fbpx
من وحي مقابلة الارياني .. حتى لا نؤجل المعجل !

الإهداء : إلى روح الشهيد البطل / خالد الجنيدي .

   المقابلة الصحفية المطولة جدا التي أجرتها صحيفة (26 سبتمبر ) الرسمية مع الدكتور / عبدالكريم الارياني , أثارت الكثير من ردود الفعل القوية لدى مختلف القوى السياسية في “ الشمال “ , إذ أغضبت الكل تقريبا هناك وخاصة الحوثيين , فيما تناولت محتوى المقابلة بالتحليل الكثير من وسائل الإعلام الشمالية أيضا , في حين أنها – على حد علمي –  لم تحظى بأي اهتمام من قبل إي طرف “ جنوبي “  سياسي كان أو إعلامي ..! ولا اعلم سبب ذلك على الرغم من أن الرجل جاء بكلام اقل ما يقال عنه فيما يخص الشأن الجنوبي بأنه “ خطير “ ويدعو فعلا للانتباه والتمعن

   وفي تقديري الشخصي ان أهم ما ذكره الارياني “ بشكل عام “ جاء في النص التالي “ في يوم السبت ظهرا جاء إلى صنعاء الوسيط العماني الذي في مكتب السلطان قابوس وهو يذهب ويجيئ للوساطة بين الحكومة اليمنية والحكومة الإيرانية وينقل رسائل لرئيس الجمهورية والرئيس هادي ينقل عبره رسائل .. ولكن عندما جاء إلى صنعاء يوم السبت , كنا قد فشلنا في الحوار يوم الخميس ليلا .. وجاء الوسيط العماني يوم السبت ظهرا .. هل تصدق أن النص الذي تفاوضنا عليه يوم الخميس الساعة العاشرة والنصف جاء به الوسيط العماني دون ان يتغير منه حرفا واحدا … ماذا يعني هذا ؟! .. هذا يعني إننا تفاوضنا في صنعاء وقبل النص في صعدة وأرسل إلى طهران ثم ذهب إلى مسقط ومن مسقط عاد إلى صنعاء .. “ .. انتهى الاقتباس .

   في مضمون الاقتباس الحرفي أعلاه يمكن التيقن من حقيقة الدور الدبلوماسي “ العماني – الإيراني “ النشط جدا في الأيام التي سبقت سقوط صنعاء يوم 21 سبتمبر الماضي , فمن الواضح جدا ان الحوثيين كانوا يسيرون وبدقة متناهية وفقا لخارطة طريق إيرانية , ومن الواضح أن كل “ كبيرة وصغيرة “ فيما يتعلق ببنود  ماسمي باتفاق “ السلم والشراكة “ كان يمر على “ طهران “ ثم يعتمد فيها قبل ان يقر أو يتم اعتماده في “ صعده “ ! ومن الواضح جدا أيضا ان “ مسقط “ كانت ممرا آمنا ووسيطا موثوقا فيه من قبل الإيرانيين والحوثيين معا . وفي الحقيقة إننا لا نعيب لا على الجمهورية الإيرانية ولا على سلطنة عمان أن تلعبا إي دور دبلوماسي نشط في إي شأن كان وفي إي مكان وفقا لقواعد المصالح الدولية المترابطة والمتشابكة , ولم يكن هذا الدور أو الخط الساخن جدا مابين المدن الثلاث ( طهران – مسقط – صعده ) مستغربا بقدر ما نستغرب تدهور دور قوى سياسية إقليمية ودولية أخرى كان لها تاريخيا الدور الريادي في مثل هذه المحطات والمواقف!.

   هذا من جانب .. ومن جانب آخر نستغرب الغياب الكلي لأي ملمح ولو بسيط ينبئ عن وجود ولو حتى خجول لحضور “ الأمن القومي العربي “ عطفا على مشهد سابق كانت فيه نفس الساحة تقريبا حضنا دافئا لحوالي خمسين الف جندي مصري في اليمن في ستينات القرن الماضي مع تواجد سعودي قوي في الكفة الأخرى من الميزان .. ما لذي حدث للقوى العربية حتى تترك مواقعها خاليه إلى هذا الحد لقوى غير عربية ؟!

     لكن ما يهمني شخصيا ك “ جنوبي “ يعاني وطنه من احتلال صريح ويناضل شعبه بشتى الوسائل والطرق من اجل تحرير ترابه الوطني من هذا الكابوس البغيض الجاثم علينا منذ 1994 م , هو استغرابي واندهاشي وانزعاجي الكبير من ان تولي الدولة الشقيقة “ سلطنة عمان “ بكل هذه الحماسة مثل هذا الدور المفعم بالحيوية إلى جانب إيران والحوثيين في حين أنها وهي الجارة الملاصقة لنا في الجنوب المحتل والتي نتقاسم معها ثاني أطول شريط حدودي , لم تقدم ل “ الجنوب “ الوطن  أو “ الجنوبيين “ الثوار أو الساسة ولو حتى الحد الأدنى من الاهتمام والمراعاة للمأزق التاريخي الكارثي الذي يمر به شعب الجنوب العربي الجار !! .

     فعلى الرغم من قناعتي الشخصية “ الأصيلة “ ان أحدا في الجوار العربي ناهيك عن الجوار الإقليمي أو الدولي البعيد , لن يقدم للجنوب مايمكن ان يكون ذا “ فائدة حقيقية “  في هذه المرحلة بالذات لعديد من الأسباب… إلا ان استحقاقات المصالح المفترضة لهذه الدولة المجاورة أو تلك هي التي يمكن ان تحفز على أهمية أو حتى براغامتية التعامل والتعاون مع الطرف الجنوب حتى وان كان يعبر حاليا في مسالك “ النكبة “ .. لأن النكبة وان طالت لن تستمر إلى ابد الآبدين كما يقول لنا التاريخ وكما تؤكد وقائعه التي تشير إلى ان “ النهوض “ هو غالبا ما يتلو نكبات الأمم التي لا تستسلم ولا تيأس.   اما الاستنتاج الآخر من مضامين النص السابق فهو يضع حدا فاصلا وقاطعا لجدلية أهمية تعاون إيران مع إي طرف جنوبي في منحى “ استراتيجي “ يتعلق بهدف التحرير والاستقلال ! .. ان إي رهان جنوبي في هذا الاتجاه عطفا على خلفية التحالف الإيراني مع القوة الصاعدة في الشمال “ أنصار الله “ هو مجرد “ وهم “ و “ كذبه كبرى “ يعلم المتعلق بحبالها كم هي واهية وكم هي متهالكة . ويؤسفني جدا ان أرى بعض “ الأطراف الجنوبية “ لا زالت حتى اللحظة , تصر وتستحسن “ الحج “ إلى طهران حتى في ظل وجود مثل هذه الدلائل القاطعة باستحالة قيام تحالف استراتيجي معها أو حتى قبولها بهدف التحرير والاستقلال للجنوب بصورة لا لبس فيها . ويهمني في هذا السياق الإشادة بموقف الأخ الرئيس / علي سالم البيض الذي فضل الانسحاب من هذا المسار حينما تأكد له بشكل قاطع “ عدمية “ مثل هذا التعاون حاليا. وهنا يتجلى الموقف الوطني في ابرز صورة  ويتجلى أيضا “ الاعتزاز بالنفس “ .. نعم نحن نقر ونؤكد على إننا يمكن ان نعمل ونتعاون مع إي طرف كان من اجل مصلحة الوطن ولا يكون ذلك حينما نتيقن من العكس , كما إننا لا نسترخض أنفسنا لأي طرف كان ولا نقدم قضية شعبنا رخيصة نتوسل بها عطف أو شفقة الآخرين . بل إننا نؤمن إيمان مطلق بقدراتنا “ الذاتية “ على وضع الأمور في نصابها الحقيقي ومسارها الصحيح متكئين في ذلك على حق نؤمن به حد اليقين , ومستندين على قوة حقيقة لم يحدث لأي قوة وطنية عربية ان تحصلت عليها .. إلا وهي الإجماع الوطني المطلق إلى جانب حق استرداد وطن مسلوب .

   المؤجل والمعجل في حديث الارياني :

     تتحدث بعض الأطراف الجنوبية عن خيار الفيدرالية الثنائية كما لو انه “ باكيج “ مربوط كحزمة وموضوع على الطاولة الجنوبية للأخذ به وهو غير كذلك .. وتتحدث أيضا عنه كخيار تقول انه “ واقعي “ يؤدي إلى التحرير والاستقلال في آخر المطاف كما يقولون وهو غير ذلك !! , ويتحدثون لتبرير هذا الخيار بالكثير من الأسباب والمبررات غير المنطقية التي يحسبونها كذلك , وفي الحقيقة ان هذا المشروع كان ولازال واحدا من أهم الأسباب التي أدت إلى عدم “ وحدة القيادة “ على المستوى الجنوبي , ولا أريد هنا ان أعيد ما سبق ان تناولناه في مقالات سابقة بشكل دقيق جدا من تفنيد لهذا الطرح وتبيان لعيوبه الكثيرة جدا والتي كان أبرزها مافندته في مقال سابق لي تحت عنوان “  السيد العطاس “ .

         لكن العودة لهذا الموضوع في سياق تحليل مقابلة السيد / عبدالكريم الارياني يقدم لنا فرصة كبيرة لتثبيت صحة ما توقعناه وتطرقنا له فيما سبق , وذلك على خلفية ماقاله الارياني حول خيار “ الإقليمين “ في هذه المقابلة عندما وصف هذا الخيار بأنه نوعا من “ الأحلام “  ..!! وحينما تهرب كلمة “ أحلام “ من عقلية وذهنية رجل في منزلة الارياني لتنزلق إلى لسانه فهي تعبر بدقة متناهية عن حالة أصيلة من “ الاستخفاف “ و “ الاستهزاء “ ليس بهذا الخيار ولكن بالجنوب وبالجنوبيين .. لأنه يقول ان الإقليمين يمكن الحصول عليهما في “ الأحلام “ .. إي عندما يحلم بها أصحابها من الجنوبيين فقط وأما على الواقع فلا . ولكن هذه اللحظة الزمنية القصيرة جدا التي هربت من خلالها هذه الدرجة من الاستخفاف من عقل الارياني تبعتها لحظة أخرى “ منطقية “ لطالما أهديناها إلى إخواننا الأعزاء أصحاب هذا المشروع ولم يقبلوا بها أو لم يصدقوها منا , فلعل وعسى ان يعتمدوها طالما وق نطق بها لسان الداهية عبدالكريم الارياني إلا وهي ماصرح به  حرفيا حينما قال بأن خيار الاقيلمين  انفصال مؤجل وأنا أفضل “ المعجل “ على “ المؤجل “ .

     كم من مرة قلنا  فيما معناه ان الطرف الشمالي ليس ساذجا إلى هذا الحد الذي يفترضه اصحاب مشروع الفيدرالية الثنائية المزمنة والتي تعني بحسب ما أفاد “ خبيرهم “ وكبيرهم الذي علمهم السحر أنها “ انفصال مؤجل “ .. وفي الحقيقة ووفقا لأبسط قواعد المنطق أنها فعلا كذلك , وان مصلحة الشمال تقول بشكل واضح وبسيط ان المدة الزمنية التي نمنحها نحن للجنوبيين كي يرتبوا أمورهم وشئون بيتهم الداخلي “ الجنوب “ على طريق الانفصال نحن أولى بالاستفادة منها في الشمال لترتيب شئوننا أيضا .    الارياني يقول هذا .. وفي نفس الوقت كان عبدالوهاب الآنسي الذي هرول إلى صعده خانعا , يحارب السيد / حيدر ابوبكر العطاس في برلين بشراسة على “ الوحدة اليمنية “ المزعومة ويرفض بشكل قاطع ومانع الحديث عن خيار الفيدرالية من إقليمين , وبحسب علمي وعلى لسان زميلي وصديقي الاستاذ / صالح الجبواني فان السيد العطاس كان صارما في طرح خيار “ حل الدولتين “ بشكل لا هوادة فيه ! ولأن الموضوع كذلك اولا .. ولأننا تعرفنا على حقيقة ومنطقية “ المؤجل والمعجل “ وفشل لقاء بوتسدام في المانيا , فلم يبقى للأخوة الاعزاء أصحاب مشروع الفيدرالية الثنائية إلا ان يعلنوا فورا تنازلهم التام والنهائي عن هذا الخيار الذي ساهم في تمزيقنا , ونحن كفيلون بعد ذلك بالعمل بكل طاقاتنا وإمكانياتنا على خلق وسيلة لتحقيق “ وحدة القيادة الجنوبية “ على خيار التحرير والاستقلال الذي هو خيار شعب الجنوب .

    لقد ارسل أصحاب هذا الخيار قبل مؤتمر القاهرة مبعوثا للاخ الرئيس / علي سالم البيض يطلبونه الانضمام اليهم على ان يكون رئيسا للقيادة المنبثقة عن المؤتمر , وكان رده :  بل تعالوا انتم إلى خيار شعب الجنوب وكونوا انتم قادة هذا المشروع وانا خلفكم ! .. والآن وبعد كل ما حدث اعتقد انه آن الأوان ايها الجنوبيون جميعا ان تقفوا مع خيار شعبكم المتمثل في التحرير والاستقلال لانه مصدر قوتنا وسلاحنا الوحيد وانا على يقين ان الكل سيقدم من اجل وحدة القيادة الجنوبية كل ما يفترض عليه ان يقدمه .

 

* عن عدن الغد