fbpx
حذار من عود الثقاب إن اشتعل!

د عيدروس نصر ناصر

تتضاعف الازمة اليمنية بأبعادها المختلفة ويتداخل فيها البعد السياسي بالاقتصادي بالأمني بالاجتماعي، لكن العنصر المخيف في الأزمة هو اقترابها من حافة الانفجار العسكري الذي إن حصل فإن السيطرة عليه ستكون من سابع المستحيلات.

يمارس طرفا الصراع في اليمن سياسة (أعني السلطة وجماعة أنصار الله) ، عض الاصابع بحيث يراهن كلا الطرفين على إعياء الطرف الاخر ومن ثم إجباره على القبول بالشروط التي يطرحها الطرف الأكثر قدرة على مواصلة العض، لكن هؤلاء ينسون أنهم ليسوا وحدهم على الساحة وأن لاعبين أخر موجودون وقد يؤدون دورهم من طرف خفي، ليس لانتزاع فتيل الأزمة بل لإذكاء لهيب نارها.

صحيح إن اللاعب الأساسي في الأزمة الراهنة هو الشعب اليمني سواء من احتشد بالملايين وراء الدعوة لإسقاط الجرعة وإقالة الحكومة، أو من خرج محذرا من الخطر المحيق بالجمهورية التي تحولت إلى بقرة الهندوس، يعبدها الجميع دون أن يلمس لها فعلا على الأرض، لكن هذا الشعب ليس سوى واجهة لتمرير أهداف سياسية غير تلك التي يجري الإعلان عنها.

لست من المعجبين بأداء حكومة الوفاق ولا بطريقة تشكيلها، ولي الكثير من الملاحظات على بعض شخوصها، لكن لا بد من الاقرار بأن تعديل أسعار المشتقات النفطية، حتى وإن لم يصل إلى مستوى أسعار ما قبل الجرعة يمثل خطوة مرنة كان يفترض ان تقابل بمرونة مماثلة من قبل الطرف الآخر ، أقصد انصار الله، الذين يصرون على التصعيد إلى ما لا نهاية، كما إن الإقرار بضرورة تشكيل حكومة جديدة يفترض ان يمثل فرصة للحوثيين للكف عن التصعيد بلا هدف نهائي معلن، أما إذا كان الحوثيون يعلنون شيئا ويضمرون شيئا آخر فعليهم ان يعلموا ان الالتفاف حولهم لن يستمر إلى ما لا نهاية.

استمرار التصعيد بلا حدود يجعل الابواب مفتوحة على كل الاحتمالات، وعندما يكون المعتصمون (السلميون) مزودين بالكلاشينكوف ومضاد الطيران والآر بي جي ويقيمون النقاط الأمنية، وينشئون سلطة موازية للسلطة التي تضمحل وتتراجع كل يوم، فإن السلمية مهما كانت درجتها تغدو عنصر حرب كامن قابل للانفجار في اي لحظة ولو عن طريق الخطأ.

لكن الخطأ ليس وحده هو ما قد يشعل الحرب فالعابثون الكبار ما يزالون يتمتعون بمخزون كافي من الغدر والخداع والقدرة على العبث، واحتياط كافي من أعواد الثقاب الكفيلة بإشعال عشرات  الحروب وصنعا لا تحتاج الى اكثر من عود ثقاب واحد لو اشتعل لاندلع الحريق بدون إمكانية للإطفاء بعد ذلك.

ومن المهم هنا التذكير أنه وفي الأشهر الأولى للثورة السلمية في العام 2011م والتي كانت سلمية بكل المعاني، حيث كان المسلحون يتركون أسلحته في بيوتهم ويأتون إلى الساحات مجردين منها، في تلك الأيام تسللت سيارة محملة  بمسلحين وعدد من الأسلحة النارية، إلى وسط ساحة التغيير وأطلق المسلحون النار على بعض الشباب وقتلوا وجرحوا عددا منهم وتناقلت وسائل إعلام “الزعيم” أنباء عن العثور على أسلحة لدى شباب الثورة، فما الذي يمنع هؤلاء من الإقدام على عمل مشابه يستهدف تجمعات أحد الطرفين بهدف دق الإسفين وقدح عود الثقاب خصوصا وإن الأسلحة بما يفوق الكفاية ولدى الطرفين؟

برقيات

*    من حكمة الباري جل صنعه أنه لا يستجيب لدعوة كل من دعاه، وإلا لما بقي في اليمن كائن بشري حي، فالحوثيون يدعون بهلاك الإصلاحيين والإصلاحيون يدعون بهلاك الحوثيين، والسلفيون يدعون بهلاك العلمانيين والقوميين، وخطباء الحراك يدعون بحريق صنعاء وهلاك كل الأحزاب يمنية المنشأ والتسمية، والأفغان العرب يدعون بهلاك الجنوبيين، وهذا يرينا كم الإسلام برئي من كل هؤلاء وكم هم بعيدون عن الإسلام الحقيقي.

*    قال الشاعر العربي أبو الطيب المتنبي:

أمّا الــــــــــــفِراقُ  فإنّهُ  ما أعْهَدُ           هُوَ  تَوْأمي  لوْ أنّ  بَيْناً يُــــــــولَدُ

ولَقَد عَلِمْنا أنّنا سَنُطــــــــــــــيعُهُ            لمّا عَلِمْنَا أنـــــــــــــــــّنَا لا نَخْلُدُ

وإذا الجِــــــــيادُ أبا البَهِيِّ  نَقَلْنَنا           عَنكُم فأرْدأُ ما ركِـــــبتُ  الأجوَدُ

مَن  خَصّ  بالذّمّ  الفراقَ  فإنّني           مَن لا يرَى في الدهر شيئاً يُحمَدُ