fbpx
نحن لا نحكم ولا نسيطر بل ندير إذا من حكم اليمن !!

نحن لا نحكم ولا نسيطر بل ندير  إذا من حكم اليمن !!

د. طارق الحروي

من نافلة القول أن عنوان مقالتي هذه ما هو سوى عبارة مقتطفة من حديث مطول للرئيس السابق على الصالح حفظه الله ورعاه وأدام في عمره كي يرى حلمه قد أصبح حقيقة على يد الرجال المخلصين من شباب الأمة؛ تضمنته وثيقة مهمة منشورة في أول لقاء له بعد الحادث الإرهابي الإجرامي في دار الرئاسة عام 2011م، جمعه بجلالة الملك عبدالله بن عبد العزيز عقب خروجه سالما معافى من المستشفي العسكري  الذي مكث فيه بين الحياة والموت قرابة الثلاثة أشهر، ومما زاد هذا الأمر غرابة لدي كي أجعلها عنوان لمقالتي هو إنها جاءت كي تترجم إلى حد كبير وتلخص حقيقة مهمة من الحقائق الدامغة في تاريخ اليمن المعاصر مفادها أن العناصر النافذة المتحكمة بزمام الأمور في بلادنا إلى حد كبير، هذا إن لم نقل الأكثر أهمية ونفوذا والأشد فتكا ووحشية بماضي وحاضر ومستقبل اليمن دولة وشعبا؛ هي تلك العناصر المنتمية إلى التيار التقليدي وشركائه؛ ممثلة بتلك الرموز العسكرية والقبلية والدينية التي لها شأنها كـ(اللواء على محسن الأحمر، الشيخ المرحوم عبدالله بن حسين الأحمر (صادق الأحمر حاليا)، الشيخ عبد المجيد الزنداني (حميد الأحمر حاليا)…الخ) التي فرضت نفسها بقوة على أتون المعادلة الداخلية الحاكمة للبلاد منذ محاولة الانقلاب الأسود الذي قادته الحركة الناصرية وجناحها المعتدل عام 1978م.

–         سيما أنها جاءت في نفس الوقت الذي انتهيت فيه من وضع اللمسات الأخيرة لواحدة من أهم وأخطر الدراسات (التي هي عبارة عن لقاء خاص أجراه معي أحد الأخوان أخذ عنوان الحركة الناصرية الشريك والضحية….)، التي تناولت فيها بعض أهم وأدق أسرار وخفايا المرحلة الواقعة بين عامي (1974-1978م) وصولا إلى سيناريو تصفية النظام الوطني ورموزه الذي أعددته وأشرفت على تنفيذه القوتين العظميتين وحلفائهما الإقليمين في المنطقة، ونفذته القوى المناهضة والمناوئة لمشروع الدولة المدنية المنتمية للتيار التقليدي المحافظ والمتطرف بالتعاون والتنسيق ومن الشراكة مع الحركة الناصرية في اليمن بأجنحتها المتطرفة والمعتدلة.

–          والذي نجحتُ (الكاتب) من خلالها إلى حد ما في الخروج برؤية جديدة أكثر عمقا وإلماما بطبيعة حقيقة مسار الأحداث الرئيسة الجارية آنذاك احتراما منا لأمتنا وتاريخنا ورموزنا الوطنية وعقولنا، على خلفية تمكني من إعادة قراءة معظم المعطيات الظرفية للبيئتين الداخلية والخارجية البارزة كما أشرت إليه في مقالات سابقة منشورة تحت عناوين (سيناريو تصفية زعماء اليمن 1977-1978م: رؤية في إرهاصات المخطط ألأممي الأمريكي- السوفيتي وحلفائه الإقليميين والمحليين) و(حقيقة الدور التآمري للجناح المتطرف في الحركة الناصرية على مشروع حركة التغيير الوطني لإدارة الرئيس إبراهيم ألحمدي)…..الخ، التي رفضت بعض الجهات الرسمية وغير الرسمية نشرها لحد الآن.  

–          على خلفية أني كنت قد خصصت كل وقتي معتكفا لمدة أربعة أشهر كاملة في فتح واحدا من أخطر وأهم الملفات في تاريخ اليمن المعاصر لا بل والأكثر جدلا وإثارة، الذي يغطي واحدة من أهم المحطات الرئيسة في تاريخ اليمن المعاصر التي مثلتها إدارة الرئيس الشهيد إبراهيم ألحمدي ورفاقه الذين جاءوا بعده (1974- 1978م)، الذي بالرغم من ذلك لم يتعدى هذا الأمر مهمة وضع حجرا مهما نفتتح من خلاله المجال واسعا أمام إمكانية التأسيس لمهمة إعادة قراءة الأحداث الرئيسة ووضعها في مسارها الطبيعي لتجاوز سيل الافتراءات واللا حقائق التي أثقلت كاهلنا من معدومي الضمائر الذين خولوا أنفسهم أوصياء عليها نيابة عن أبناء الأمة في غفلة من الزمن وهي منهم براء إلى يوم الدين، لسببين رئيسين.

–         الأول له علاقة وثيقة الصلة بحاجة الأمة إلى وقفة حقيقية لطي صفحات الماضي في الوقت المناسب لكن بعد أن يأخذ كل ذي حقا حقه من التقييم الجاد والموضوعي- أولا- وأن يتسنى لأبناء الأمة من أخذ الدروس والعبر اللازمة منها، التي أصبحت اليوم بحاجة أكثر من أية وقت مضى من أن تعيد ترتيب مفردات كل حياتها؛ استعدادا منها لولوج مرحلة جديدة من مراحل العمل الوطني- ثانيا- أما السبب الثاني فهو محاولة متواضعة منا ألا يبقى هذا الأمر برمته مجرد حدث عرضي وإرث خاص تدعي بعض العناصر المنتمية للتنظيمات الناصرية امتلاكها له، مما سهل عليها في محطات كثيرة مهمة إعادة بلورة بعض أهم معالمه الرئيسة وتوظيفها بشكل سلبي كيفما تريد ووقتما تريد، تحقيقا منها لمصالح وأهداف بعينها، اتضحت بشكل جلي في إرهاصات العام الماضي والحالي، بحكم أنها كانت ومازالت تعتقد أنها الجهة التي تمتلك الحق بذلك، وليس إن الأمر برمته ما هو سوى إرث خاص بالأمة اليمنية.

–         أما في حال سائل سائلا ما وجه الربط الحقيقي بين هذين الأمرين يا دكتور طارق ؟ طبعا سأرد عليه بالقول أن نتائج العملية الانقلابية التي تبناها الجناح المعتدل في الحركة الناصرية (الذي قبل بها على الرغم من أنه تم توريطه فيها قصدا وعمدا من قبل الجناح المتطرف بالتنسيق والتعاون ومن ثم الشراكة مع التيار التقليدي تحت مبررات كثيرة) ضد شخص الرئيس الصالح الذي لم يكن قد مضى عليه منذ حصوله على صوت ممثلي الشعب سوى 88 يوما تقريبا (وليس ضد نظامه بحكم أن الناصريون كانوا حتى ذلك الوقت يسيطرون على معظم مقاليد السلطة إذا ما صح لنا القول)؛ كانت كارثية بكل ما تحمله هذه العبارة من دلالات ومعاني لها شأنها على حاضر ومستقبل اليمن دولة وشعبا ومسار حركة التغيير الوطني منها- بوجه خاص- أما لماذا ؟

–         نرد على ذلك بالقول جراء حالات الاختلال الحادة الحاصلة في المعادلة الداخلية الحاكمة للبلاد ورجحانها دفعة واحدة لصالح التيار التقليدي وشركائه بنسبة (3: 1) الذي هيمن على معظم مقاليد السلطة بصورة غير مباشرة في الفترة (1978-1989م) على حساب التيار التحديثي التحرري الذي مثله شخص الرئيس الصالح وانضوت تحته ما تبقى من رائحة ثورة الـ26 من سبتمبر وجزء مهم من إدارة ورجال نظام الرئيس ألحمدي إذا ما صح لنا القول ذلك ليس هذا فحسب.

–          لا بل وامتدت حالات الاختلال الحادة هذه في المعادلة الداخلية حتى العام 2011م (فيما عدا الفترة الواقعة بين عامي1990- 1994م بصورة أخرى)، والتي يتحمل الجناح المتطرف في الحزب الاشتراكي الجزء الأكبر والمهم في ذلك بالتعاون والتنسيق ومن ثم الشراكة مع التيار التقليدي وشركائه، في ضوء ما ألقته العملية الانقلابية التي قادها في صيف 1994م من تداعيات وأثار وخيمة قلبت الأوضاع كلها رأسا على عقب مرة أخرى، لصالح التيار التقليدي وشركائه مرة أخرى وكأن عجلة التاريخ قد قدر لها الدوران فجاءه في غفلة من الزمن مستعيدة أحداث (1977- 1979م) بأدق تفاصيلها إلى حد كبير، الذي تمكن من استعادة توازنه النسبي والوقوف على قدميه لا بل ومباشرة الحركة شبه الطبيعية في اتجاه فرض نفسه بقوة على مسار الأحداث الرئيسة ضمن إستراتيجية معدة لمثل هذا الغرض بأبعادها المحلية والإقليمية والدولية من خلال هيمنته على معظم مقاليد السلطة بنسبة (1:3).

–        ومن هذا المنطلق تتضح لنا حقائق دامغة من على أرض الواقع لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها شهادة منا للتاريخ الذي لن يرحم من لا يرحم وبراءة لذمتي أمام الله الخالق جل في علاه، هو أن التيار التحديثي الوطني المعتدل ممثلا برمزه الوطني شخص الرئيس السابق على الصالح لم يكن بالفعل يحكم أو يسيطر بل كان مجرد ربانا مع طاقم إدارته حكيما ومقتدرا ومقداما وإنسانا فقط لا غير؛ تولي مهام قيادة سفينة وطن الـ22 من مايو العظيم (ومن قبلها سفينة الجمهورية العربية اليمنية) في ظروف استثنائية جدا على المستويين الداخلي والخارجي وأستطاع أن يبقيها تسير ببطء قريبة من مسارها قدر ما استطاع إلى ذلك سبيلا، أما حلم الدولة المدنية الحديثة المنشودة قد أصبح قاب قوسين أو أدنى بفضل الجهود الجبارة والحثيثة لقيادات وعناصر التيار التحديثي ومن ثم جماهير الأمة المبذولة على مدار ثلاثة عقود ونيف، في ضوء ما تم تحقيقه لحد الآن من نجاحات مهمة ونسبية بهذا الشأن، بغض النظر عن طبيعة وحجم ما تحقق ترجمة لشعار وطني (نعمل بالممكن ولا ننسى الطموح).

–         أما عن طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الأختلالات الحادة الحاصلة في مسار ما تم انجازه لحد الآن، فتتحمل الجزء الأكبر والمهم منها بكل ما تحمله هذه العبارة من معاني ودلالات القوي النافذة المنتمية للتيار التقليدي وشركائه على المستويين الداخلي والخارجي التي كشفت عن نفسها بجلاء في إرهاصات أحداث العام الماضي والحالي والتي كنت أطلق عليها في كثير من كتاباتي مكونات التيار الانفصالي الستة وحزب التجمع اليمني للإصلاح وتيار الأخوان المسلمين منها- بوجه خاص- ممثلة بـ(المجلس الأعلى لأحزاب اللقاء المشترك، مجلس الحراك السلمي لتحرير الجنوب، القيادة الانفصالية في الخارج، حركة التمرد الحوثية، تنظيمات القاعدة، مضافا إليها آلاف العناصر التي ما زالت جزء من السلطة ولم تكشف عن نفسها بشكل علني).

–        ومما تجدر الإشارة إليه أن أهم المعالم الرئيسة في هذا الأمر قد برزت بجلاء في إرهاصات الفترة الواقعة بين عامي (1997-2010م)، التي وإن كانت ومازالت ما هي سوى امتداد طبيعي تراكمي لإرهاصات المرحلة السابقة لها، إلا أن التيار التقليدي وشركائه الفاعل في المشهد الداخلي في هذه المرحلة كان قد توارى بالفعل خلف الستار ضمن إطار إستراتيجية معدة لمثل هذا الغرض تاركا الرئيس الصالح والتيار التحديثي لوحدهم وجه لوجه لمواجهة إرهاصات الواقع المرير الذي كان التيار التقليدي وشركائه ليس فحسب السبب الرئيسي والمحوري فيه، لا بل- أيضا- وأسهم بشكل أساسي على استمراره ليبلغ حد الذروة في الفترة (2004-2010م) تحت شتى المسميات وحال دون وجود أية إمكانية لتجاوزه، مادامت معظم مصادر القوة والثروة تحت هيمنته، في محاولة منه الناي بنفسه بعيدا عن تحمل أية تبعاته مهما كانت من موقع المسئولية الأولى.

–        وفي نفس الوقت باعتبارها خطوة تكتيكية ملحة تأتي ضمن سياسة التراجع خطوة للخلف استعدادا منه للوثوب خطوتين إلى الأمام؛ من خلال محاولة التفرغ بشكل شبه كلي نحو تهيئة ومن ثم حشد كافة قدراته- أولا- ومحاولة استنزاف قدرات النظام القائم (التيار التحديثي) في اتجاه إضعافه وليس إسقاطه، باعتبارها الخطوة الأساسية الممهدة ليس فحسب لإخراج الرئيس الصالح وتياره التحديثي من معادلة السلطة بصورة نهائية، لا بل والحيلولة دون وجود أية إمكانية  لعودته في المدى المتوسط من خلال تفكيك وإزالة أهم مرتكزا ته الرئيسة، سيما على سبيل المثال لا الحصر حزب المؤتمر الشعبي العام كقوة سياسية لها وزنها ومكانتها في حال نجح التيار التحديثي (الوحدوي) في إعادة إنتاجها لتواكب طبيعة ومستوى ومن ثم حجم المسئوليات الوطنية الحالية والقادمة، ومؤسسة الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والمؤسسات الأمنية التابعة لها، باعتبارها المرتكز الأساسي لولوج مرحلة النظام والقانون والنموذج الحي لإمكانية دخول مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة من أوسع أبوابها- ثانيا- والوثوب إلى كرسي السلطة ومن ثم الهيمنة على مصادر القوة والثروة بلا منازع- ثالثا.                

–        وعودا إلى بدء يمكن القول أن إرهاصات الانتخابات الرئاسية للعام 2006م وأحداث العام 2011م، في ضوء ما أفرزته من حضور كاسح وحاسم للمتغير الشعبي، وخاصة منذ الخروج المليوني الحاسم لجماهير الأمة بجانب التيار التحديثي ومرشحه الرئيس على الصالح عام 2006م أو رمزه الوطني على الصالح منذ تاريخ 25/3/2011م، إن كانت قد فرضت واقعا جديدا  كان من الأهمية لا بل والضرورة أن ينعكس مباشرة على واقع المعادلة الداخلية الحاكمة للبلاد بمراعاة عامل الوقت والسرعة والكلفة بصورة وأخرى، إلا أن إستماته عناصر التيار التقليدي وشركائه التي تهيمن على معظم مقاليد السلطة ومعاكسة مسار التطورات الرئيسة اللاحقة للعام (2006م) أو اتفاق مسار هذه التطورات منذ نهاية الشهر الثالث للعام الماضي والحالي مع المعطيات الظرفية للبيئتين الداخلي والخارجي.

–         قد حالت إلى حد كبير دون إحداث القفزة النوعية المنشودة بهذا الشأن، من خلال الأهمية التي أصبحت أكثر إلحاحا بضرورة سرعة ومرونة ترجمتها على أرض الواقع إلى حقائق وأرقام لها وزنها وشأنها لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها، تنعكس بقوة على واقع المعادلة الداخلية الحاكمة للبلاد؛ من خلال قرارات سياسية وتنموية ضخمة تضع الشعب ومصالحه على حد سواء (أشرت إلى أهم معالمها الرئيسة في مقالتي المنشورة بعنوان قراءة في البعد الاستراتيجي اليمن وإمكانية التحول إلى دولة بحرية عظيمة) و(ردا على الأربعين سؤالا مصيريا: نحن بحاجة ماسة إلى تبني مشروع برنامج وطني طموح جدا في مؤتمر الحوار) مباشرة في قلب الحدث وتخلق واقعا داخليا مخالفا بسماته الخاصة وتوازناته الجديدة على أنقاض الواقع القائم لقطع الطريق نهائيا (عموديا وأفقيا) أمام إمكانية بقاء أو عودة الحكام الحقيقيون لليمن دولة وشعبا من قيادات وعناصر التيار التقليدي وشركائه اللذين حكموا اليمن تحت شتى المسميات والأوجه وتسلطوا على أبنائه وثرواته وموارده وأقداره وكانوا السبب وراء كل ما وصلنا إليه فلا نامت أعين الجبناء، فكانوا بحق الأكثر أهمية ونفوذا والأشد فتكا ووحشية بماضي وحاضر ومستقبل اليمن وأمنها، وهذا ما يجب وليس ينبغي لقيادات وعناصر التيار التحديثي أن تدركه بكل تجلياته وأبعاده، سيما أن المعطيات الظرفية الحالية للبيئتين الداخلية والخارجية في المرحلة الحالية والقادمة قد أصبحت أكثر مرونة وانسيابية إلى حد ما أكثر من أية وقت مضى لإحداث مثل تلك القفزة النوعية المنشودة في ضوء اتفاق الإرادة الداخلية والخارجية.          

                                                                                                     والله ولي التوفيق