fbpx
5تحديات تواجه مُرسي والإخوان في حكم مصر
شارك الخبر

اسلام اونلاين

كشفت النتائج الأولية لانتخابات الرئاسة المصرية فوز الدكتور محمد مرسي بمنصب الرئيس، وسط جو سياسي عاصف أفرزه قرار المحكمة الدستورية بإلغاء مجلس الشعب ومصادرة الانتخابات التشريعية التي فاز الإخوان بأغلبية مقاعدها.

السيناريو المصري أعاد للأذهان – لدى نخبة من المتتبعين – التجربة الجزائرية إبان سباق التشريعيات في 1991، وحاولوا الربط بين التجربتين والبحث عن مكامن التشابه بينهما، ومن ذلك مقال الأستاذ عبد الرحمن الراشد في (الشرق الأوسط) “مصر 2012 الجزائر 1991“، حيث تساءل: “هل عسكر مصر يرتكبون نفس خطأ عسكر الجزائر، الدرس القاسي الذي يفترض أن الجميع شاهد كم كان ثمنه غاليا”. ومقال د.فيصل القاسم في “الشرق” القطرية “مصر 2012 = الجزائر 1992” الذي حمل نفس الهواجس. وتستمر صلاحية السؤال إلى توقيت الإعلان الرسمي عن نتائج الانتخابات، حيث يبقى الجدل قائما حول احتمال حدوث “انقلاب” – ولو أبيض –  على مرشح الإخوان الذي دخل السباق كـ”مترشح احتياطي” ليجد نفسه على رأس مصر.

وبعيدا عن الجدل الحاصل حول طبيعة العلاقة بين المجلس العسكري، وهو الذراع الحديدية لنظام الرئيس المخلوع حُسني مبارك، وبين الرئيس الذي يرتدي عباءة الإخوان، وقد صدر  ”إعلان دستوري مكمّل” يحجم صلاحيات الرئيس، تطفو على السطح أسئلة قلقة ومخاوف مبررة تحاول أن تقرأ المشهد السياسي الجديد الذي لم يكن أحد يتنبأ به قبل فترة قريبة.

استنساخ النظام الإيراني!

أول سؤال/ تخوّف يواجه المصريين هو طبيعة العلاقة المستقبلية بين محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، وعلى رأسها المرشد العام محمد بديع. ومن سيكون المتحكم الفعليّ في دواليب مصر: هل هو الرئيس المُقحم في السباق “نافلة” تحسبا لإقصاء متوقع لمرشح الجماعة الأول: خيرت الشاطر، أم هو المرشد الذي يحظى بالسلطة الدينية التي تُلزم كل عضو في الجماعة، بمن فيهم الرئيس الجديد، بواجب الخضوع لقراراته بسبب البَيْعة التي في عنقه عليه.

التصريحات التي أطلقها محمد مرسي أثناء الحملة الانتخابية وكررها بعد الإعلان عن النتائج الجزئية من أنه سيكون رئيسا “لجميع المصريين” وأنه سيقف أمامهم على بُعد “مسافة واحدة” تبقى مجرد وعود سيكشف الواقع صدقها، سيما وأن الارتباط العضوي بالجماعة من ناحية فكر الجماعة نفسها وأدبياتها يُعتبر رباطا مُقدسا لا يُتجاوز بسهولة ما لم تأذن الجماعة بتجاوزه. ولعل بعض دلائل غير مطمئنة ظهرت أثناء جولة الإعادة، حيث ترك أبرز المرشحين (أبو الفتوح وصباحي) انطباعا بأن محمد مرسي كان يستمع إلى مطالبهم لكنه كان غير قادر على الاستجابة معها بشكل آني، لأنه يحتاج إلى “إذن” الجماعة، وحتى الضمانات التي طُلبت منه لم يتفاعل معها بشكل حاسم، بل كان يتكلم بلغة “فقهية” تفتح الباب أمام احتمالات عديدة كما حصل في موضوع التزام أن يكون رئيس الحكومة من إحدى الفصائل السياسية الأخرى وليس من الإخوان، وهو ما جعل المرشحين السابقين يتحفظان على دعمه (رغم أن أبرزهما هو أبو الفتوح المرشح الإسلامي وابن الجماعة) في جولة الإعادة رغم أن المعركة باتت مصيرية في مواجهة مرشح يمثل النظام السابق الذي قامت ثورة 25 يناير لإسقاطه.

وأمام وضع كهذا، قد يكون الحل الأمثل إعلان المرشح انفصاله عن الجماعة واستقالته منها لمنح تطمينات فعلية للشارع المصري، ولكن هل سيفعل محمد مرسي ذلك وهو الذي يعتبر وجوده على عرش مصر من أفضال الجماعة عليه؟

الإسلاميون والديمقراطية: زواج بنية الطلاق؟

أبرز المخاوف التي حمل لواءها معارضو حكم الإخوان هو ثنائية “الدولة الدينية والمدنية” وموقع حكم الإخوان بينهما. ورغم أن هذه الجدلية غذّت الساحة المصرية منذ أكثر من خمس عقود إلا أنها لا تزال غضة طرية تجد ما يُغذيها من هواجس ومخاوف في غياب رؤية واضحة واجتهاد “إسلامي” صريح لا يستعير من السياسة وصوليتها و”ماكيافيلّيتها”.

دأب الإخوان على تأكيد أن هدفهم هو إقامة الدولة المدنية، وهذا مطلب جماهيري مُجمع عليه ما دامت النماذج السياسية التي حكمت باسم الدين في نهايات القرن العشرين وبدايات الواحد والعشرين مثل إيران وأفغانستان والسودان قد خلفت انطباعا سيئا لدى الرأي العام الداخلي والخارجي، بسبب تحويل الدين من “الشاملية” إلى “الشمولية”، وبنظرة أيديولوجية إقصائية تُحرّم الاختلاف وتقمع الرأي الآخر.

لكنّ المتابع لكتابات عدد من النخب الفكرية الإخوانية سيجد أن أسس ومقومات الدولة المدنية كتقديس مفهوم المواطنة واحترام الرأي الآخر لا تزال موضع “ريبة”، فالحديث عن العلمانيين والليبراليين يشوبه رميٌ بالكُفر والمروق من الدين، بشكل صريح أو غير صريح، واعتبار أنهم قومٌ “لا خلاق لهم”، الخ الأوصاف المشينة التي تُلصق بهم، واستغلال “الديمقراطية” باعتبارها “وسيلة” وليست “غاية”، ولا يزال الهاجس الأول هو “أسلمة الدولة” في إطار “فقه التمكين” و”الاستخلاف” كما ذكرها الشيخ حسن البنّا وأتباعه.

ليست هذه الآراء تهمة على صاحبها أن يتبرأ منها، ولكنّ المطلوب هو أن تُحدد الجماعة موقفها بوضوح، بشكل عملي يتحدد في اجتهادات فقهية معاصرة وكتابات واضحة، وكذا التعامل مع المخالف (إعلاميا وسياسيا)، وسينجح الإخوان في التحدي لو تمكنوا من إدارة اللعبة السياسية وفتحوا المجال أمام مؤسسات المجتمع المدني لتمارس دور الرقابة على عمل السلطات التشريعية والتنفيذية (وفي مقدمتها الرئيس) والسماح بكل أشكال التعبير السلمي (إعلاميا وميدانيا) وإنعاش الحياة السياسية بالنقاشات الجادة والعمل البنّاء، لا تُستغل الديمقراطية باعتبارها “وسيلة نقل جماعي” توصل المسافرين إلى المحطة ثم تعود أدراجها!

شعارات لا تسمن ولا تُغني من جوع!

الحديث عن الدولة الدينية والمدنية والموقف من الآخر وغيرها من أسس الدولة الحديثة يُعتبر “ترفا فكريا” (رغم أهميته الكبيرة) لدى عموم المصريين الذين يتطلعون أولا لمن يعيش هواجسهم الاقتصادية والاجتماعية ويساهم في حلها. وفي هذه الحالة، لن تُفلح الشعارات في تجاوز التهديدات التي تؤرق المواطن البسيط، بل يتطلب الأمر إرادة كبيرة وقدرة فائقة على التسيير لتجاوز البقع السوداء في الواقع المصري.

فمصر تواجه مشكلة استقرار أمني وهي تخرج من مرحلة الثورة إلى مرحلة البناء، ولهذا تتطلب المعادلة الصعبة الموازنة بين حق المواطن في التعبير عن رأيه والخروج إلى الشارع مقابل الحفاظ على هيبة الدولة واستعادة قوات الأمن لدورها الطبيعي في الضبط والمراقبة دون أن يؤدي ذلك إلى تجاوزات ومصادرة لحقوق المواطنين. وذلك أن غياب الاستقرار وما أدى إليه من نتائج اقتصادية سيئة جعل كثيرا من المواطنين ينظرون نظر الريبة إلى الثورة ويبحثون عن رئيس يعيد لمصر استقرارها الاقتصادي، ولهذا حظي شفيق بدعم حوالي 47 بالمائة من الناخبين (حسب النتائج الأولية) ليس حبا في نظام مبارك ولكن تطلعا إلى الرجل الذي قد يمتلك كاريزما رجل الدولة، لأن الزج بالإخوان في حكم مصر سيكون – شئنا أم أبينا – مغامرة قد تُحمد عاقبتها وقد تُذمّ.

استرجاع هيبة مؤسسات الدولة (الأمنية والقضائية خصوصا) تحد صعب في ظل انتشار الفوضى والصراع بين أنصار الثورة والثورة المضادة، والاستقرار يعني عودة الحياة الطبيعية وانتعاش الاقتصاد والسياحة وتغطية العجز وتنمية قطاعات الصناعة والزراعة وفتح المجال أمام الاستثمارات التي تشكل مصر أرضا خصبة لها، إضافة إلى توفير الطاقة (أزمة الغاز نموذجا) وحتى القضاء على مشكلة “نُدرة الرغيف”.

قضية ولا أبا حسن لها!

 هذه مجمل التحديات الحقيقية التي تواجه محمد مرسي بصفته رئيسا لمصر، ويبقى الهاجس الأول هو القدرة على تمييز من يحكم مصر: مرسي أم جماعة الإخوان؟ وبقدر سطحية هذا السؤال بقدر ما يُظهر الأزمة الكامنة في العلاقة بين الجماعة ومنتسبيها إن هم قرروا ولوج العمل السياسي.

صحيح أن ما يحدث اليوم في مصر أمر طارئ و”مُحدثٌ” لم تواكبه النخب الفكرية الإخوانية على صعيد التنظير والاجتهاد الفقهي الجديد، لكن كارزمية مرسي وقدرته على الانتقال من وضع عضو تابع للمرشد إلى رئيس يحكم مصر هو ما سيُحدد مدى النجاح أو الإخفاق في التحدي الأول والرئيسي الذي طالما حمل شعاره أثناء الحملة الانتخابية: أن يكون رئيسا لجميع المصريين، لا رئيسا لجماعة، أو عضوا تابعا برتبة “رئيس لمصر”.

أخبار ذات صله