fbpx
حول اغتيال الشهيد اللواء سالم قطن

حول اغتيال الشهيد اللواء سالم قطن 

د. عيدروس النقيب 

 

ما يزال الاغتيال والموت هو الحدث الأبرز في اليمن، بعد الانهيار الأمني والعسكري الذي وصلت إليه البلد بفضل السياسة (الحكيمة) لـ(الزعيم الرمز) الذي حول البلد إلى مجموعة من القطاعات المفككة والقابلة للانفصال عن بعضها البعض.
مقتل الشهيد اللواء سالم علي قطن قائد المنطقة الجنوبية، جاء بعد نجاحات كبيرة حققها الرجل منذ توليه قيادة المنطقة الجنوبية خلفا لمهدي مقولة الذي كان الرئيس المخلوع يهيأه نائبا له ثم رئيسا، لمواجهة مطالب الثورة الشعبية التي اندلعت في العام 2011م.
اللواء قطن قائد عسكري متميز، اتصف بالمهنية والمهارة العسكرية والبساطة في حياته اليومية، وقد تعرفت عليه من خلال العديد من المتابعات عندما كان نائبا لرئيس هيئة الأركان العامة لشئون القوى البشرية، ثم عندما كنت عضوا في اللجنة البرلمانية في صعدة أثناء وبعيد الحرب الرابعة، كما لازمنا يوما بيوم أثناء استقبال وتشييع جثمان الفقيد العميد بدر السنيدي، باعتبارهما زميلان في الدفعة الثانية من خريجي الكلية العسكرية بعدن في مطلع السبعيات من القرن الماضي.
اللواء قطن يتميز بالمهارة العسكرية الفائقة والصدق في تعامله مع هذه المهنة وفي علاقاته اليومية، وقد تجلى ذلك في النجاحات التي حققها وزملاءه في الحرب على الإرهاب في الشهرين الأخيرين، والتي أسفرت عن استعادة محافظني أبين وشبوة، من أيدي العصابات التي كان الرئيس المخلوع يخطط لتمكينها من السيطرة على كل الجنوب، والسؤال الذي يطرح نفسه هو : من المستفيد من عملية الاغتيال الإجرامية هذه؟
لست بصدد تفنيد أو إنكار أو تكذيب ما جاء من اعتراف لتنظيم القاعدة بتبنيه هذه العملية، فهذا الأمر صار معروفا، لكن السؤال هو هل كان تنظيم القاعدة وحده هو من نفذ تلك الجريمة البشعة؟ أم إن له شركاء سهلوا وربما خططوا وشاركوا في التنفيذ؟
ليست القاعدة وحدها هي المتضرر من نجاحات اللواء قطن ورفاقه من الجنود والضباط واللجان الشعبية، وإذا ما رجعنا إلى الوراء أشهرا فقط وتذكرنا كيف كان قائد المنطقة الجنوبية السابق (مهدي مقولة) يعمل على تسهيل نجاح جماعة أنصار الشريعة ويوفر لهم الميسرات اللوجستية والفنية، والمعنوية، ويمنع القوات من التقدم باتجاه أماكن تمركزهم، بل ويسهل لهذه الجماعة عمليات أسر وقتل الجنود وتمكيينها من الاستيلاء على العدة والعتاد الخفيف والمتوسط والثقيل، وليس الاستيلاء على مصنع الذخيرة في الحصن إلا واحدة من تلك العمليات المنسقة بين قيادة المنطقة الجنوبية وجماعة أنصار الشريعة. . إذا ما تذكرنا كل ذلك فلنا أن نعلم أن نجاحات الحملة التي قادها اللواء قطن، لا بد أن تثير غيرة وغضب واستياء سلفه ومن يقف وراءه، فلا شك أن مقوله ومن وراءه كان يتلقى أخبار اندحار القاعدة بمرارة واستياء لا يقاسان، وإذا ما تذكرنا التنسيق الوثيق بين القاعدة وبين بعض مراكز صنع القرار في المؤسسة العسكرية الموالية للرئيس المخلوع، يمكننا أن نتصور أن المتسول الصومالي الذي وقف أمام منزل الشهيد قطن لم يكن سوى أداة بيد مراكز قوى أعلى وأكبر، من المتضررين من نجاحات الشهيد قطن الذي برهن ورفاقه بأن القاعدة وأنصارها ليسوا قوة عصية على المواجهة والهزيمة كما أراد المخلوع وأنصاره أن يقنعونا وإن قهر هذه المجموعة ليس فقط أمرا ممكنا بل وواجبا وطنيا وأخلاقيا فوق إنه واجب عسكري.
استشهاد اللواء قطن خسارة كبيرة لكل المخلصين للوطن والباحثين عن الحياة المستقرة الآمنة لكل أبناءء البلد، بقدرما يمثل خسارة لأهله وأصدقائه ورفاقه، ولئن كان الشهيد قطن قد غادر هذه الدنيا المليئة بالموبقات والمنكرات ومات شهيدا يدافع عن الوطن ويتصدى للمجرمين والإرهابيين، فشتان بين موت وموت،. . . شتان بين موت يبقي صاحبه خالدا في قلوب ومشاعر الملايين ممن عرفوه واقتربوا من خصاله الرفيعة وموقفه الشجاعة، وبين موت يغيب صاحبه فلا يذكر إلا بالمساوئ والبصمات السوداء التي يتركها لتذكر الأجيال بما جناه هؤلاء بحق الوطن والمواطن، . . شتان بين موت يذكر صاحبه بالذكرى الطبية والسمعة الحسنة، وموت لا يذكر صاحبه إلا ملحقا بصفات الذم ومشاعر التقزز والقرف لما تركه أصحابه من آثار تبقى أضرارها في طول وعرض التاريخ.
إننا نطالب هنا بضرورة تشكيل لجنة لتقضي الحقائق لكشف ملابسات مقتل الشهيد قطن، ومن خطط ومول ونفذ هذه الجريمة النكراء، والبحث في سر ما سرب من معلومات عن تكثيف الاتصالات بين عمليات مكتب الرئيس المخلوع وتتبعهم للشهيد خلال الأيام والساعات القليلة قبيل استشهاده.
سيظل الشهيد قطن صورة للقائد العسكري المخلص والصادق والوفي لمهمته، والرافض للخنوع والتركيع والابتزاز، . . . رحم الله الشهيد قطن، وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله وذويه وكل محبيه الصبر والسلوان، . . .ولا نامت أعين الجبناء