fbpx
محمد عبدالملك المتوكل  (العيلماني) الذي لم تنتخبه بائعة الملوج

 

 

د. محمد عبدالملك من القلة القليلة في صنعاء التي لا يمكنك إلا أن تراها قاماتٍ عالية في زمن الأقزام، ليس انفعالاً بحادث اغتياله اليوم في شارع مسمى بالعدل في بلد غاب عنه العدل والعدالة، برصاص مجنون عبثي، لا يعلم مطلقوه أنهم يغتالون العقل والمدنية، في بلد يحلم مستضعفوه من العقلاء والمدنيون بالمدنية التي يراد لها أن تكون من واحدة من الأساطير المؤجلة والمرجأة إلى أجل غير مسمى.

محمد عبدالملك المتوكل منذ أن اقتربت من منهجه الفكري ومواقفه السياسية، في مطلع التسعينيات، لم يخذل تصوري عنه، تماماً مثل الشاعر الرائي عبدالله البردوني الشاهق الرؤية والرؤيا، الذي لم يحل (نزوحي) من البلد للدراسة العليا بعد احتلاله في يوليو 1994م، دون اختيار شعره موضوعاً للبحث الأكاديمي.

أتذكر على وقع صدمة اغتيال د. المتوكل أنني كتبت مقالاً عنه رحمه الله في صحيفة الشرارة، بعد خسارته، على نحوٍ مفارقٍ، في الانتخابات البرلمانية عام 1993م، التي سبقت إعلان صنعاء الحرب على الوحدة التي كان له موقف موضوعي متقدم جداً سياسياً ومدنياً من واقعها بعد ما حدث من استباحة للجنوب وتصفية دولته وشراكتها السلمية. وإذ تنال منه أيدي الغدر والجهالة، فإن قوى التخلف تحت أي مسمّى كان، هي التي يعلو صوتها وفعلها وهي التي تهيمن على المشهد الآن، وهو المشهد نفسه الذي كان د. المتوكل على الضد منه، طيلة حياته، ثم هاهو اليوم يسقط مضرجاً بدمه الحر مؤمناً بقضية وجوده التي لم يحد عنها إلى آخر نفس، رمزاً مدنياً وتنويرياً نادراً.

المقال: ( بائعة المَلُوج )

طيبة جداً إلى حد السذاجة، تسمع كغيرها عن مرشحي دائرتها الانتخابية، ولكن لا ترى أحداً سوى العقيد عبدالهادي، فقد قيل لها إنه “مصلي صائم”. هكذا تردد بيقين من يعي أمانة التصويت في الانتخابات النيابية!.

في دائرتها بأمانة العاصمة مرشحون منتمون، ومستقلون (تايوان)، ومستقلون حقاً، ومن بين أبرز المرشحين شخصية وطنية مثقفة، حصيفة سياسياً، ذات خبرات أصيلة، ومواقف مشهود لها بالجرأة والجسارة والحكمة، لا تخشى في الله لومة لائم، ألدّ خصومها الفساد والإفساد، لا تفتأ تشن حربها المقدسة، بما أوتيت من قدرة، على العابثين والمفسدين، ومن شعاراتها أن الشعارات والبرامج بدون منفذين أكْفاء وشرفاء تصبح سخرية بعقل الأمة، ومزايدة مكشوفة.

تلكم الشخصية الوطنية يصفها الوالغون في الفساد وأزلامهم، بالملكية والإمامية وما رادفهما من الألقاب الجاهزة، لكل ذي رأي وموقف وقضية، ولأنهم هم الملكيون والإماميون، فإنهم يقتفون أثر الإمام، ويستلهمون تراثه المجيد!.

ذات فترة وصف الإمام خصومه من الأحرار – متّهماً – بأنهم “عصريون”، ومثلما كان وصم المرء بأنه”شيوعي” كفيلاً بحرقه سياسياً واجتماعياً، ووأد قضيته وخنق موقفه، وربما إنطاقه – ولو سرّاً- بما تلفظ به الثلايا ذات يوم، فإن الإماميين الجدد والملكيين، قد استطابوا وصفاً جديداً، بعد تجاوز الزمن السياسي دلالات “العصرية” و”الشيوعية”، في قاموس التهم، ذلكم هو “العلمانية”!، إذ يكفي في عُرفهم أن تصم الخصم بأنه “علماني” حتى تسري التهمة في أوساط العامة من الأميين والأميات، وهم كُثر، متزامنة مع الانتخابات، مفسَّرة بالمروق والفجور والكفروالزندقة، ومارادفها في خيال الأمّي القابض على دينه، والأمية!.

بمحض المصادفة استمعت إلى رأي بائعة الملوج البائسة، في ذلكم المرشح الحصيف الخصيم المبين للعبث والانفلات والجهالات، الأكاديمي القدير، المتهم – سياسياً- بالعلمانية ممن يتقزمون علمياً وأخلاقياً إزاءه فينطبق عليهم وصف طريف أطلقه أحد طلابهم إذ قال: “يدخلون في الموضوع ولا يدرون كيف يخرجون منه”!.

كان فضوليٌّ يدردش مع بائعة الملوج الساذجة، مستطلعاً رأيها في ذلكم المرشح المثبتة صورته بجدار المطعم الشعبي، فكان ردها حاسماً جازماً، بلهجة صنعانية مميزة: ع سير أرشح العقيد عبدالهادي، قالوا أنه مصلي صايم، ما عيفعل لي العيلماني؟!”.

تلك بائعة الملوج التي خدعوها بقولهم “مصلي صائم”، وضللوها فلقّنوها كلمة لم تُجِد نطقها، فهل تراها وعت دلالتها؟!. .. وأولئك هم المرجفون المرتجفون هلعاً، من كل صوت جريء، ورأي حصيف، وقلب سليم. أفلسوا؛ فلم يقنعوا بضلالاتهم سوى بائعة الملوج، من حيث لا تدري أنهم سرّ بؤسها وشقائها، ووقوفها الذليل، كل يوم على باب المطعم الشعبي، كمن يستجدي!.

تلك هي، وأولئك هُم، ولكن ليس كل الشعب بائعاً للملوج.

*صحيفة الشرارة – المكلا:العدد  821، 16/6/1993م