fbpx
عن تغيير قناعات الجنوب !!

 

إشارة:

من طرائق تغيير القناعات خلق عاطفة مغايرة، وكما في الواقع، فهناك في هوليود، كما يقول أحد المخرجين السينمائيين، يشكلون رأياً بالعاطفة لخلق شعور بالتعاطف مع المحتل، على حساب من يقع عليه الاحتلال، من خلال تصوير المحتل بأن له كياناً وعائلة ووجوداً حقيقياً إنسانياً، يستحق الاحترام، مهما تكن الظروف، بينما يصورون الواقع عليهم الاحتلال بأنهم مجرد أفراد لا يهمهم إلا الأذى وطرد ذلك الإنسان. وهم بذلك يتجاهلون قصداً أن للواقع عليه الاحتلال كياناً حياً أيضاً، وأنه إنسانٌ له عواطف، وعائلة وتاريخ وهوية، وله أحاسيس راقية وعلاقات ود ومحبة ورحمة، وأن مقاومته للمحتل مجرد دفاع وليست هجوماً.

(1)

تعود من جديد، نغمة تغيير قناعات الجنوب، التي شهدت زخماً ضمن برامج وورش مؤتمر الحوار اليمني الشقيق، وكان لبعض الجنوبيين غير الملتحمين بقضية شعبهم الوطنية والسيادية، ويقاربونها في أحسن الحالات كقضية سياسية قابلة لأي تسوية، ولذلك فهم يوجّهون جهدهم لتغيير قناعات الجنوب، للقبول بتسوية ما، تستبعث وحدة منتهية مع الاحتلال بأي كيفية، تضمن لهم وجوداً براغماتياً، متصورين أن المشكلة تكمن في الجنوب المحتل، الذي ينبغي أن تتغير قناعاته، وليست في الاحتلال الذي ينبغي أن يواجهوه ملتحمين بشعبهم المقاوم سلمياً، لرفع البغي الذي تجاوز أي حد، في تاريخ الاحتلال المعاصر.

ولعل آخر نغمة بثها أحد أولئك المشتغلين على تغيير قناعات الجنوب، وشرح عبرها كيفية حدوث ذلك التغيير، هو وزير دولة الاحتلال لشؤون تنفيذ مخرجات الحوار اليمني الأخ غالب مطلق، (شيخ مشايخ الضالع بالنيابة) كما ورد في ذيل  سيرته الذاتية، إذ سألته (عدن الغد) في حوار أجرته معه عن عدم وجود أرضية في الجنوب لدولة الأقاليم الستة وهي أهم المخرجات، فقال نصاً:((لقد ارتأت لجنة تحديد الأقاليم ومن خلال دراسات مستفيضة أن الأقاليم الستة هي الخيار الأنسب لمعالجة إشكالية وتعقيدات التوازنات والمطالب والحقوق والشراكة والعدالة والمساواة شمالاً وجنوباً, كما أن الدستور الاتحادي القادم هو الذي سيعكس الإرادة  الشعبية من خلال استفتاء عليه, مع إدراك أن الجماهير في الجنوب مازالت متوجسة من أي خيارات, نظراً لأن الناس لم يعتادوا على نظام الأقاليم، وعندما يدركوا أنها تحقق مصالحهم بالتأكيد ستتغير الكثير من القناعات)).

وزير شؤون تنفيذ مخرجات الحوار اليمني يدرك أن الجماهير في الجنوب، مازالت متوجسة من أي خيارات كما يرى، ويعلل ذلك بأن (الناس) لم يعتادوا على نظام الأقاليم. ولذلك فإن الأخ غالب مطلق متأكد جداً من أنهم عندما يدركون أن الأقاليم تحقق مصالحهم، ستتغير الكثير من القناعات!.

لا مشكلة إلا في الجنوب، وأخونا في الجنوب، بسم الله ما شاء الله، متطوّع بخدماته لدى صنعاء لتغيير قناعات الجنوبيين الواقع عليهم الاحتلال، ويتحدث وكأنه مدرّب في ورشة من ورش عمل الحوار اليمني، لا يعنيه شيء سوى أن تنفّذ الورشة ليتقاضى أجوره المستحقة.

(2)

أحاول أحياناً أن أفهم سيكلوجية أمثال هذا الجنوبي، من دون التقليل، بطبيعة الحال، من أي اجتهاد سياسي، وإن اختلفت معه في المنطق والمنطلق والنتائج، لكنني أكاد لا أجد تعليلاً منطقياً لمثل هذا التطوع والتمترس حوله، والتعامل مع شعب الجنوب، وكأنه قاصر لم يبلغ الرشد، ولذلك فهم يشتغلون على تغيير قناعاته، وإعادة تربيته وتشكيله، وكأن النموذج الأعلى الذي ينبغى أن يحتذى، لديهم هناك، حيث هم، في عاصمة المحتل، وهم يدركون يقيناً أن أقاليم الخرافة، ليست موجودة إلا على ورق، وغاية المحتل من دفعهم للترويج لها، الآن، هو خلخلة قناعات الشعب، وتيئيسه، بوسائل إعلامية وإدارية، (تشيطن) الحق في الاستقلال، و(تمَلْكِن) شرعنة الأقلمة؛ ليعيد المحتل إنتاج وتحسين شروط احتلاله بقناع جديد ليس إلا، ولعل من تهافت الجنوبيين المرتبطين بدولة الاحتلال سياسياً أنهم يقبلون بأداء دور تفكيكي تقويضي للجنوب لا يستطيعه غيرهم من وزراء صنعاء وضواحيها، وهو دور تكتمل به منظومة التضليل الجنوبية، بدءاً بكبير المضللين (الرئيس)، وانتهاءً بوزير تنفيذ المخرجات، التي- وياللمفارقة – لم يقبل بها الجنوب، ولم يكن طرفاً فيها منذ أن كانت مشروعاً ثم حواراً، تم تتويجه بخطاب النصر الحوثويّ في 21 سبتمبر الماضي، وتداعياته المدنية الحديثة (!!)، وهم بذلك كمن يبيع عقار (الوحدة) في صنعاء، ويروّج مخدّر (الأقلمة) في عدن، لكنّ الضحية، هنا وهناك، شعبانِ انسحقا طويلاً، ولم يعد من سبيل إلى أي ترقيع سياسي، لأن يبقيا في دولة واحدة، بعد كل ما حدث، ولعل كلمة أفراح الزوبة بالغة الدلالة، في هذا السياق، إذ قالت:((أنا بنت صنعاء وأفضّل أن أدخل عدن بفيزا، ويحترمني الناس، ولا أدخل في ظل هذا الوضع، ويقال عني إنني دحباشية)) .

بمن يهزأ ويعبث أمثال أخينا في الجنوب هذا؟، ومن يخذل الجنوب وقضيته الوطنية أمام الإقليم والعالم سوى أمثال هؤلاء الذين يقدمون الجنوب موضوعاً لتغيير قناعاته من رفض الاحتلال إلى القبول به، (وكأنّ شيئاً لم يكن ، وبراءةُ الأطفالِ في عينيهِ)؟!. وهل المشككون أبداً، في أي جهد استقلالي لإنجاز الشروط اللازمة سياسياً للخلاص من الاحتلال، رؤيوياً وتنظيمياً، بأحسن موقعٍ من هؤلاء العاملين على تغيير القناعات؟ أم هل يتكاملان، بالنتيجة، في محاولة  تمديد الاحتلال، أو تابيده، نفياً لإرادة شعب حرّ مخذول بقياداتٍ، هنا وهناك، كثيرة حول السلطة، قليلة حول الوطن، بتعبير غاندي؟