن طريق صناديق الاقتراع، وإن كانت الانتخابات شكلية، ويرى أنصاره أن صالح سلم السلطة إلى “أياد أمينة”، وهي الأيدي التي ظل يبحث عنها صالح طوال فترة الأزمة، والأيدي الأمينة هي نائبه عبدربه منصور هادي، الذي يعتبره أنصار صالح “امتداداً لنهج الرئيس”، وأنه يحوز على منصب نائب رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي سيديره صالح بعد الانتخابات الرئاسية، حسب تصريحات أدلى بها قبل مغادرته إلى الولايات المتحدة الأمريكية للعلاج في وقت سابقة من الشهر الجاري، وبالتالي فإن الحكم “انتقل من صالح إلى صالح” .
ولم يرد الرئيس صالح أن يسلم الراية بسهولة؛ فقد أثار الجدل خلال الأيام التي سبقت سفره إلى الولايات المتحدة وما بعده، وفي آخر رسالة يوجهها إلى أنصاره على شكل افتتاحية كتبها في صحيفة “الميثاق” الناطقة باسم حزب المؤتمر الاثنين الماضي أكد أن خروجه ليس خوفاً أو جبناً، بل حرص على تجنيب البلد الخراب والدمار .
كعادته يقول صالح في نبرة تحد إن “الرئيس تخلى عن حقه الدستوري طواعية وقدم العديد من التنازلات لا خوفاً ولا جبناً فالجميع يعرف من هو علي عبدالله صالح صغيراً وكبيراً، ولكن حرصاً منه على عدم إراقة الدم اليمني دعا إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة يقوم فيها كل أبناء الوطن بالتكاتف والتآزر والتوحد لممارسه حقهم الدستوري في انتخاب رئيس للجمهورية” .تبدو هذه المواقف مريحة لأنصار صالح ومحفزة لهم لترتيب أوضاعهم في ظل شعور أنهم محاصرون من أطراف عدة داخلية وخارجية، فالكثير من المراقبين يعتقدون أن انهياراً كبيراً لحزب المؤتمر وأنصار صالح سيحدث بعد الانتخابات، لكن صالح يريد أن يبقى أنصاره متماسكين، حتى يكونوا قادرين على لعب دور سياسي هام في اللعبة الديمقراطية المقبلة، خاصة أنه خلال العامين المقبلين، وهي مدة رئاسة هادي، ستشهد البلاد حوارات سياسية عميقة تطال البنية السياسية للدولة وهويتها القادمة، وستكون هناك إعادة نظر في موقع كل طرف في الخارطة السياسية وإعادة ترتيب أولويات المرحلة المقبلة، سواء كانت عبر الانتخابات التشريعية والرئاسية أو وضع البلاد العام والمخاطر التي تحدق بها، ولا يريد صالح أن تضيع السنوات ال 33 التي ظل فيها في الحكم هباء ويخرج وأنصاره من دون أي مكاسب من وراء التسوية السياسية التي قبلوا بها . ما الطرف الآخر فيشعر أنه لم يحقق أهداف الثورة التي ظل الشباب وقسم كبير من أنصار الأحزاب السياسية في الشوارع للمطالبة بتحقيقها، وأبرزها إسقاط الرئيس صالح بالفعل الثوري لا عن طريق التسويات السياسية .صحيح أن التسوية حملت أهم مطلب للثوار، والمتمثل برحيل الرئيس صالح عن الحكم بعد الحادي والعشرين من الشهر الجاري، إلا أن التسوية برأيهم ساوت بين “الضحية والجلاد”، ويشعر شباب الثورة أن دماء الضحايا التي سفكت على أرصفة شوارع صنعاء، عدن، تعز، أبين، أرحب، نهم، الحديدة وإب وغيرها من مناطق البلاد التي وقعت فيها مواجهات خلال عام من اندلاع الاحتجاجات لم تجد من ينتصر لها، لذلك يعتقد الكثير من شباب الساحات أن التسوية السياسية أبقت على “نصف ثورة” والتهمت النصف الثاني .
وطوال فترة ما بعد التوقيع على المبادرة الخليجية، ظلت ساحات التغيير تمور بالمواقف المختلفة، بين مؤيد ومتحفظ ومعارض للتسوية التي تم التوصل إليها بين فرقاء الحياة السياسية، فالشباب لديهم قناعة بأنه “غّدر بثورتهم”، فيما يرى السياسيون أن هذه التسوية كانت أقصى ما يمكن التوصل إليه بعد الوساطات الإقليمية والدولية التي ضغطت على الجميع للقبول به، ويؤكدون أن دون هذا الحل، أي الحل السياسي، هو الحرب الأهلية التي كانت بدأت تلوح في الأفق، خاصة بعد الهجوم على جامع دار الرئاسة في الثالث من شهر يونيو/حزيران الماضي، أثناء ما كان الرئيس صالح يؤدي صلاة الجمعة .
عنق الزجاجة
على الرغم من أن مسار التسوية يبدو قائماً اليوم، فإن هناك خطوات كبيرة لكبح الحلول العسكرية، بفعل ضغوط رعاة المبادرة الخليجية، الذين انتزعوا قراراً من مجلس الأمن الدولي يحمل الرقم ،2014 والذي يعتبره الكثير من المراقبين بمثابة “وصاية على اليمن”، لأنه فوّض رعاة المبادرة بالتعاطي مع من يقاوم تنفيذ المبادرة الخليجية واعتباره طرفاً إرهابياً .
الأهم لدى صانعي القرار الدولي أن البلد يخرج من “عنق الزجاجة الضيق” بواسطة الانتخابات، حتى وإن كانت غير تنافسية، على أن يبدأ الرئيس الجديد تنفيذ بقية بنود المبادرة، في وقت زمني محدد بعامين، وتتمثل في الدعوة لإجراء حوار وطني شامل لا يستثني أحداً، وليس فيه خطوط حمر، كما أكد على ذلك نائب الرئيس عبدربه منصور هادي، في الكلمة التي ألقاها عند تدشين حملته الانتخابية الأسبوع الماضي، وخص بالذكر الوضع في الجنوب مع الداعين للانفصال عن دولة الوحدة والوضع في الشمال، مع الحوثيين، الذين خاضوا ست حروب مع النظام امتدت من العام 2004 وحتى العام الماضي .ومن أهم القضايا التي لابد من بحثها خلال هذه العامين إعادة هيكلة الجيش الذي انقسم بين مؤيد للثورة وحام للنظام القائم الذي يمثله الرئيس صالح، وهذه النقطة تعد واحدة من المشكلات التي قد يواجهها الوسطاء نظراً لحجم التعقيدات التي تكتنف هذا الملف، في ظل إصرار كل طرف على الاحتفاظ بالوحدات التي حاربت معه، ولعل حديث نائب قائد الحرس الجمهوري من أن قائد الحرس وهو نجل الرئيس صالح سيبقى في منصبه، حتى بعد إعادة هيكلة الجيش وإصرار الطرف الآخر على بقاء اللواء علي محسن الأحمر في قيادة الفرقة الأولى مدرع، دليل واضح على حجم هذه التعقيدات .في الشأن السياسي فإن صياغة هوية الدولة الجديدة، ما إذا كانت ستبقى مركزية أو ستتحول إلى دولة اتحادية لا مركزية بأقاليم مختلفة، بالإضافة إلى هوية النظام رئاسياً كان أم برلمانياً، ستكون قنبلة موقوتة في ظل الاختلاف الكبير على هذه القضية، خاصة أن الكثير من القوى السياسية ينظر إلى فكرة “فدرلة البلد” وكأنها بمثابة انفصال حقيقي على الأرض ونجاح لمشروع تفتيت الدولة اليمنية .
أما المهمة الأكبر التي تواجه السلطة القادمة للخروج من “عنق الزجاجة” فتتمثل في تغيير الأوضاع الاقتصادية للمواطنين، فبدون هذه الحلول ستبدو أي تحركات عديمة الفائدة، فالمواطن اليمني صار يواجه شبح المجاعة والجفاف، والبنية التحتية ضربت بالكامل، والبلد يعيش تحت الصفر في كل شيء تقريباً، الكهرباء، المياه، الخدمات العامة، وفوق كل ذلك صراعات مجتمعية تتنامى مع كل تأخير في إيجاد الحلول الاقتصادية والسياسية .
ويبدو الرهان على تدفق المساعدات من الدول الراعية للمبادرة الخليجية، سواء من الدول الإقليمية، أي دول مجلس التعاون الخليجي أو الولايات المتحدة والأوروبيين، لإعادة التوازن الحقيقي لما جرى تدميره خلال الحرب هو الأمل الوحيد الذي تعلقه حكومة الوفاق الوطني والمواطن البسيط، فإذا تحرك العامل الاقتصادي مهد الطريق أمام السلطات الجديدة لترتيب أولوياتها بدون ضغوطات كبيرة، أما إذا استمرت هذه الأوضاع على حالها فإنها ستجد نفسها تغرق مع الناس في دوامة من الفوضى والانهيار الكامل للدولة .
بوصلة الجنوب والشمال
حتى الوصول إلى يوم الانتخابات ستواجه السلطات القائمة، الممثلة بنائب الرئيس الحالي والمرشح التوافقي للانتخابات الرئاسية عبدربه منصور هادي وحكومة الوفاق الوطني الكثير من التحديات، ويكفي النظر إلى ما يعتمل في المحافظات الجنوبية من تحريض لتيارات في الحراك الجنوبي لرفض الانتخابات لمعرفة أمزجة الناس في التعامل مع هذا الاستحقاق الديمقراطي الهام في تأريخ البلاد لإخراجها مما هي عليه اليوم .من الواضح أن هناك تيارات في الحراك الجنوبي، على رأسه نائب الرئيس السابق علي سالم البيض والرئيس السابق علي ناصر محمد ورئيس الوزراء حيدر أبوبكر العطاس، ترفض إجراء الانتخابات في الجنوب قبل حل القضية الجنوبية، ويرى أحدها أن السماح بإجراء الانتخابات يعد بمثابة “شرعنة للاحتلال”، بحسب ما أفصح به البيض الذي يتجول في المنطقة لحشد الدعم للانفصال أو ما يطلق عليه “فك الارتباط” بين دولتي الشمال والجنوب .
أما العطاس وناصر فإنهما يدعوان إلى التحاور حول القضية الجنوبية وحلها قبل الدخول في لعبة الانتخابات، ويرى التيار الذي يتزعمانه أن الحل على قاعدة دولة واحدة بإقليمين (شمال وجنوب) في أول خطوة ومن ثم إفساح المجال للجنوبيين للاستفتاء على البقاء في دولة الوحدة أو الانفصال، هو الحل الأفضل لقضية الجنوب .
خطورة الوضع في الجنوب أنه يفتح المجال للفوضى في كل أرجائه، ما يترك المجال لتمدد تنظيم القاعدة الذي سيجد في هذه الأوضاع فرصته لتعزيز وضعه، وبالتالي “تعقيد الحل” عوضاً عن تبسيطه، ولعل ما جرى في مدينة عدن والضالع كإحراق ساحة شباب الثورة في عدن ومهاجمة اللجان الانتخابية في الضالع دليل على التعقيدات الجدية التي ستواجهها السلطة في الوقت الحاضر قبل انطلاق الحوار الوطني وحتى قبل إجراء الانتخابات التي ستقود إلى الحوار .
أما في الشمال فإن الحوثيين يعلنون صراحة رفضهم للانتخابات باعتبارها نتاجاً للمبادرة الخليجية المرفوضة من قبلهم، التي يعتبرونها قطعت الطريق على التغيير الثوري بإرادة الناس الذين خرجوا إلى الساحات من أجل التغيير لا من أجل التسوية السياسية التي أفضت إليها الثورة، إلا أنهم أبدوا ليونة في الأيام الأخيرة عندما أكدوا أنهم لن يمنعوا من يرغب في التوجه إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم مع الاحتفاظ بحقهم في رفض الانتخابات .

بوصلة الجنوب والشمال مؤشر مهم على التحديات التي تواجه وستواجه القيادة الجديدة بعد الانتخابات المقبلة، وربما يساعد على تحريك ملف الجنوب أن المرشح للانتخابات الحالية، وهو عبدربه منصور هادي ينتمي إلى المناطق الجنوبية، حيث أبقى على خط ساخن مع علي ناصر، وهو من منطقته في أبين، وحيدر العطاس، المنتمي إلى محافظة حضرموت، من أجل تهدئة الأجواء لإجراء الانتخابات بشكل هادئ حتى لا تتعرض شرعية الرجل إلى خدوش، على الرغم من أن هناك جمهوراً كبيراً في الجنوب لا يزال متمسكاً بخيار الوحدة وبحل القضية الجنوبية معاً، وهذا التيار يتواجد حتى في الأحزاب السياسية، مثل الحزب الاشتراكي اليمني والتجمع اليمني للإصلاح، وهما أكبر حزبين ومعهما المؤتمر الشعبي العام تواجداً في المناطق الجنوبية من البلاد .
ويرى مراقبون أن نجاح السلطة في تهدئة خواطر الجنوبيين، سيفتح الباب واسعاً لمناقشة القضية الجنوبية بقلب مفتوح وبدون ضغوط أو مواقف انتقامية، ما سيتيح المجال لإيجاد حلول ترضي الجنوبيين الذين تم تهميش مشاركتهم في صناعة القرار داخل إطار دولة الوحدة منذ تحقيقها العام ،1990 ويؤكدون أن الحراك السلمي الذي خرج للمطالبة بإسقاط النظام قد بدأت تباشيره تتحقق وسيكون الجنوبيون على موعد حقيقي معه في الحادي والعشرين من الشهر الجاري، والأهم هو أن يشاركوا في الحوار الوطني لصنع تأريخ بلد لم يعد يحتمل التشرذم أكثر، فالحلول الأحادية لن تجلب للبلد سوى الدمار والخراب، ولن يعود الجنوب كما كان قبل الوحدة ولا الشمال شمالاً.

أخبار ذات صله