fbpx
الحوار بين الجنوبيين يمثل طريق النجاة لحل المشاكل والأزمات

الحوارُ قيمةٌ إنسانيةٌ وحضارية راقية لم نرتقِ بعد إلى مستواها ولم نذقْ شيئاً من حلاوتها ، بل وأعتقد أننا لن نستفيدَ من منافع تلك القيمة السامية بالجنوب بشكل خاص وبالوطن العربي بصفة عامة ؛

بسبب أن كثيرا من العقليات ترى أنه لا بد من توفر الخصومة والعداء بين طرفين أو عدة أطراف كشرط أساسي لوجود عملية الحوار والتحاور ، متجاهلةً أو جاهلةً هذه العقليات أن الحوار يجبُ أن يتأصّلَ في روح وقيم الإنسان ذاته ، فكم نحن بحاجة إلى أن نحاور أنفسَنا أولا ومع الآخرين ثانيا في كثيراٍ من الأحوال والظروف الحياتية ! وكم نحن بحاجة إلى أن ندرك ونستوعبَ هذه القيمة المدنية الراقية الكفيلة بتسيير أمورنا الخاصة والعامة في حياتنا .

مشكلتنا هنا أننا نجرّ الحوار إلى خارج سياقه المنطقي والعقلاني سواء كان سياسيا أو غير ذلك؛ فترانا نترك الحكمة والإدراك لما يدور حوله الحوار والأكثر من ذلك نحللُّ ونتوهم ونحكم بجهالة ونظن السوء ونتعصب لشخص أو فصيل .

دائما ما نجد أن المزاجية والعواطف والعشوائية أساسها تحكيم القلب وليس العقل في كثيرا من الأمور.

أن العدول عن استخدام العقل في حل خلافاتنا السياسية والاجتماعية هي التي أفقدتنا الحوار الراقي المبني على الأسس العلمية والديمقراطية الحديثة .

ما نلاحظه هذه الأيام من زخم حراكي جنوبي كبير في ساحات الاعتصام وثبات الثوار في عموم الساحات لهو نصر كبير للقضية الجنوبية رغم عزوف معظم القيادات التاريخية عنها لرفضهم التحاور فيما بينهم للم الشمل .

وهذه الساحات الممتلئة بأبناء الجنوب المطالبين باستعادة الدولة الجنوبية عليهم الثبات فيها والتمسك بسلمية ووحدة الساحات والتنسيق والحوار بين قادتها قبل الأقدام على أي عمل ثوري من شانه أن ياتي بنتائج ايجابية على ارض الواقع . لأنها تشكل العصي الغليظة التي تجبر المحتل على الرحيل إن شاء الله تعالى .

وانصح أخواني الثوار بتوحيد الرأي والكلمة ونحذر من الانجرار والتصرف الفردي لما يريده ويخطط له نظام صنعاء وأعوانه في استخدام العنف المسلح المضاد حاليا ونحن بهذا الحال .

حمل السلاح يجب أن يكون الوسيلة الأخيرة بعد توحيد الصفوف واستكمال العدة والعتاد أن فرض علينا ذلك مستقبلا في استعادة دولتنا وخاصة أذا استمر تجاهل مطالبنا . سندافع عن أنفسنا وأرضنا مهما كلفنا من الشهداء والدماء البريئة .

هنا لا بد أن يدرك القادة ومعه شعب الجنوب أن الحوار والتفاهم من الآن على الحامل السياسي الموحد للقضية الجنوبية وكيفية بناء الدولة وتنظيمها على قاعدة ديمقراطية صلبة تحت شعار الجنوب لكل الجنوبيين بذلك نستطيع أن نمنع تكرار المأساة التي حصلت بين أخوة النضال وهما الجبهة القومية وجبهة التحرير بعد نيل الاستقلال من بريطانيا عام67.

أن مشكلتنا الكبرى تكمن في قياداتنا والتي تسمى نفسها بالقيادات التاريخية حيث أنها لا تفكر سوى بالسيطرة على الجنوب بأي شكلا من الأشكال والحكم وفق رؤيتها هيا ومن سار على نهجها في عموم المحافظات الجنوبية . يصرون على استمرارية النهج الشمولي والثوري الاقصائي الذي تفهمه عقولهم فقط .

أما آن الأوان لها أن تسلم الراية للدماء الجديدة الشابة وكذا القيادات الوسطية النظيفة من الوجوه المخضرمة المشهود لها بالكفاءة والنزاهة والحنكة السياسية والدبلوماسية والتي تعج بها ساحات الحرية والنضال ؟

فيا عجبي متى تدرك هذه العقليات التي اتخذت من حوار الطرشان وسيلة بل غاية لتحقيق مصالحهم ونزواتهم الخاصة . وتدرك معنى الحوار والعمل فيه مع الجهات التي تخالفهم الرأي بالوسيلة وحتى بالمضمون للوصول إلى قاعدة مشتركة يعمل بموجبها الجميع.

ولكن أرى أن هذه القيادات الأنانية لا تؤمن بمبدأ (( الحوار الراقي الذي يعتبره أصحاب الألباب الوسيلة الناجحة للنهوض بمستوى الحياة وتحسين جودتها وليس فقط لحل المشاكل والأزمات التي تنشئ بين الناس )) لان قدرتها على التخطيط والتنظيم والمناورة ومواكبة العصر محدودة . وقدرتها على تسويق القضية الجنوبية مع العالم الخارجي ودول الجوار معدومة . فقد أصابها الكبر واليأس والإفلاس السياسي والدبلوماسي وأصبح سمة من سماتها الفعلية .

بينما الشعب كله قد اجتمع وتصالح وتسامح وناضل وقدم الشهداء واتحد واعتصم في ساحتي خور مكسر والمكلا وهم تائهون تفصل بينهما مسافات شاسعة ربما نجد احدهما يناضل من على كوكب زحل والأخر من على كوكب المريخ تفاديا لأي لقاء قد يجمعهم بالصدفة حتى للتصوير فقط .

وعند ما يشاهدون الشارع الجنوبي يتحرك ضد النظام يصحو الرفاق من سباتهم وينفضون الغبار من على وجوههم يبذلون الغالي والنفيس من اجل سرقة الأضواء من الثوار بالظهور عبر القنوات الفضائية للإدانة والاستنكار وابتعاث برقيات التعازي والمواساة لأسر الشهداء الذين يضحون بأرواحهم فداء للوطن .

ويعملون جاهدين بإعطاء أوامرهم لمن هو على شاكلتهم نهجا وثقافة بحمل صورهم وتعليقها على أعمدة وجدران المنصات لفرض أمر واقع مرير الهدف منه سد الأبواب على أي قيادات شابة قد تنشئ من ساحات الحرية والنضال .

أخيرا أتمنى من كل جنوبي ((( قادة وثوار وشعب ))) أن نؤمن جميعا بان الجنوب مظلة يستظل بها كل الجنوبيين بجميع مشاربهم السياسية والثقافية والاجتماعية وان ننسى الماضي البغيض بفتح صفحة جديدة تجسيدا لمبدأ التصالح والتسامح ونتخذ من الحوار الجدي النافع وسيلة لحل كل الخلافات والتباينات السياسية والمدنية حتى نستطيع أن نحقق كل الأمنيات الحياتية واهما استعادة دولتنا الحديثة إن شاء الله تعالى .

والله من وراء القصد .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الشيخ / عقيل صالح السنيدي .