fbpx
إرادة القتل ووقاحة تبريره .. الشهيد زين محسن اغتيل بالغاز السام

((لكل فرد حق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه)) مادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ((لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والمسكن والعناية الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحق في ما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمل أو الشيخوخة، أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن ارادته والتي تفقده اسباب عيشه)) المادة 25

بأي منطق يمكن ان تبرر قوى الاحتلال الهمجية جرائهما المتلاحقة بحق ابناء الجنوب منذ غزوة التكفير والتدمير والاحتلال 94م، اذا كنا نعرف بالخبر والتجربة والعلم والمعرفة ان منطق الغزو والتكفير هو الابادة والتدمير للمستهدفين به ، إذ ما زلت احتفظ بنسخة من مقال للقاتل المدعو قيران حينما كان يمارس عمليات القتل والاغتيالات بحق النشطاء الجنوبيين العزل والذي اشرف بنفسه على  عميلة تعذيب الشهيد احمد درويش حتى الموت، هذا المجرم الفار كتب ذات يوم في افتتاحية   (صحيفة ساهرون) الصادرة عن الشرطة عدن مقال بعنوان ((الهامشيون)) قاصدا بهم كل الجنوبيين الذين يشهرون رفضهم للاحتلال الغاشم إذ كتب يقول ( نحن صناع الحياة سنسحق كل من يقف في طريقنا من اولئك الهامشيون الذين يريدون تعكير صفوة حياتنا بشغبهم واصواتهم النشاز… الخ). وما الذي استجد منذ قيران وحتى الآن غير المزيد من القتل والعنف المفرط، بذات الاسلوب الوحشي كما تشهد جريمة اغتيال المهندس الشهيد خالد الجنيدي تحت التعذيب واغتيال الدكتور الشهيد زين محسن بالغاز السام وآخر جريمة كانت جريمة اغتيال طالبة كلية النفط في عتق الشهيد محمد مطلوب شطيرات. ومتى كانت الاجهزة الامنية في عدن حريصة على اظهار حقائق جرائمها حتى يكون لبيان تبريرها الوقح لجريمة اغتيال الدكتور زين محسن اليزيدي بالغاز السام ، التي حرصت على كتابتها في محاولة منها التنصل من المسؤولية السياسية والجنائية لتلك الجريمة.

منذ الحرب حتى اليوم لا بريء في الجنوب، حتى الحجارة! فكل ما هو جنوبي هو متهم بحكم المولد والنشأة واللهجة والثقافة والانتماء والهوية والزي واللون والشكل والتاريخ والذاكرة والأفراد والجماعات والمدن والقرى والمؤسسات والقيم والأسماء والرموز والتشريعات والقوانين والعادات والأعراف والتقاليد والعملة وأنماط الإنتاج والعلاقات الاقتصادية والحقوقية والأرض والثروة وعلاقات الملكية والحقوق والوثائق والمعاملات، وكل شيء يرمز أو يذكر بشيء اسمه “الجنوب” وهوية الجنوب وتاريخ الجنوب، هو متهم رغماً عن إرادته. وليس هناك طريق للإفلات من هذه التهمة غير الموت! فالجنوبي الطيب هو الجنوبي الميت، أو المذعن بالصمت المطلق، أو المتماهي الكلي بالمنتصر والمستعد للعمل الدائم تحت إمرته وإثبات الولاء والطاعة بأقوال وأفعال عملية واضحة ومحددة ضد كل ما هو جنوبي

وهكذا تلاحظ مع باربرا ويتمر، في كتابها “الأنماط الثقافية للعنف”، أن إخضاع تواريخ أخرى هو عنف إدراج المختلف والآخر في الشيء ذاته أو في شمولية الذات المسيطرة. يحدث ذلك عبر إزالة الاختلاف، كما في الحرب والعنف. وفي هذا السياق يصف مارك سي تيلير، إثبات الذات، الذي يهدف إلى تحقيق الهوية الذاتية، بأنه “يتم بواسطة التحكم بالآخر وحتى تحطيمه وإخفاء أثره”.

على هذا النحو تبدو أزمة العلاقة بين الشعب الجنوبي المهزوم بالحرب والقوة التي هزمته. فالمشكلة هنا ليست بين شمالي منتصر وجنوبي مهزوم، أو بين ذاتين دخلتا في علاقة تفاعل وصراع وجود تعترف كلاً منهما بالأخرى، بل في أن الذات الشمالية لا تعترف أصلاً بوجود ذات أخرى للأخ الجنوبي، الذي شكل الطرف الأساسي والحيوي “للوحدة” في مايو 1990.

لقد هدفت الحرب إلى إزالة الاختلاف بالقضاء المبرم على الذات الجنوبية. فالحرب في تعريفها هي رغبة الذات في تدمير الآخر وإفقاده ذاتيته التي يناضل من أجل الاعتراف بها كذات مستقلة وفاعلة وتستحق التقدير والاحترام ولها الحق في الوجود والفعل والتفكير والكلام، مثلها مثل الآخر تماماً.

إن رفض سلطة الحرب الاعتراف بالجنوب كآخر، أي كطرف آخر شريك حي وفعال يمتلك الحق في العيش والفعل والقوة والثروة وكل شيء مثله مثل الطرف الشمالي، هو لب المشكلة القائمة اليوم بين الشمال والجنوب.

ولم تكن المحاكمة لرموز الحركة الجنوبية إلا مظهر من مظاهر هذه المشكلة العميقة الجذور. فكل جنوبي، في الداخل أم في الخارج، في السلطة أم في المعارضة، حتى وإن ناضل طوال حياته وضحى بكل شيء من أجل الوحدة، أمثال البيض والعطاس وعلي ناصر محمد، وكل الجنوبيين الذين قاتلوا مع الشمال من أجل “الوحدة” أمثال الحسني والنوبة وشحتور وعشرات الآلاف، جميع هؤلاء وغيرهم من أبناء الجنوب، حتى أولئك الذين يعملون مع السلطة في صنعاء ، جميعهم مدانون سلفاً بتهمة الانفصال. ومسألة إدانتهم ليست إلا مسألة وقت فقط، فأي نقد أو تذمر أو شكوى واحتجاج أو إشارة بعدم الرضا والموافقة على إجراءات السلطة أو حتى إهمال في مدح السلطان وتأييد سياساته وتمجيد إنجازاته ومدح الوحدة وإدانة الانفصال والتعاطف مع الجماهير الغاضبة في الجنوب ضد الاحتلال يعد في نظر السلطة إدانة دامغة لاقتراف جريمة الانفصال .

ومن هنا يصبح الحديث عن ثقافة الكراهية والفرقة  والمناطقية والانفصالية ذات قوة جنائية كاملة في إدانة الخصوم الجنوبيين. ومع أننا نعرف أن الحب والكره ليسا من القيم الثقافية أو الأخلاقية، بل  من المشاعر الإنسانية الفطرية التي تتحكم بها دوافع وأسباب سيكولوجية واجتماعية، إلا أن السلطة تستخدمها لأغراض سياسية وأيديولوجية يستحيل تبريرها. إن السلطة تريد وترغب أن تخترق حتى الأعماق النفسية للإنسان الجنوبي وتجبره على أن يحب ما تحبه ويكره ما تكرهه، وهذا ما لم يحدث أبداً في تاريخ الوجود الإنساني، إذ ليس لأحد سلطة على مشاعر وعواطف الناس، فالإنسان يحب ويكره ويحزن ويفرح بإرادته الحرة، فإذا ما أحب العدني مدينته عدن، وإذا ما أحب الجنوبي أرضه ووطنه الجنوب، وإذا ما كره الجنوبيون صنعاء والشمال والوحدة والسلطة والقبيلة والجنبية، فلا توجد قوة في العالم تستطيع إكراههم على غير ذلك. ومع ذلك ليست المشكلة مشكلة الحب والكراهية، كما يروّج لها، بل هي مشكلة حقوق ومصالح مادية ومعنوية. فلا أعتقد أن الشماليين يحبون الجنوبيين، ولا أعتقد أن أحدا من الشمال يحب عدن وحضرموت أكثر مما يحب مدينته وقبيلته إلا إذ كانت مصالحه فيها باهرة .

إن الجنوبيين لا يريدون من الشمال أن يحبهم أو يكرهم، بل يعترف بهم كذوات ادمية تستحق الحياة والحرية والكرامة .والإنسان لا يعير أهمية لمن يكرهه أو يحبه بقدر أهمية أن يعترف به، اعترفْ بي واكرهني كما تريد! لكن كيف تطلب ممن لم تعترف به أصلاً أن يحبك!؟ وما فائدة حب لا أحد يعترف بصاحبه!؟ ولماذا ندين الجنوبيين بسبب مشاعرهم تجاه الشماليين، إذا كان الشماليون لا يعترفون أصلاً بوجود الجنوبيين بوصفهم بشر وذوات تحب وتكره وتفرح وتغضب وتحس وتتألم!؟