انهيار مفاجئ:
لم تستطع القوات العراقية بمفردها مواجهة مقاتلي تنظيم “داعش”، حيث هرب الجنود متنكرين فى ثياب مدنية خوفًا من المواجهة، وفقًا لبعض التقارير، مما أثار تساؤلات عديدة حول أسباب هذا الانهيار المفاجئ للجيش العراقي. وفي هذا السياق، انقسمت التفسيرات إلى أكثر من اتجاه.
إذ رأى أحد الاتجاهات أن انسحاب القوات العراقية وعدم صمودها فى القتال يعود إلى تخلي العشائر السنية عن مساندتها، لا سيما في ظل الاتهامات العديدة التي توجه لحكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بتبني سياسة طائفية ساهمت في تكريس سيطرة الشيعة على مقاليد السلطة مقابل تهميش متعمد للسنة.
في حين رأى اتجاه آخر، أن المواجهات التي تدور في الوقت الحالي لا تخفي أن ثمة حراكًا احتجاجيًا بدأ يظهر في الموصل والأنبار وغيرها ضد السياسات التي تتبعها الحكومة العراقية، وهو ما دفع بعض الأطراف الدولية والإقليمية إلى التأكيد على أن مواجهة “داعش” تتطلب في المقام الأول إجراء حوار سياسي وطني لا يستبعد أيًا من مكونات المجتمع العراقي، باعتبار أن ما حدث كان جزءا من حالة التهميش والاستبعاد التي تعرضت لها بعض تلك المكونات.
وبعبارة أخرى، فإن الصرع الحالي بين “داعش” والدولة العراقية لا يكشف إلا عن قسم يسير من حالة التوتر والاحتقان التي تشهدها المناطق السنية التي اندلعت فيها المواجهات، والتي تعود إلى اعتبارات سياسية واجتماعية واقتصادية عديدة، بما يعني أن التوصل إلى تسوية للأزمة الحالية لا يرتبط فقط بمواجهة تنظيم “داعش”، بقدر ما يتعلق باحتواء مكامن الخلل والأزمات التي تعاني منها تلك المناطق.
ويستند هذا الاتجاه إلى البيان الذي أصدرته هيئة علماء المسلمين (السنية)، والذي رغم أنها رحبت فيه بـ”هدف الوصول إلى بغداد”، باعتبار أن “النظام الحاكم يوجد هناك، ومصدر القمع والجرائم ضد الشعب، ولذلك لا يوجد طريق آخر لرفع القيد طالما فشل النظام في رعاية الآخرين”، إلا أنها أكدت فيه أيضًا على أنه “ليس من حق أى جماعة أن تدعي أنها تمثل كل الثورة أو أن تتخذ قرارات استراتيجية دون تشاور”، في إشارة إلى رفضها بعض السياسات التي يتبناها تنظيم “داعش”، والتي يمكن أن تؤدي إلى اندلاع موجة من المواجهات الطائفية من جديد داخل العراق، وربما تخصم من الحراك الاحتجاجي الذي تشهده بعض تلك المناطق .
تداعيات متعددة:
وبالطبع، فإن التقدم الكبير لمقاتلى “داعش” ونجاحهم في السيطرة على العديد من المدن العراقية، سوف يفرض بعض التداعيات الخطيرة التي ربما تتجاوز الحدود العراقية لتمتد إلى بعض دول المنطقة، ولا سيما دول الجوار، والتي يمكن تناولها على النحو التالي:
1- توفير ممر للمسلحين بين محافظتي الأنبار والموصل وبين الحدود السورية، وهو ما يمكن أن يسهل عمليات تهريب الأسلحة والأموال والمقاتلين بين مختلف جبهات القتال. وقد أشارت تقارير عديدة إلى أن مقاتلي التنظيم استثنوا المدرعات من معدات الجيش العراقي التي أتلفوها، حيث قاموا بإرسالها إلى مناطق القتال في سوريا.
2- تدفق المئات من الجهاديين إلى العراق من جديد، تحت شعار “الجهاد من أجل نصرة أهل السنة ضد الطائفة الشيعية”، وهو احتمال من شأنه تحويل العراق، خلال الفترة المقبلة، إلى “بؤرة جهادية جاذبة”، بشكل يمكن أن يساهم في توفير امتداد جغرافي واسع للتنظيمات الجهادية في المنطقة، حيث يمكن أن تنتقل بسهولة بين سوريا والعراق في هذه الحالة.
3- تزايد احتمالات اندلاع حرب طائفية جديدة في العراق، خاصة بعد دعوة التنظيم لمقاتليه بـ”الزحف إلى بغداد وكربلاء”، حيث قال المتحدث باسم التنظيم أبي محمد العدناني في هذا السياق أن “تصفية الحساب لن تكون في سامراء أو بغداد، وإنما في كربلاء والنجف”. وبالطبع فإن ذلك سوف يدفع القوى والميليشيات الشيعية إلى الدخول في مواجهات عسكرية مع التنظيم، بشكل سوف يؤدي في كل الأحوال إلى تصاعد حدة عدم الاستقرار في العراق.
4- انتقال عدوى المواجهات المسلحة في العراق إلى دول الجوار، خاصة إذا ما أخذ الصراع بعدًا طائفيًا، بشكل يمكن أن يدفع دولا مثل إيران إلى تقديم مساعدات مباشرة إلى الحكومة العراقية بهدف مواجهة عمليات التنظيم وإجهاض خططه للتحرك نحو بغداد.
وفي النهاية يمكن القول، إن المواجهات المسلحة التي تدور في الوقت الحالي بين تنظيم “داعش” والقوات العراقية، ربما تدل على مدى ضعف الأخيرة، إلا أن الدلالة الأكثر أهمية تكمن في أن العشائر السنية قد تمثل “كلمة السر” في الصراع المتصاعد بين الطرفين، بشكل يمكن أن يحولها إلى الرقم الأهم في ترجيح كفة أي منهما في المواجهات الحالية.
* المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية القاهرة – علي بكر