fbpx
كثيرون حول السلطة , وقليلون حول الوطن

عنوان المقال ( عبارة ) شهيرة للمهاتما غاندي روح الهند وزعيمها التاريخي “ المقدس “ وهو حينما قالها لم تكن الهند قد تحررت بعد من الاستعمار البريطاني . ما يعني أن السلطة ليس بالضرورة أن تترافق مع المنصب الحكومي الرسمي , وإنما يمكن أن تكتسب في إطار العمل السياسي أيضاً . والأبشع من كل ذلك أن تمتلك السلطة في سياق العمل الوطني وماهو أبشع من كل ذلك أن تستغل بطريقة سيئة !

المشهد الوطني العام في الجنوب ينذر برياح وعواصف كبيرة قادمة , ويبدو لي – وأرجو أن أكون مخطئاً – أن التزاحم على “ السلطة “ سيبدأ من الآن وصاعد ! وسوف تشهد الساحة الجنوبية بروز أسماء وشخصيات وأطراف عديدة ستحضر بكل جاهزيتها من أجل السلطة وليس من أجل الوطن ! .. وعلى الرغم من أنني شخصياً أتمنى من كل قلبي أن تتواجد في المعترك النضالي الجنوبي الهادف للتحرير والاستقلال “ جميع “ القوى الجنوبية بلا استثناء إلا أنني أرغب وبشدة أن يكون حضورها هذا ناجماً عن إيمان حقيقي بالبحث عن هذا الوطن المفقود والعمل معاً من أجل بنائه بالكيفية التي تليق به وبهذا الشعب العظيم وبتلك التضحيات الجسيمة التي لازال شعب الجنوب يقدمها متدفقة حتى الآن .

إن أسوأ ما يمكن أن يقود إلى “ الاحتراب “ على السلطة في السياق الوطني العام هو “ المال السياسي “ .. فحينما يدخل المال من “ الباب “ يخرج البحث عن الوطن بالمعنى العظيم من “ الشباك “ وهذا ما نود أن نحذر و نلفت الانتباه له من الآن .. مع يقيني أن هذا الشعب العظيم الذي يفترش ساحات العزة والكرامة في عدن لن يعجز عن التمييز مابين هذا وذاك .

إلى حد كبير كانت سعادتي غامرة حينما قرأت خبر توافد “ الخمسة مكاتب “ اليافعية إلى ساحة الحرية بخور مكسر , وبلغت السعادة ذروتها حينما تحول القول إلى فعل وهذه مسألة من وجهة نظري الشخصية بالغة الأهمية إذا ما تم استنساخها بتلك الطريقة الرائعة وسحبها على مختلف النسيج الاجتماعي الجنوبي لكي يحضر إلى ساحة الوطن ويسجل “ الموقف الرسمي “ الذي ينتظر الوطن ويسجله التاريخ كما فعلت مكاتب يافع بسلطانها التاريخي… مع العلم أن حضور القبيلة إلى ساحة الوطن لا يعني أبداً إلا حضورها من أجل مشروع الدولة المدنية التي ننشدها جميعاً وذلك حتى لا يحاول أحد من جبال صنعاء أن يصطاد في مياهنا العكرة في عدن .

وفي المقابل كنت أرجو ولا زلت أن يتحول موقف “ قيادات المؤتمر الشعبي العام “ إلى شيء مماثل لما أقدمت عليه المكاتب القبلية اليافعية وإن كان في إطار ذا بعد سياسي مختلف ! وما كنت أود أن يتحول الوطن لدى “ أساتذة جامعات “ و” رجال دولة “ ورجال سياسية إلى ورقة تفاوض وضغط في إطار صراع حزبي داخلي كما أعلن عن ذلك في البيان الختامي للاجتماع المؤتمري في عدن ، لأن الوطن وقضاياه أكبر بكثير هوامش المناورة .. وأقدس بكثير من أن تكون على هذه الشاكلة ..أو لكي تتحول إلى مجرد “ ورقة ضغط “ تستخدم لكي نهدد بها “ الزعيم “ في صنعاء لتقليم أظافرة التي نالت من الرئيس هادي !

لقد آلمني كثيراً أن يغضب المؤتمريون في عدن على إزاحة “ هادي “ من معادلة حزبية أو حتى من مفردة “ الزعيم “ ولم يغضبهم إلى حد أقل “ خروج “ الجنوب كله من معادلة الوحدة بفعل الحرب طوال تلك المرحلة من قبل الزعيم وحزبهم.. !! وفي الحقيقة أن هذا الإقصاء الذي أغضبهم كثيراً لشخص هو من ذات المنبع وذات العقلية التي أقصت الجنوب “ الوطن “ ككل .. فأيهما يستحق الغضب أكثر يا أعزائي ؟؟!! … خاصة وأنها نفس العقلية التي أدرك شعب الجنوب منذ مرحلة مبكرة أنه لا يمكن أن يتعايش معها في إطار “ وحدة مقتولة “ وإن السبيل للخلاص منها ومن فعلها لن يتحقق للجنوب إلا بالاستقلال الناجز وإقامة الدولة الجنوبية الحرة المستقلة .. فماهي ياترى الفترة الزمنية المطلوبة لكم حتى تصلوا إلى نفس النتيجة التي وصلنا لها مبكراً ؟

في سياق حوار كهذا .. أخرج لي قيادي مؤتمري التقيته مؤخراً في القاهرة “ منشوراً “ متطرف لأحد قيادات الحراك تضمن سيلاً من الشتائم لكل القيادات المؤتمرية في شبوة من حزب الرئيس أو حزب الزعيم لست أعلم ! وقال لي : كيف تريد منا أن نتعاطف معكم ومن بينكم من يتعامل معنا وينظر إلينا بهذه الطريقة ؟ ! ألسنا جزء من الجنوب ؟ قلت : بلى… أوليس الجنوب وطننا جميعاً ؟ قلت أيضاً .. بلى يا عزيزي ولكن إليك الآتي :

أولاً : أن التطرف والغلو سمة بشرية لا تتواجد فقط في الحيز العام السياسي وإنما تواجدت تاريخياً ولازالت في الحيز الديني أيضاً , وما الدواعش وأخواتها إلا مثال يمكن الاستدلال به على ذلك . كما أن التطرف السياسي الوطني الذي أصابك بنيرانه لم نسلم نحن أيضاً من نيرانه ونحن جزء من هذه الحركة النضالية الجنوبية ! ما يعني أن مواجهته بالحكمة والتأني هي السبيل الأمضى للتعامل معه ولا سبيل آخر لنا جميعاً الاعتراف به كسمة بشرية لا يمكن إزالتها نهائياً .

ثانياً : إن “ قضية الجنوب “ لا تشترط عليك وأنت ابن الجنوب تحديد شروط مسبقة لتهيئة الساحة أو الميدان لكي تتواجد فيه إلى جانبنا ! بل إنها قضيتك كما هي قضيتي حينما تتحول لديك إلى “ إيمان راسخ “ وليس إلى “ حالة سياسية “ راهنة قد تبقى وقد تزول بحسب الظروف ! على اعتبار أن الموقف من القضايا الوطنية لا يرتبط بالظروف المحيطة بها إن كانت مساعدة لها “ سأتواجد “ وأحمل رايتها .. وإن كانت الظروف ضدها وستتغلب عليها “ تخليت عنها “ ورفعت رايات أخرى !! .. إن هذه الرؤية وهذا الموقف مع كامل الاحترام لكم لا علاقة له بما يتطلبه الوطن من أبنائه وما ننشده منكم.

ثالثاً : كما يتواجد في المشهد الجنوبي “ تطرف “ من هذا النوع الذي أصابك بنيرانه يوجد في المقابل “ صوت عقل “ يمكن أن تلتقي معه وتنبني معه شراكة حقيقية وقواسم مشتركة لوطن جنوبي آمن حر مستقل ..فثق يا عزيز يا ابن المؤتمر الشعبي “ الجنوبي “ .. أن الجنوب “ الوطن “ هو البيت الحقيقي الذي ستجد فيه نفسك , وأن بيتك الحالي “ حزب الزعيم “ هو الوسيلة التي أخرجتك من بيتك الوطني دون أن تشعر ! .

 

عن عدن الغد