fbpx
الطريق الشائك للحوار الوطني (2)

الطريق الشائك للحوار الوطني (2)
د.عيدروس النقيب

إن الحوار الذي نحن بصدده ليس ذلك الحوار التقليدي الذي كان يأتي له المتحاورون وهم مزودون بمجموعة من النوايا المسبقة ثم يتفاوضون ويحاول البعض استدراج أو استغفال الآخر وتوريطه في مفردات لفظية قابلة للتأويل بما يؤدي إلى المعنى وإلى نقيضه وكل ما بينهما من المعاني المطاطة، بحيث تتحول هذه المفردات نفسها إلى معضلات تتطلب حوارا جديدا، وهكذا دوليك،  ولذلك فإن أهم ما ينبغي على المتحاورين: داعين ومدعوين، أن يأتوا وفي رؤوسهم أولا وأخيرا الهم الوطني الأكبر الذي قد يستدعي منهم جميعا التنازل عن كل شيء بما في ذلك بل وفي مقدمة ذلك قناعاتهم، المسبقة، وبالطبع المصالح التي راكموها على مدى العقود ما كان منها مشروعا أو غير مشروع.

لقد تابعنا كيف سارت الجلسة الافتتاحة للقاء بالشباب عندما انقسم الحاضرون بين مؤيدين للثورة الشبابية وهم صف الثوار والثائرات، ورافضين لها، وهم أنصار الرئيس المخلوع، الذين أيد بعضهم القتل والسحل والقمع الذي تعرض له الثوار والثائرات،. . . وهذا الأمر كان يمكن تجاوزه من خلال عقد لقاءات مكثفة وإجراء نقاشات معمقة مع كل فريق على حدة للوصول إلى مستوى من التقارب يمكن الشباب من أن يكونوا شركاء حقيقيين في مشروع قادم وليس الجمع بين طرفين متخاصمين في جلسة احتفالية قبل توطين روح الحوار وردم الفجوات التي صنعتها  السياسات غير الرشيدة لنظام ظل يعيش على صناعة التناقضات وتوطين العداوات وتعميق الصراعات وتغذية الانقسامات.

إن عملية الحوار تختلف عن المهرجانات التي ينبغي أن يحضرها كل من شاء، لأن الحوار الحقيقي المنتظر يتطلب أولا وأخيرا، تصنيف القضايا والجلوس مع المعنيين بكل قضية، فمن غير المقبول ولا المعقول أن تناقش قضايا تحقيق أهداف الثورة الشبابية مع أنصار الرئيس المخلوع، . . .نحن هنا لا نتحدث عن استبعاد هؤلاء (أقصد أنصار الرئيس المخلوع من الشباب) من العملية الحوارية ما لم يعلنوا رفضهم للحوار وللتغيير الذي من أجله قامت الثورة، بل من المهم والضروري إشراكهم في الحوار، وذلك من أجل أن يكونوا جزءا من التغيير لا عامل إعاقة له، لكنه كان من الصواب ما عبرت عنه ممثلة شباب الثورة، عندما قالت كيف يتحاور القاتل والمقتول، كيف يتحاور الضحية والجلاد، وهو ما أغضب ممثلي القاتل الجلاد وراحوا يكيلون السباب والشتائم لممثلي شباب الثورة.

ومن هنا تأتي أهمية الجلوس مع الفئات والنخب والشرائح وفقا لنوع القضايا وإنضاج الأفكار التي يمكن أن تؤدي إلى حالة من التوافق الوطني من أجل تحقيق أهداف الثورة.

لقضية الجنوبية في إطار الحوار الوطني:

لست هنا بحاجة إلى استعراض موضوع ومضمون القضية الجنوبية وتعقيداتها، فهذا قد تناولناه مرارا، لكن السؤال المحوري هنا هو كيفية التحاور بشأن هذه القضية وما ترتيبها في الأهمية مقارنة مع بقية القضايا المطروحة للنقاش والحوار، وهنا لا بد من الإشارة إلى مجموعة من الحقائق والبديهيهات التي لا بد من الإقرار بها كمدخل للحوار بشأن هذه القضية وأهمها:

*   إن القضية الجنوبية ترتبط بمظلومية تعود ليس إلى حرب 1994م، بل إلى مراحل سابقة لكن جذرها الأساسي يكمن في شكل الوحدة التي جرت الهرولة إليها بدوافع عاطفية لم تطرح أية احتمالات للفشل، وما الحرب إلى نتيجة طبيعية لتلك العملية العشوائية التي تناسلت منها مئات السياسات العشوائية، في بناء منظومة الحكم وفي التشريعات المقرة، وفي طريقة معالجة الأزمة وفي إعلان الانفصال وفي طريقة التعامل مع نتائج الحرب، والتي ما تزال مستمرة حتى اليوم.

*   لقد اعترفت أغلب القوى السياسية بعدالة القضية بل لقد راح شركاء حرب 1994م يتبادلون الاتهامات بشأن من جنى على الجنوب، وهو ما يمثل اعترافا مشتركا من الجناة في حق الجنوب، اليوم لم يعد مهما الإقرار بعدالة القضية من عدمه، بل إن على من يقر بعدالة ومشروعية هذه القضية أن يبرهن ذلك الإقرار بإعادة كل ما أخذه من الجنوب، من أراضي ومنشآت وأصول ووكالات تجارية ومنهوبات عينية، وأملاك أفراد أو مؤسسات اقتصادية، وقبل هذا الاعتذار عن كل ما ارتكب بحق الجنوب، والأهم من هذا أن يحترم خيارات الشعب في الجنوب، وينصت إلى مطالبه.

*   إن هذا الإقرار يقتضي الإقرار العملي بحق الجنوبيين في تحديد الخيار الذي يريدونه، ولا بد من الاعتراف أنه لم يعد ممكنا استمرار لا وحدة 22 مايو ولا وحدة 94م لكننا إذ نقر بحق المواطنين الجنوبيين في تحديد الخيار الذي يرونه مناسبا لهم، لا بد أيضا من الإقرار بأنه لا يحق لأحد أن يمتطي المنصة أو يظهر من الشاشة ليقول أنا الشعب الجنوبي وأنا قد اخترت وهذا هو الخيار النهائي، إذا لا بد من الاتفاق على آلية معينة يمكن من خلالها التأكيد أن هذا الخيار أو ذاك هو خيار الشعب في الجنوب أو لنقل خيار الغالبية العظمة من هذا الشعب بدون ذلك سيظل كل ادعاء بتمثيل شعب الجنوب هو ادعاء غير مشروع.

*   إن مناقشة القضية الجنوبية يجب أن تتخذ المساحة والوزن الذي يتناسب مع طبيعتها وتعقيداتها، وإذ أجد نفسي منحازا إلى الحوار الوطني على صعيد الوطن اليمني ككل، فإنه لا بد من الإقرار بحق الجنوبيين في حوار أولي بين طرف السلطة  وبين من يمثل القوى السياسية الجنوبية وفي مقدمتها فصائل الحراك السلمي الجنوبي، واعتبار هذا شرط ضروري لشراكة القوى السياسية الجنوبية في الحوار الوطني، وهو ما يقتضي أولا الإسراع بالدعوة إلى حوار جنوبي ـ جنوبي يحسم موضوع تمثيل الجنوب، لأن إصرار البعض على إنه الممثل الشرعي والوحيد للجنوب، هو أشبه بالعمل التعجيزي أو بوضع العصي في دواليب الحوار، ولأن من لا يقر بشركائه الجنوبيين لا يمكن أن ننتظر منه عملا مثمرا مع من سواهم، . . . إذا لا بد للحوار الجنوبي ـ الجنوبي أن يحسم موضوع تمثيل الجنوب في الحوار مع الطرف الآخر ومن ثم عرض نتائج هذا الحوار على مؤتمر الحوار الوطني الذي سيعقد بحضور شركاء دوليين وإقليميين ضامنين، والذي من غير شك سيخدم القضية الجنوبية.

*   إن الإصرار من قبل بعض الأطراف على رفض الحوار مع السلطة الانتقالية، ورفض الحوار الجنوبي ـ الجنوبي، ورفض التعامل مع الشركاء الدوليين تحت حجة إنه (أي هذا البعض) هو الممثل الشرعي الوحيد للجنوب والجنوبيين إنما يعبر عن أحد احتمالين: إما عدم امتلاك الحجة في تقديم مشروعية القضية الجنوبية، أو الخوف من مواجهة الآخرين والرغبة في ادعاء التفرد ووحدانية المشروعية، هذا إن لم تكمن وراء ذلك رغبة في تعطيل أي إمكانية لحل القضية الجنوبية لأغراض غير مفهومة.

وللحديث بقية

برقيات

*   غضب  البعض من مقال سابق لكاتب هذه السطور عن استمرار القتل في الجنوب، وبرر البعض هذا الغضب، بأن فعاليات الحراك تعطل المصالح وتقلق حياة المواطنين، واتهم هذا البعض فعاليات الحراك بإثارة الشغب والاعتداء على المواطنين وتعطيل مصالحهم، . . .لو صح كل ذلك فإنه لا يبرر اللجوء إلى القتل، . . . الدولة لديها مما يبيح لها الدستور والقانون، ألف وسيلة ووسيلة غير القتل لملاحقة المخلين بالقانون، . . ولكن من أين لنا دولة؟؟

*    استمرار مواجهة الفعاليات السلمية للحراك الجنوبي بالرصاص والقتل يقدم حكومة الوفاق الوطني والرئيس الانتقالي على إنهما لا يختلفان عن نظام علي عبد الله صالح، . . .أخي الرئيس، وأخي رئيس الوزراء، إما أن تتخذا الإجراءات التي تحاسب القتلة وتمنع القتل في الجنوب ، كما في كل اليمن وإلا فأنتما متهمان بقيادة سياسة القتل، والخيار لكما.

*   قال الشاعر الكبير عبد الله البردوني

ماذا يريد؟ المرء ما يشــــــفيهِ؟        يحسو روا الدنـيا ولا يرويه

ويســــير في نور الحـياة وقلبهُ         يــــنساب بين ضلاله والتيهِ

والمرء لا تشـــــــقـيه إلا نفسهُ         حاشى الحـــــياةَ بأنها تشقيهِ

ما أجهل الإنسان يضني بعضهُ        بعضاً ويشكو كلَّ ما يضنيهِ

ويــــــــظن أن عدوه في غيرهِ        وعدوه يضــحي ويمسي فيهِ