fbpx
على طريق الحوار الجنوبي الجنوبي

على طريق الحوار الجنوبي الجنوبي

د. عيدروس النقيب

من بين ما تسرب عن الرئيس المخلوع، أنه وفي لقاء مغلق مع بعض المقربين منه قال إنه بصدد التفرغ لمقارعة ثعابين صنعاء (يقصد المعارضين المقيمين في عاصمة البلد)، وعندما نصحه أحد الحاضرين بالاهتمام بالخطر الذي يهدده من الجنوب، قال الرجل إنه لا يقلق من الجنوب، وإنه واثق من إن الجنوبيين لا يستطيعون أن يلتقوا على طاولة واحدة.
ليس المهم هنا هو إصرار الرجل على دس أنفه في كل شيء وإدمانه التدخل فيما لا يعنيه، حتى بعد الدمار الكبير الذي ألحقه بالبلد ومواردها وروابطها الإنسانية ووشائجها الاجتماعية وثرواتها الوطنية، فالطبع كما يقال يغلب على التطبع، المهم هنا هو إلى أي مدى تصدق مقولة أن الجنوبيين لا يمكن أن يجتمعوا على طاولة واحدة؟

وهو بالمناسبة أمر ينطبق على كل المناطق في اليمن كما في كل بلد، سواء تحدثنا عن مأرب أو صعدة أو تعز أو الحديدة أو صنعا، أو السويد أو البرازيل، لكن ما نحن بصدده هنا هو إن الرجل وأنصاره راهنوا وما زالوا يراهنون على حالة الانقسام التي تعيشها القوى السياسية الجنوبية، وما تتركه من أثر سلبي على قضية هي مركز الصراع السياسي على الساحة اليمنية عموما، وأعني هنا القضية الجنوبية تماما مثلما ظلوا يراهنون وما يزالون يراهنون على انقسام صف الخصوم في الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية وقوى الثورة اليمنية عموما.

قلنا منذ وقت مبكر أن القضية الجنوبية ليست موجهة ضد أحد ولا هي مواجهة مع أحد أو تعال على أحد لكنها قضية وطنية حقيقية تتصل بالنتائج الكارثية التي ألحقت بالجنوب، أرضا وإنسانا وتاريخا وتراثا وثقافة وثروة، بفعل السياسات التدميرية التي انتهجتها السلطة ما بعد 7/7/ 1994م، وهو أمر يكاد يجمع عليه كل الفرقاء السياسيين في اليمن بما في ذلك من كان شريكاً في تلك الحرب.

 

وإذا كان الحراك السلمي الجنوبي الذي انطلق مع مطلع العام 2007م قد مثل حالة مبكرة للنضال السلمي في مواجهة الظلم والتعسف والقمع والنهب والإقصاء والتهميش، فإن الآفاق التي تحركت في إطارها القضية الجنوبية قد أخذت الكثير من الأبعاد والتشعبات انخرطت فيها الكثير من القوى والمكونات وتفاعلت معها العديد من الأوساط والنخب الفكرية والثقافية والسياسية الجنوبية واليمنية عموما، وهو ما أكسب القضية الجنوبية مزيدا من الزخم والحضور في الحراك السياسي على الساحة اليمنية.

 

كان كاتب هذه السطور قد قال في مقالات سابقة أن على من نسميهم بالقيادات التاريخية “أن يساهموا في توحيد الساحة الجنوبية ويبتعدوا عن سياسة تكوين المحاور والاستقطاب على حساب القضية الجنوبية التي هي بأمس حاجة لوحدة كل النشطاء السياسيين الجنوبيين، وإذا لم يستطيعوا الإقدام على خطوة كهذه فليدعوا الجنوبيين يتوحدون بالطريقة التي تناسبهم”.

 

إن الحوار الجنوبي ـ الجنوبي ليس حالة من الترف السياسي ولا هو محاكاة لأحد أو انتقاصا من حق أحد بقدر ما يمثل حاجة ملحة تقتضيها الطبيعة المعقدة والمركبة للواقع اليمني والجنوبي منه على وجه الخصوص، وإذا كنا قد تحدثنا عن التصالح والتسامح الجنوبي فإن المنطقي أن الحوار وهو أدنى درجات التصالح والتسامح يغدو تحصيل حاصل في إطار العلاقات السياسية بين المكون السياسي الجنوبي، ومن هنا تأتي أهمية الذهاب إلى الحوار الجنوبي ـ الجنوبي على طريق الحوار الوطني الذي غدا التزاما دستوريا يمنيا، نصت عليه الوثائق الدولية وقرارات مجلس الأمن ناهيك عن المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية اللتان شكلتا مدخلا للتسوية السياسية في اليمن، وليس من الصواب رفض التعاطي مع هذه المواثيق تحت حجة أنها لا تعني الجنوب والجنوبيين، لأنها قد تمثل مدخلا لحل القضية الجنوبية، وهذا يتوقف على طريقة عرض وتقديم القضية الجنوبية وتقديمها للوسط المحلي والإقليمي والدولي بما فيها من عدالة ومشروعية وقيمة وطنية وسياسية وحقوقية وإنسانية.

 

الحوار الجنوبي ـــ الجنوبي ليس دعوة إلى إلغاء التباين والاختلاف، أو دمج كل الأطياف الجنوبية في كيان واحد، لكنه أيضا يمثل ضرورة لإنهاء حالة التشرذم والتنازع وتبادل الاتهامات أو محاولة الأقصاء والإلغاء، واستبدالها بسياسة التوافق على ما يسميه السياسيون بالقواسم المشتركة أو قضايا الحد الأدنى، وإذا كانت العرب قد قالت قديما “ما لا يدرك كله، لا يترك كله” فإن المنطق يقول إننا إذا ما اختلفنا في بعض القضايا فلنتحاور في ما لسنا مختلفين حوله، ولنبحث قضايا الاختلاف للتقريب بين ما يمكن التقريب بينه من المواقف والأفكار والرؤى.

 

تقف القوى السياسية الجنوبية اليوم أمام تحد كبير وهذا التحدي بقدر ما يمثل امتحانا لقدرة القوى السياسية على التعاطي مع القضية الجنوبية بموقف مسئول بعيدا عن الذاتية والأنانية والتحجر والتزمت والمواقف المسبقة، فهو يمثل امتحانا لقدرة هذه القوى السياسية على خوض امتحان الديمقراطية والقبول بما يترتب عليه من نتائج، أي إن الحديث عن الديمقراطية والإكثار من الكلام التصالح والتسامح أو عن احترام التنوع والقبول بالرأي الآخر، لا يكفي وحده لإثبات إن هذا الكيان أو ذاك المكون أو هذا الإنسان قد صار ديمقراطيا ما لم يتجل ذلك في سلوك ديمقراطي حقيقي، يؤكد تصلحا وتسامحا حقيقيا وسلوكا ديمقراطيا فعليا ويقترن بالاحتكام إلى الحوار السياسي المعمق والاستماع إلى المختلف، والقبول بما في الرأي المغاير من وجاهة والكف عن التعصب للرأي الواحد الوحيد أو الإصرار على الموقف الواحد الوحيد، وشطب كل ما لدى الآخرين من آراء وقناعات ومبادرات ووجهات نظر فقط وفقط لأننا نختلف معها.

 

ليس الموقف من مؤتمر الحوار الوطني القادم هو القضية الوحيدة التي ينبغي أن يتوقف عندها الحوار الجنوبي ــــ الجنوبي، وإن كان هو القضية الأهم، بل إنه سيكون من المهم وضع الرؤية السياسية المعمقة للقضية الجنوبية وتحديد الأجندة السياسية التي ينبغي العمل وفقها للتعاطي مع كل ما يتعلق بهذه القضية، راهنا وفي المستقبل.

 

الحوار الجنوبي ــ الجنوبي ضرورة حتمية تقتضيها أهمية المتغيرات العاصفة التي تشهدها اليمن والمحيطين الأقليمي والدولي، وإذا لم يتحاور الجنوبيون فيما بينهم فلن يحاوروا سواهم من اليمنيين وغير اليمنيين سواء كانوا أصدقاء أو خصوما، فهل سيفعلها النشطاء السياسيون الجنوبيون، ليثبتوا بطلان ادعاءات الرئيس المخلوع، ويؤكدوا أنهم قادرون على الجلوس على طاولة واحدة؟ أم إنهم سيثبتون صحة تلك الاعداءات ليزداد الرجل سكينة وطمأنينة؟

 

برقيات
* ما جرى صبيحة الأحد 17/ 6 في قاعة المركز الثقافي لدى تدشين الحوار مع شباب الثورة من عراك بين شباب الثورة وشباب الرئيس المخلوع كان متوقعاً، إذ كيف يمكن الحوار مع طرفين متناحرين، على اساس إنهما طرف واحد، قبل الحوار مع كل منهما على حدة؟ . . لا يمكن لشباب يمثلون من قامت الثورة ضدهم، أن يتبنوا شعارات ومطالب الثورة،. . . حاوروا أولا شباب الثورة وشباب الرئيس المخلوع كل على حدة، ثم يأتي الحوار معهما معا كمرحلة لاحقة؟
* السلوك الذي بدا عليه ممثلو شباب المؤتمر يبين أن البلطجة ما تزال حاضرة حتى وهم ذاهبون إلى طاولة الحوار، وهو ما ينبغي نبذه ورفضه قبل الشروع في الحوار مع طرف لا ينظر إلى الحوار إلا على إنه بوابة لجني المكاسب ليس إلا.
* يقول الشاعر العربي الكبير بدر شاكر السياب
أصبح الــكون وهو نورٌ ونارٌ أيها الظالمون
أين الـــــــــفرارُ الأعاصــير تملأ الشرق والغرب وقد جاش حولهنَّ الـــــشرارُ
كلَّـــما حاقت المـــنايا بإعصارٍ نزا فوق نعـــــــــــشهِ إعصارُ
فالتـــــهابٌ خبا فكان التـــــــــهاباً وانفجارٌ مضى فجاء انفجارُ
فاعصفي يا شعوب فالكون لا يرضيه الَّا أن يعصف الأحرارُ
وحطـمي القيد فوق هام الطواغيت وثوري فالفائز الــــــثوارُ