fbpx
عن خطاب رئيس دولة شقيقة في ذكرى استقلال بلدٍ مجاورٍ تحتله

 

 

ثمة رئيس دولة شقيقة مجاورة، يدعى عبدربه منصور هادي، ألقى مساء 29 نوفمبر الجاري خطاباً بمناسبة ذكرى استقلال بلد آخر، وقد وصفته وسائل إعلامه بالهام. وتلك عادة خطابية درج عليها سلفه الصالح جداً، عنوانها الربط الكاريكاتيري بين الأحداث لتوكيد واحدية الثورة في البلدين الشقيقين الجارين سابقاً، المتنازعين حالياً منذ 1994م.

ولئن كان ذلك الخطاب مفهوماً في سياقه الإلحاقي سابقاً، فإنه يزداد كاريكاتيرية، عندما يعيده هادي الذي وضعته المهزلة اليمنية، رئيساً لبلدٍ غير بلده، بلد يتنازع فيه أهله على الزعامة، ولكنهم يتوافقون عليه ليؤدي دوراً في أبيخ مسرحية سياسية معاصرة، لإطالة أمد الاحتلال والاستباحة، وليس لعبقرية سياسية يتميز بها – حاشاه – أويفتقر إليها الأشقاء الألداء هناك مثلاً.

هذا الرئيس القابع في مساحة جغرافية ضيقة في الدولة الشقيقة المجاورة، وبحراسة مشددة، لا يرى مواطني بلده المحتل وهم يفترشون الساحات، في عدن والمكلا، ليس انتظاراً لخطاب تافه عن الاستقلال من المستعمر البريطاني الصديق، كتبه له أحد مساعديه النفعيين، وإنما للخلاص من هيمنة الدولة التي يرؤسها هو شكلياً، والتي بسطت احتلالها منذ صيف 1994م، حينما كان هو وزيراً لحربها الهمجيةعلى بلده، وهاهو اليوم، تكريماً لأدواره الاستخذائية، قد صار رئيساً بعد 18 سنة أمضاها نائباً للرئيس صامتاً كأبي الهول عن كل الجرائم والانتهاكات المرتكبة بحق أهله ورفاقه في الوطن الذي ساهم هو في احتلاله واستباحة دمائه وثرواته وقراره، ويسهم الآن في تفكيك حركته الشعبية السلمية، وحلحلة وتقويض قضيته الوطنية، بذهنية المحتل ليستكمل فصول الدور المرسوم له، ولأعوانه المستخذين للاحتلال.

عن أي استقلال يتحدث هذا الأعمى سياسياً ووطنياً، والمعاق فكرياً ونفسياً؟. يتحدث عن التضحيات التي أخرجت آخر جندي بريطاني من عدن عام 1967م، فيما الشعب في ساحات عدن والمكلا، ليس مشغولاً بالتاريخ الآن. إنه في الساحات من أجل إخراج آخر جندي من جنود دولة الاحتلال الجارة الشقيقة الصغرى. والمفارقة أن هذا الرئيس هو الآن القائد الأعلى لقوات الاحتلال المسلحة. فمن ذا الذي يحتل بلادنا إذن؟. إنه هذا الرئيس نفسه ورهطه في صنعاء وأعوانهم في المحافظات المحتلة، وهم يأتمرون بأمر سيدهم الجديد في صعدة ومن دار في فلكه في صنعاء. هؤلاء هم المحتلون لبلادنا في الوثائق الرسمية الآن، وإن لم يكونوا محتلين أو أدوات احتلال، فلماذا يقفون ضد استقلال شعبهم، ويستميتون أكثر من بعض الوطنيين اليمنيين في صنعاء؟

ويتحدث الرئيس القابع هنك تحت حراسة مشددة، عن المبادرة الخليجية واتفاق السلم والشراكة، وهما موضوعان خاصان بالدولة التي يرؤسها، حيث لا يعني مواطني دولته تلك شيء ولا صلة لهم باستقلال بلادنا في 30 نوفمبر 1967م، مثلما لا صلة لبلادنا المحتلة الآن ببناء دولتهم المدنية الحديثة (أو غير الحديثة كما يشاؤون)، التي يبشر بها، وهو يدرك أنها من سابع مستحيلات القرن الثاني والعشرين القادم، لكنه يستمرئ التمثيل مؤكداً حل ما يسميه بالقضية الجنوبية وفق مخرجات ما يلفظه بـ(الحاوار) الوطني الذي كانت بلادنا المحتلة خارجه تماماً، إلا من نفر قليل وسوس لهم هو – كما أكدوا هم – وقدم لهم الوعود، والأموال، ثم المناصب، وانسحب منهم من انسحب، وأكمل الشوط بعض ممن اقتدوا به، في لعبة إطالة زمن الاحتلال، بدعاوى سياسية زائفة.

وفي حالة من حالات الصفاقة السياسية، يخطب رئيس تلك الدولة الشقيقة، في ذكرى استقلال شعبٍ مرابط في الساحات من أجل  الحرية والخلاص من احتلال دولته هو، ليقول له خلافاً لإرادته إن الوحدة (بالعربي يعني الاحتلال) هي الثابت، وأن إرادة الاستقلال هي الطارئ، وليست أكثر من (كلام فاضي).

وخلاصة خطابه: أيها الشعب الواقع عليه الاحتلال منذ 1994م، والمحتشد  في الساحات خلال 13 فعالية ضخمة، وآخرها احتفالية الاستقلال 30 نوفمبر هذا اليوم، أنت شعب غبيّ ولا تفهم شيئاً، وعبدربه قاعد في صنعاء ليوظف عبقريته الفذة، من أجل مستقبلكم المضمون الذي لا تعلمون أنه لن يكون إلا بإعادة إنتاج دولة الاحتلال الذي استبد بكم، فإن أردتم مستقبلكم فلن يكون خارج دولة الاحتلال الاتحادية، ولا حتى ريحة ” تقرير المصير”(!!)، لأن كل ما أنتم عليه من مقاومة سلمية، منذ 2007م، في وجهة نظره الرئاسية،  محض هراء، وسخف، ولا شيء لكم عند هذا الرئيس المتعاقد معه في صنعاء سوى أن تقبلوا بمخرجات (الحاوار) الوطني اليمني، وتبطّلوا قربعة زائدة، وإلا فقوات الاحتلال المسلحة التي هو قائدها الأعلى ستريكم العين الحمراء، ولن تلوموا إلا أنفسكم، فأنتم كما وصفكم في فقرة موجهة لمن أسماهم ((أبطال)) القوات المسلحة: “أعداء الوطن وأعداء مشروع الدولة المدنية” وتتربصون “باستقرار البلاد وأمنه ووحدته”. أكرر: ووحدته.

وبالعربي: الخطاب تدشين لتصفية قضية استقلالكم تصفية عادلة، فعالم الغيب السياسي القابع في صنعاء تحت الحراشة المشددة، الذي وصفه عبدالملك الحوثي في خطاب متلفز بأنه “دمية”، ولم تهتز شعرة واحدة في صلعته، لا يراكم إلاّ  دُمَى تحلم بالحرية لا أكثر، ويستخف بمشروع استقلالكم الوطني ولا يرى لكم مكاناً أفضل من “الزريبة” التي هو فيها، فلقد أوتيَ – فخامته -مجامعَ السياسة والعرفان الوطني والإقليمي والدولي والكوني وما وراء الكوني!.

بعد قراءة خطاب رئيس دولة الاحتلال الشقيقة الصغرى، ابتسمت بسخرية مؤلمة، وتذكرت أحد أساتذتنا الأجلاء في بغداد – عليه رحمة الله الواسعة – حينما كان يمتعض إذ لا يعجبه أمرٌ ما، كأن تكون قاعة الدرس كابية الإضاءة مثلاً، فيسألنا سؤاله الاستنكاري المعتاد، بنبرة عراقية مبينة: تعرفون شِنهي السفاهة؟، فنبتسم كالعادة، فيقول: هايْ هِيّ السفاهة.