fbpx
الشيخ راشد الغنوشي: “الشريعة” تُفرّق التونسيين والإسلام يجمعهم
شارك الخبر

 

يشرح الشيخ راشد الغنوشي في حواره لـ”إسلام أون لاين” الخلفيات التي دفعت حركة النهضة إلى الإبقاء على الفصل الأول من الدستور التونسي كما هي دون تعديل، ورفض إقحام اعتبار “الشريعة” كمرجع تشريعي للقوانين. ويكشف في السياق ذاته عن التحديات التي تواجه حركة النهضة التي تحولت من خانة المعارضة المغضوب عليها إلى صف الحُكم وتسيير البلاد بعد ثورة الياسمين التي أطاحت بخصمهم الألدّ: زين العابدين بن علي.

 

يافع نيوز – اسلام اونلاين

حاوره: مصطفى فرحات

 

  • حصل جدل كبير حول الفصل الأول من الدستور التونسي بسبب رفضكم تعديله بإدراج “الشريعة” كمصدر للتشريع، فما الذي دعاكم إلى اتخاذ هذا الموقف؟

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله.. أولا.. أحييك وأحيي قراء الموقع المتميز الرائد “إسلام أون لاين”، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الفصل الأول من دستور تونس الذي تم إقراره سنة 1959 يحدد هوية تونس ومرجعيتها الفكرية والتشريعية، وهو ينص على أن تونس دولة حرة مستقلة لغتها العربية ودينها الإسلام. والدين هنا يعود إلى الدولة، فنحن إزاء دولة ليست بلا دين، وهذا أمر واضح. والمشرّع التونسي وصانع السياسات رغم كل الانحرافات التي حصلت ظل مراعيا لهذا الجانب على قدر ما يتوفر في المجتمع التونسي من وعي بالإسلام. ثم إن القانون التونسي مستمد من الفقه الإسلامي والشريعة الإسلامية: وذلك مثل مجلات العقود والالتزامات، والمجلة العقارية، ومجلة الأحوال الشخصية عدا بعض الجوانب.

إن السلطة السياسية لم تلتزم بالإسلام قطعا، وفي كل الجوانب، فرئيس الدولة دعا للإفطار في رمضان [التحرير: الرئيس بورقيبة] في انتهاك صريح للدستور، ومخالفات كثيرة ظلت قائمة في الحياة التونسية لم تلتزم بالشريعة وذلك راجع إلى مستوى الوعي الإسلامي ومستوى الضغوط التي تمارس من المجتمع على الدولة، فظل صانع السياسة متأثرا بثقافته الغربية وظل يسعى على نحو أو آخر ألا يتصادم التصادم الكلي في كثير من الأحيان مع واضحات الشريعة الإسلامية. مثلا: تحفظت تونس في عهد بورقيبة وبن علي على بعض المعاهدات الدولية أو على بعض البنود في بعض المعاهدات الدولية مثل معاهدة منع التمييز بين الجنسين، حيث تحفظت الحكومة التونسية على مسألة المساواة في الإرث بين الذكر والأنثى على اعتبار أن هناك نصا صريحا في القرآن الكريم له استثناءات من هذه التسوية المطلقة. نحن هنا أيضا لسنا إزاء دولة ديمقراطية، بل دولة ديكتاتورية، ومن صفاتها أنها إما أن تسن شرائع تبرر الدكتاتورية مثل ما فعل بورقيبة إذ حوّر الدستور في اتجاه تركيز سلطاته، فهو الذي يترأس مجلس القضاء الأعلى بما يتناقض مع مبدأ فصل السلطات الذي ينص عليه الدستور. ومن مثل النص على أن رئاسة بورقيبة مدى الحياة وهذا يتناقض مع مبدأ الجمهورية الذي يقتضي التداول على السلطة. إذًا النصوص وحدها لا تكفي لأن الناس هم من يطبقها في أرض الواقع.

بناء على كل هذا، لم نر فائدة من تقسيم المجتمع التونسي إلى معسكرين: معسكر الشريعة ومعسكر الرافضين للشريعة، في حين أن المجتمع التونسي بكل أحزابه اليوم مجمع على الفصل الأول من دستور 1959، أي الجميع يقبلون باعتبار تونس دولة إسلامية لغتها العربية ودينها الإسلام. وقد كانت فئات كثيرة في المجتمع التونسي تناقش هذا الفصل وتتخلص منه أو تؤوله على أن يصبح الإسلام دينا لأغلب الشعب التونسي وليس دينا للدولة. فنحن إذًا كافحنا من أجل المحافظة على هذا النص الذي يستبقي هوية الدولة التونسية.

لقد كتبت منذ سنة مقالا قلت فيه إن الفصل الأول من الدستور خط أحمر، وأن دون تغييره خرط القتاد، والآن بسبب ارتفاع الوعي الإسلامي في البلاد لم يعد أحد يناقش هذا الأمر، بل وُجد تيار في البلاد يطالب بزيادة. ونحن منذ بداية الصيف الماضي أصدرنا برنامجا انتخابيا تناول هوية البلاد ومصادرها التشريعية وتناول الجوانب الاقتصادية والثقافية. وتضمن هذا البرنامج 365 نقطة هي جملة برامجنا، ونصت النقطة الأولى على أن تونس دولة حرة مستقلة لغتها العربية ودينها الإسلام، وأن تحقيق أهداف الثورة أولوية حركة النهضة. ونحن لم ندرج موضوع الشريعة ضمن برنامجنا، وهذا كان محل اتفاق، لا لأننا لا نؤمن بالشريعة بل نؤمن بأن كل ما نزل في الكتاب والسنة فهو مُلزم لنا، وكل ما أجمع عليه المسلمون على أنه من الإسلام فهو ملزم لكل المسلمين ونحن منهم. ودعونا – بحمد الله – منذ أربعين سنة إلى أن الإسلام دين ودولة، وأن الإسلام عقيدة وشريعة، ولكن رأينا أن المجتمع التونسي مجمع على أن الإسلام دين للشعب ودين للدولة، ولكنّ موضوع الشريعة ملتبس، فالتطبيقات التي حصلت في أكثر من بلد إسلامي جعلت مفهوم الشريعة ملتبسا بالحيف على حقوق النساء، وبالحيف على الفنون الجميلة، وعلى حقوق غير المسلم، وعلى الحريات العامة والخاصة، ولذلك لم نرد أن نشق المجتمع التونسي شقين: شق الشريعة وشق الإسلام بينما الإسلام يوحد الجميع. ولو ذهبنا إلى استفتاء عام سنجد فئة واسعة من المجتمع التونسي لا تمثل أغلبية تتجهم الشريعة وتتوجس منها خيفة، ونحن لا نريد أن نضع قسما من المجتمع التونسي خارج الشريعة أو ضدها لأن معنى الشريعة لديهم ملتبس.

على الدستور أن يتلبس روح الإسلام

  • وهل هناك ما سيتغيّر في الدستور التونسي بعد إقرار مرجعيته الإسلامية؟

بالتأكيد هناك ما سيتغير، لأن الإسلام روح عامة ينبغي أن تنبثّ في كل جوانب الدستور وليس مجرد مادة في أحد فصوله. عندما تنص المادة الأولى للدستور صراحة على هوية الدولة وإسلاميتها، فإذا كان للمؤسسة التشريعية وعي إسلامي وإيمان بأن الإسلام عقيدة وشريعة، وهذا ما نعتقده نحن فيهم لأن النواب فيهم أغلبية إسلامية، سيكون الإسلام منبثا في كل فصول الدستور القادم لتونس، وحتى توطئة الدستور المُقترحة مشبعة بالحديث عن الإسلام وأنه عقيدة وشريعة مرجعية، بما يجعل كل فصول الدستور تتلون وتحمل هذه الروح، لأن الإسلام لا يكفي أن يكون فصلا في دستور، وإنما روحا تنبث في كل القوانين الدستورية أو العادية أو في حياتنا الثقافية والتربوية والاجتماعية.

ما الضامن لأن يكون الدستور والقوانين ملتزمة بالإسلام؟ الضامن ليس النص الدستوري، وإنما الناس.. مدى وعي الناس بالإسلام.. فإذا كنا في دولة ديمقراطية، بمعنى أن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية تمثل الناس، علينا أن نرجع إلى الناس وننظر إلى وعيهم بالإسلام، فعلى قدر مستوى وعيهم سينعكس ذلك في سياسات الدولة، سواء في المستوى التشريعي أو السياسي أو التربوي والثقافي.. وحتى العلاقات الدولية.

لا ينبغي أن نعطي أهمية أكثر من اللازم ونطمئن إلى أننا إن وضعنا نصا دستوريا فذلك النص سيصبغ الحياة بصبغته.. القوانين تستمد قوتها من الناس الذين يطبقونها وإلاّ فكم ظلت القوانين عرائس شمع معلقة.. وكم ظل القرآن الكريم معلقا في الخزائن.. القرآن نصٌّ وهو أعظم دستور، ولكنّ هذا النص إذا لم يمش به الناس وإذا لم يرتسم في وعيهم فسيظل معلقا في الخزائن. حتى دستور بورقيبة فيه قدر كبير من النصوص التي تنص على الحريات العامة والخاصة، ولكن ديس عليها. دستور مصر الذي ينص على أن الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع، فهل منع الاستبداد والفساد؟ والدليل على ذلك قيام الثورة في مصر. دستور اليمن ينص على أن الشريعة هي المصدر الوحيد للتشريع، ولكن قامت ثورة في هذا البلد. هذا يعني أن الدستور لم يمنع فسادا ولا ظلما ولا نهبا للأرزاق. لذلك لا ينبغي للناس أن يعلقوا أهمية زائدة على النصوص.. الناس هم من يفسر النصوص بسلوكهم. نحن لم نرد أن تدور معركة في بلادنا بين الإسلام والشريعة. والله سبحانه وتعالى لم يتعبّدنا بالألفاظ وإنما تعبّدنا بالمعاني. ولذلك كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يراعي مقاصد الشريعة ولا يتمسك بالألفاظ، وعندما رفضتْ بني تغلب وهي قبيلة عربية نصرانية أن تدفع الجزية، لأنها رأت في ذلك تحقيرا لها، سألهم: ماذا تريدون؟ قالوا: ندفع صدقة. فقبل منهم أن يدفعوا هذه الضريبة تحت مسمى الزكاة. إذا قبل شعبنا الإسلام فالحمد لله، فلماذا نتمسك بألفاظ أخرى هي مرادفة للإسلام لأن الشريعة ليست مجرد قوانين وإنما هي عقيدة وشعائر وأخلاقيات ومبادئ عليا ومقاصد، وليس مجرد عقوبات. وما علق بالشريعة هي تطبيقات سيئة نفّرت الناس، فالشريعة عدل كلها ورحمة كلها، وكل ما خرج من العدل إلى الظلم فليس من الشريعة وإن تسمى باسمها.

تونس: دينية أم مدنية؟

  • البعض يرى أن ما قمتم به هو مناورة لطمأنة المجتمع الدولي وعلى رأسه القوى العظمى من أن تونس لن تتحولة إلى دولة دينية؟

أنا لا أقول بأننا لا نعطي أهمية للوضع الدولي، ينبغي أن نعطي أهمية للوضع الدولي، وينبغي أن نعطي أهمية للوضع الداخلي أكبر من ذلك. علينا ألا نختلف في أحكام الإسلام، فالإسلام واحد وليس متعددا، وهو الذي نزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن تنزيل الإسلام في الواقع يحتاج إلى ألوان من الفقه، وقد تحدّث عن هذا فقهاؤنا الكبار وخاصة شيخنا يوسف القرضاوي في هذا العصر: “فقه الواقع” و”فقه الأولويات” و”مراتب الأحكام”. القرآن نزل منجما وطُبق منجما تدريجيا وارتفعت أحكام الإسلام مُنجّمة أيضا، وعودتها ينبغي أن تسلك نفس السبيل لأن تكليفنا نحن هو بحسب الوُسع “فاتقوا الله ما استطعتم”، وما يطيقه مجتمع معين من الإسلام لا تجيبك عنه كتب الفقه التي تتحدث عن الحلال والحرام، وكما يقال: “العلم بالشيء فرع عن تصوره”، ولذلك التشخيص الذي يُقدّم إلى الفقيه هو الذي يتحكم في فتواه، والعلوم التي تشخص الواقع مثل الاقتصاد والسياسة والعلاقات الدولية وعلوم التربية هي التي تجيب عن سؤال: “ماذا نُطبق من الإسلام؟”. تونس جزء من المنظومة الدولية.. وما أريد لإخواني وأبنائي أن ينتبهوا إليه شديد الانتباه هو أن القرار السياسي لا تمليه فقط مبادئ الحق والعدل، والقرار السياسي ينبغي أن يتأثر أيما تأثر – بعد مراعاة الحق والعدل كما ورد في كتاب الله – بالالتفات إلى الناس والواقع المحلي والدولي وما يطيقه ذلك.

ولو رجعنا إلى بعض التجارب الإسلامية كتجربة الجزائر التي عشتها في بداية التسعينات، حصلت الجبهة الإسلامية للإنقاذ حينها على أكثر من 80 بالمائة من الأصوات في الانتخابات التشريعية (نحن حصلنا على 42 بالمائة فقط!) ومع ذلك الفئات العلمانية التي خشيت على نمط حياتها وعلى مصالحها ومواقعها وشعرت أن كل ذلك مهدد استظهرت بالأوضاع الدولية ومراكزها في السلطة وهي تملك الجيش والإدارة والاقتصاد والإعلام وتملك العلاقات الدولية لصالحها، فعندما لم يتم تطمينها على أوضاعها ومصالحها قلبت الطاولة وأدخلت الجزائر في أتون من الفتنة، ومعنى ذلك أن المعادلة السياسية لا يحكمها الكم فقط، فلا يكفي أن تقول إن معي الأغلبية حتى أقرر ما أشاء أو أسن ما أشاء من القوانين، المعادلة السياسية يتحكم فيها الكم ويتحكم فيها الكيف ربما بشكل أكبر.. ما وزنك في مراكز مفاصل القرار الاقتصادي والعسكري والأمني والثقافي والإعلامي والدولي؟ لا شك أن مركز الإسلاميين في كل ذلك ضعيف.. فلا ينبغي أن يغتر الإسلاميون بعددهم فليس العدد هو الذي يصنع المعادلة السياسية وحده، وهذا الموقوف الذي لن ننساه وظل ماثلا أمامنا. فأن يعترض قسم واسع من النخبة التونسية على الشريعة بحسب الفهوم السيئة المنتشرة حولها والفهوم المُخيفة ينبغي أن يؤخذ هذا بعين الاعتبار، لاسيّما وأن النخبة كلها مجمعة على المعنى العام للإسلام.

يبنغي لإخواننا أن يدركوا أنهم في زحمة النصر ونشوته، ألا ينسوا موازين القوى المحلية والدولية، وهذا الدرس القاسي الذي تعلمناه من تجربة سوريا في 1982، ومن تجربة أفغانستان، ومن تجربة الجزائر، ومن تجربتنا نحن في تونس حيث كنا سنة 1989 أغلبية، ولكن ميزان القوة المحلي والدولي قلب الطاولة علينا، فينبغي أن يتذكر إخواننا أنهم بالأمس القريب لما كانوا يتحدثون عن تونس كانوا يتحدثون عن المساجين والشهداء والجرحى والعائلات الفقيرة، ولما كانت تونس تُذكر كان يُذكر منعُ الحجاب وتصنيف المصلين على أنهم إرهابيون بسبب إقامتهم للصلاة، وتُمنع المرأة الحامل من الدخول للمستشفى لتضع حملها إلا إذا ألقت حجابها بالخارج. والآن التونسيون بفضل الله أحرار في مساجدهم وفي دينهم ينشئون الجمعيات وهم في رأس الدولة، فينبغي أن يترفق إخواننا بنا قليلا، وأن لا يكلفونا ما لا نطيق، وعليهم أن يدركوا أننا أعرف بأوضاعنا ولا يشكك أحد في إسلام أحد.

موازين القوى شيء يجهله الإسلاميون

  • لكنّ هذا من شأنه أن يعصف بمصداقية الحركة لدى القواعد التي انتخبتها، لاسيما وأن عموم الناس لا يحب فلسفة الأمور ولا يفرق بين الشريعة والإسلام ومثل هذه المصطلحات؟

أنا أثق بعد الله سبحانه وتعالى في شعبنا وفي وعيه، فللناس عقول.. الناس أخذهم الحماس في المدة الأولى ورغبوا في أن نمضي مع النشوة إلى النهاية، ولكن عندما اتصلنا بإخواننا وتحاورنا معهم بدأ العقل يأخذ موقعه ويفتح للناس عيونهم على شيء اسمه “ميزان القوة”، وهو شيء كثيرا ما جهلناه نحن الإسلاميين، حيث تصورنا أن كل ما نعتقد أنه حق قابل لأن ينزل إلى الأرض، ما هو حق هو في ضميرك وينبغي أن نؤمن بالإسلام كله كما ورد في كلمات لسيد قطب “خذوا الإسلام جملة أو دعوه جملة”، هذه الكلمة صحيحة إذا فهمت على وجهها الحق: خُذوا الإسلام عقيدة وخذوه جملة، ولا تتنازلوا عن شيء من دينكم في العقيدة، ولكن تنزيلا في الواقع، ينبغي أن تُنزلوا الإسلام في الواقع بحسب ما يُطيق ميزان القوة، وبكل معاني ميزان القوة: المحلية والدولية، وإذا تجاهلتم ذلك فالسنن كما يقول الشيخ حسن البنا “غلّابة”، وستتغلب سنن الواقع عليكم، ولذلك أنا أثق في أن شبابنا وإخواننا قد تفهموا، ومن لم يتفهم بعد سيتفهم، لأن ميزان القوى غلّاب، وحتى ولو لم يتفهموا سنمضي في هذا الطريق ما دامت مؤسساتنا قد قررت هذا القرار بأغلبية الثلثين. هذا القرار لم يُمله زعيم أو رئيس الحركة، وإنما بعد حوار مطول لمؤسسات الحركة، فتم التصويت بأغلبية الثلثين: 53 مع هذا الموقف وعارض 13 وتحفظ 8، وهذا قريب من الإجماع.

ينبغي أن نكون مطمئنين بأننا في الطريق الصحيح، فإذا كنت اليوم أقلية ستصبح غدا أغلبية، وإذا سرت بالناس في طريق خاطئ فحتى لو كانوا أغلبية سيتحولون إلى أقلية وتظل وحدك. لذلك المهم أن تتأكد أنك تسير في الطريق الصحيح، والطريق الصحيح هو الذي قد لا يحقق اليوم كل ما تريد، لكنه يظل مفتوحا ويحقق لك غدا وبعد غد ما لم تقدر على تحقيقه اليوم، والطريق الخطأ قد يحقق لك اليوم الكثير ولكنه غدا يتناقص ولا يزيد لأنه خط خاطئ.

السلفيون أبناؤنا.. والحوار هو الحل

 

  • هناك حديث عن صعود المد السلفي المعارض لسياساتكم، فكيف ستتعاملون معه؟

السلفية كما هو معلوم مفهوم ملتبس أيضا. فكل المسلمين بمعنى مّا هم سلفيون، أي يؤمنون بأن المرجع الأعلى للحق والصورة النموذجية للتطبيق الإسلامي هي ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون وأتباعهم وأهل المذاهب الأربعة، فهم السلف الصالح. لكن بالمعنى المعاصر غلب مفهوم السلف على فئة من المسلمين هي نفسها توحدت في ضرورة العودة إلى الكتاب والسنة وتحقيق الأحاديث ومحاربة البدع، وهذا تشترك فيه الحركة الإسلامية الإصلاحية كلها، لكن بعض السلفيين يحرّم الديمقراطية وبعضهم ينكر الانتخابات ويرفضها، وبعضهم يقبل الانتخابات وينشئ الأحزاب، وبعضهم مسالم يؤمن بأن هذه المجتمعات إسلامية وأن هذه الدول إسلامية ولكن إسلامها مخدوش أو منقوص يمكن أن يُستكمل بالدعوة والعمل السياسي السلمي، وهناك سلفيون آخرون يُكفرون هذه المجتمعات ويستحلون دماء المسلمين ويُكفرون هذه الدول ويستحلون استخدام السلاح في مواجهتها.

والسلفية في تونس تتضمن كل هذه الاتجاهات، وهؤلاء هم أبناء وبنات تونس، نشأوا في ظل أوضاع قاتمة وقاهرة وفي ظل القمع والاستبداد وغياب المرجعية الإسلامية التونسية بعد أن دُمّر جامع الزيتونة الذي كان يُنتج التدين التونسي المعتدل، وأصبحت تونس “أرضا منخفضة” تأتيها كل المذاهب الدينية من الشرق والغرب.. نحن نتوقع أنه في ظل أوضاع الاعتدال الإسلامي وعودة الإسلام إلى أرضه عزيزا كريما بعيدا عن كل اضطهاد ومطاردة، ستستعيد تونس كل أبنائها وبناتها وسيعود جامع الزيتونة ليؤطّر كل المسلمين في هذه البلاد ويسود الاعتدال إن شاء الله.

أما الآن، فنحن ندعو إلى نهج الحوار مع الجميع: مع العلمانيين والإسلاميين بمن فيهم السلفيون.. هناك جهات تُهيج الحرب. وقد زارتني منذ أيام قليلة صحفية فرنسية فكانت تركز منذ سؤالها الأول على السلفيين وتسأل: لِـمَ لمْ تفعلوا معهم كذا وكذا؟ ولماذا فعلوا كذا ولم تقمعوهم؟ ففوجئت وقلت لها: لِـمَ تحرضيننا على مواطنينا، ماذا فعلتم أنتم مع النازيين والمتطرفين عندكم؟ لَمْ تفتحوا لهم السجون والمعتقلات بل حاورتموهم وأدخلتموهم إلى البرلمانات.. فلماذا تحرضون بعضنا على بعض.. نحن نتحاور مع أبنائنا وبناتنا، ومن كان سلاحه فكرة فالمساجد مفتوحة أمامه والنوادي وتكوين الجمعيات والأحزاب، ومن تجاوز الحد وهم فئة قليلة تؤمن بالعنف فسيطبق عليهم القانون كما يُطبق على غيرهم.

هذه أولوياتنا كحكومة..

  • وما هي أبرز التحديات التي تواجهكم بعدما انتقلتم من المعارضة المغضوب عليها إلى الحكم؟

أهم تحدٍّ نواجهه هو أن يتحقق الاستقرار السياسي الديمقراطي في تونس. كان الاستقرار قائما من قبلُ على الخوف وعصا الشرطي.. انكسرت هذه العصا اليوم وأصبح الناس أحرارا يمارسون حرياتهم بأقصى ما يستطيعون ليثبتوا أنهم أحرار، فيتظاهرون وأحيانا يتجاوزون ذلك. الحرية تحتاج إلى النظام وإلى المسؤولية، حتى لا تتحول إلى فوضى ولا “يتصَوْمَلَ” البلد. نحن ليس عندنا تراثٌ ولا ثقافة في ممارسة الحرية ممارسة مسؤولة. منذ سقطت الخلافة الراشدة يقوم الحكم على الخوف والتغلّب “من ظهرت شوكته وجبت طاعته”.. نحتاج إلى ثقافة جديدة حتى نُوائم بين الحرية وبين النظام، والحياة لابد لها من نظام، ولكنّ النظام ينبغي أن يتأسس على الحرية وليس على الاستبداد والخوف والقمع. فالتحدي الأول هو كيف نستطيع ممارسة الحرية ممارسة مسؤولة، وكيف نجمع بين الحرية والنظام؟

التحدي الثاني مرتبط بالأول، وهو التنمية، فالتنمية تحتاج إلى نظام وهدوء واستقرار، والسنة الماضية كانت سنة فوّارة تغلي في تونس. لكي يستقر نظام جديد يحتاج هذا إلى وقت. وكثيرٌ من الثورات نجحت في هدم الباطل لكنها لم تنجح في بناء الحق، ونحن الآن وقد هدمنا الباطل – إلا بقاياه – في معركة بناء الحق والحرية وبناء العدل. نحن معتقدون تماما أن دولة العدل ودولة الحرية هي دولة الإسلام، ولذلك نحن مطمئنون إلى أن شعبنا شعب مسلم ويحتاج لإطار من الحرية والضمانات ليتعرف على دينه وينشئ مؤسساته الإسلامية وينمي اقتصاده، وبالتالي نحن مستبشرون بأن العالم يتجه نحو الإسلام، وبأن هذه الشرارة المباركة التي انطلقت من تونس احتضنتها دول كثيرة خاصة مصر واليمن وليبيا وسوريا، وهذه حاضنات للثورة التونسية وداعمة لها، ونحن على أبواب تاريخ جديد للإسلام والعالم إن شاء الله.

أخبار ذات صله