fbpx
الثورة اليمنية نجحت فقط في تخطى النظام تبعات الربيع العربي

 الثورة اليمنية نجحت فقط في تخطى النظام تبعات الربيع العربي 

محمود السنمي

النظام الحاكم أو مراكز القرار والقوى المهيمنة في أي مجتمع ما بمفهومها الشامل يمكن تحديدها بأنها القوى أو الكيانات أو التجمعات أو الأفراد أو غيرهم ممن بيدهم إتحاد القرارات الكبرى وممن ينالون نصيبا وافرا من مغانم النظام ومكاسبه ونفوذه السلطوي والمعنوي، وممن شاركوا في بنيته الأساسية وكانوا رموزا له وارتبطوا بنيويا به وارتبطوا في أذهان العامة به وأرتبط وجوده بهم، وممن لا يمكن اعتبارهم أناسا عاديين أو حتى أصحاب نفوذ عاديين.

وقد يكون هؤلاء في قمة السلطة فعليا وقد يكونون في قمة السلطة أيضا حتى دون شغل منصب رسمي.

وحين يثور شعب ما على نظامه ويسقطه فأن من أولى أولويات الثورة ومما علمنا التاريخ أنه تحصل غربلة وإعادة قلب للطبقات المسيطرة ومراكز القرار فتظهر أخرى جديدة وتختفي القديمة وتهمش أو يقل دورها بل وقد يتم التنكيل بها وبطرق وحشية، إلا أن من المؤكد أنه لا ثورة حقيقية وجدت وبقيت نفس القوى المهيمنة ونفس مراكز ونفس الطبقات المسيطرة والمستفيدة قبل وبعد تلك الثورة كما هي وبقيت مستفيدة دون تغيير جوهري وفي المضمون فما بالك بأن يكون لا وجود للتغيير حتى في الشكل والوجوه دون محاسبة لا جنائية ولا سياسية وأخلاقية ومالية ولا غيرها من أشكال المحاسبة والمسألة.

ولا يستطيع عاقل أن يتحدث عن ثورة على نظام أتت بنفس النظام القديم بكل بنيته وبكل مستفيديه وبكل رموزه بل وحتى بكل أساليب حياته وإداراته وسلوكه كنظام شكلا ومضمونا وبلا أي شكل من أشكال المحاسبة والمسألة بشكل تام، ناهيك عن الحديث عن أن هذه الثورة انتصرت.

ولكي لا أطيل نظريا، وفعلا أنا لا أحب الإطالة نظريا لأنها أمر ممل للقارىء ولي قبله.. دعونا نناقش ما سميت الثورة اليمنية وهل فعلا هي ثورة وهل فعلا انتصرت ونجحت وفي ماذا انتصرت ونجحت نجاحا مبهرا ؟؟

فإن كانت ما تسمى ثورة يمنية نجحت في شيء فهي نجحت فقط فإن أن ينجو النظام اليمني من تبعات وعواقب ما سمي الربيع وأنها مكنت هذا النظام من أن يعيد إنتاج نفسه وبنجاح منقطع النظير وبأقل ضرر ممكن في وقت ثورجي عاصف كهذا، فعاد النظام كما كان حرفيا بنفسه البنية وبنفس الوجوه تقريبا.

وبالحديث عن ما يسمى النظام اليمني فلا يمكن اعتبار من يسمون جزء من الثورة ومنضمون لها من رموز النظام اليمني الفعلية كآل الأحمر وعلي محسن ( الأحمر سابقا – الحاج حاليا ) وتجمع – الأخونجية ومنهم الزنداني والأنسي واليدومي … الخ وعدد كبير من أهم العسكريين والسياسيين والوزراء والسفراء وكبار موظفي الدولة بيروقراطيها وكبار نافذي النظام والمستفيدين منه … الخ، لا يمكن اعتبارهم ليسوا جزءا فاعلا من النظام سابقا بل أني أزعم أنهم أهم جزء فاعل وفعلي في النظام.

وهؤلاء عادوا للنظام الجديد – القديم بدعوى أنهم ثورجية وأنهم انضموا لما تسمى ثورة وأصبحوا من كبار رمزها بل وحماتها كما يحلو للبعض تسميتهم.

وهنا يغيب عنا أمر مهم وهو أن قبولهم في ماتسمى ثورة وحتى إسقاط المعاقبة الجنائية عنهم وعما ارتكبوه كركن من النظام وتخلية المسؤولية الجنائية كاملة عنهم كل هذا شيء يمكن قبوله ولو على مضض.

أما أن يمتد هذا القبول ليترافق أيضا بإسقاط المحاسبة السياسية – كمنعهم من أي نشاط سياسي مستقبلي أو من تولي أي وظيفة أو منصب سياسي لأنهم كانوا ركنا من الماضي-،، والمالية – كاستعادة كل ما كسبوه واستفادوه نتيجة وجودهم ركنا أساسيا من النظام وغيرها من أشكال المحاسبة المالية كمنعهم من النشاط المالي والاقتصادي وغيره دون أن يترافق بعقوبات جنائية في حال استبعدنا العقوبات الجنائية عنهم -، أن يمتد هذا القبول وبإستبعاد المحاسبة الجنائية والسياسية والمالية وغيرها من أنواع المحاسبة بل والأدهى أن يترافق هذا الاستبعاد باعتبارهم رموزا للثورة التي كانوا ركنا أساسيا من النظام الذي تثور ضده واعتبارهم وفق ذلك التوصيف ركنا أساسيا من النظام الجديد الذي أنتجته الثورة فتلك فعلا مصيبة وذلك يعني أننا لسنا أمام ثورة فعلية بأي شكل من الأشكال.

ووفقا للتوصيف السابق فأننا أصبحنا أمام نصف النظام السابق على الأقل عائدة كممثلة وكرموز لثورة ضد نظام كانت ركنا أساسيا له.

وليت الأمر توقف هنا بل أن المضحك – المضحك أن هذا النصف النظامي – الثورجي أصبح من يمثل الثورة ويتفاوض مع النصف الآخر دون أي وجود ولو شكل للثورجية أصبح هذا النصف يتفاوض مع النصف الآخر ويوقع معه اتفاقيات فيعطيه النصف المتبقي من النظام الجديد الذي يفترض أن تنتجه ماتسمى ثورة، ويعطيه ويعطي نفسه معه حصانة عن كل أنواع المحاسبة الجنائية والسياسية والمالية والأخلاقية وينعم عليه بنصف السلطة ومغانمها ونفوذها .. الخ

وبهذا فأننا أصبحنا أمام نظام الثورة الجديد مكون حرفيا من نفس النظام القديم ( نصف بدعوى أنه أنضم للثورة وأصبح ممثلا لها والنصف الآخر بدعوى أنه من فاوضته الثورة واتفقت معه على حلول وسطى لكي لا ينفجر الوضع ولكي يتم الانتقال المرحلي لما بعد المرحلة الثورية).

أي فعليا أمام النظام القديم نفسه بكل مكوناته بإستثناء شكلية شخص هنا أو اسم هناك، كل هذا تم علنا وبشكل واضح بل وبدعم خارجي إقليمي – عربي ودولي – غربي وأمريكي تحديدا لنصل لهذه النتيجة، النتيجة التي تقول أن ما جرى فيما يسمى الثورة اليمنية ليس إلا طريقة استطاع بها النظام أن ينقذ نفسه ويعيد إنتاج نفسه ويتجنب عواقب السقوط وينجو من عاصفة إسقاط الأنظمة فيما سمي ثورات عربية وربيع عربي.

ولنجد أنفسنا بعد ذلك أمام نظام ثورجي لا يختلف عن النظام الذي ثار ضده وأنه أستطاع وبالتعاون أو حتى بالصراع والتنافس بين قسميه أن يساعد نفسه ويحصل على شرعية العودة من جديد – هذا أصلا إن كان ذهب.

وباختصار إن كان لما تسمى ثورة يمنية إنجازا خارقا ومبهرا فهي أنها مكنت النظام اليمني بمعناه الحقيقي والفعلي والصحيح والشامل لا بمعناه الغوغائي الشعبوي الإنتقائي ، مكنته من أن يتخطى عواقب وتبعات مايسمى الربيع العربي ليعود كما كان وربما أقوى ، وبشرعية ثورية دون أن يقدم تنازلات جوهرية تذكر وأن هذا تم بدعم خارجي وبغياب وعي وتبعية داخليين.

أفلا ترون هذا الأمر معي يبدو جليا واضحا بعد أن أصبحنا أم صورة شبه نهائية ؟؟؟..