fbpx
صقور البتاجون العمياء وضحاياها .. ومن المسؤول والى متى ؟!

د. قاسم المحبشي

“حينما يصمت العالم إزاء قتل الناس بدون محاكمات عادلة فاعلم ان الإنسانية على شفير الهاوية ” .                                                                                   

ليس هناك ما هو أفدح من الجريمة التي ارتكبتها النخب السياسية العربية التي اغتصبت السلطة بدعم وإسناد قوى الهيمنة العالمية الغربية والشرقية والصهيونية، إذ لا مثيل لتلك الجريمة الفادحة التي ارتكبتها تلك الكائنات القروسطية التسلطية البطريكية العربية بحق شعوبها المغلوبة على أمرها، إذ انها لم تكتفي بنهب وسرقة خيرات شعوبها، ولا بقمع وإذلال وقهر رعايها، ولم تخجل من عجزها في توفير الحدود الدنيا من أسباب الحياة الكريمة لرعاياها، وتأمين الحد الأدنى من شروط التربية والتعليم والتنمية والتأهيل للأجيال الجديدة من الأطفال والشباب بما يساعد على إدماجها في مجتمعاتها وصونها من الضياع، وتوظيف طاقاتها الشابة بما فيه الخير والنفع الخاص والعام والعيش الكريم والأمن والأمان والصحة والعافية والعدل والحرية والاستقرار والسلم والسلام .

كل النظم العربية بلا استثناء وبعض الاسلامية بنسب متفاوتة من المحيط إلى الخليج من المغرب إلى المشرق، إرتكبت أفدح جريمة مركبة في حق شعوب مستعمراتها المغتصبة بمختلف شرائحها الاجتماعية ومنها قوى الطفولة والشباب التي تعمدت تهيئتها وعدادها إعدادا منهجياً لتكون كائنات تجارب، وأهداف سهلة لأسلحة الشركات الغربية والشرقية الحديثة، ومنها طائرات بدون طيار الأمريكية التي تسرح وتمرح في سماء الرعويات العربية بمطلق الحرية بلا حسيب ولا رقيب، كما تحلق النسور الجارحة فوق الجيف المهملة !!!

أعطني بلدا أخر في هذا العالم المترامي الأطراف تفعل به طائرات بدون طيار الأمريكية ما تفعله في المجتمعات العربية بتواطىء مهين من المتحكمين بالقرار ؟!

هذا ما أكده الباحث الامريكي بيتر بيرغن، محلل شؤون الأمن القومي ورئيس مؤسسة ” أمريكا الجديدة ” اذ كتب قائلاً : “بعكس باكستان، المكان الذي قام فيه الرئيس الأمريكي جورج بوش بتسريع حملة الطائرات بدون طيار، الخاصة بجهاز الاستخبارات او مايعرف ب CIA، نلاحظ انه، وخلال الفترتين الرئاسيتين لبوش، هناك ضربة واحدة فقط تم تنفيذها في اليمن … بينما غدت حرب الرئيس الامريكي باراك أوباما بطائرات بدون طيار باليمن عالية الخطورة اذ بلغت 92 ضربة فضلاً عن الضربات الاخرى بأسلحة اخرى أودت بحياة ما بين ” 753 ” إلى “965” شخصاً فضلاً عن اغتيال اكثر 81 مدنيا، وأوضح بيرغن أن ضربات طائرات بدون طيار لا تستهدف عناصر معروفة بدقة بقدر ما تستهدف أشخاصاً يشتبه بسلوكهم وحركتهم ” . وفي تقرير للقناة 24 الفرنسية قبل اسابيع بعنوان ” لماذا ضربات الطائرات بدون طيار تتكثف في اليمن وما مدى فعاليتها ؟ ” جاء فيه “شهد اليمن خلال أسبوع حملة قصف غير مسبوقة للطائرات بدون طيار الأمريكية … وبلغ عدد الضربات في اليمن بلغ أكثر من 120 ضربة منذ العام 2002، منها 39 في 2013 و36 منذ مطلع العام الحالي، عملاً باتفاقيات “مكافحة الإرهاب ما بين البلدين التي وقعت أيام الرئيس السابق علي عبد الله صالح ويستمر العمل بها إلى يومنا هذا.

بالرغم من إدانة “منظمة العفو الدولية” لهذا النوع من الضربات.

وأكدت المصادر المطلعة ” ان العديد من الذين قضوا في الضربات الاخيرة كانوا من حديثي الانضمام للتنظيم” ما يفسر تواجدهم في معسكر للتدريب.، … بل وربما يفسر ان هذا الضربات لم تثني عناصر التيارات المتشددة من مواصلة عمليتها العنفية بل أن تكثيف هذه الضربات له رد فعل سلبي على هيبة وسطوة النظام اليمني ككل، حيث يظهر بموقف ضعيف وعاجز أمام شعبه الذي يدفع فاتورة هذه الضربات أينما وقعت.

وهذا واقع لا يمكن نكرانه إن كان في اليمن أو في أي بلد آخر كباكستان وأفغانستان، فكل الدراسات تشير إلى أن هذا النوع من الضربات له دور أساسي في إضعاف هيبة البلدان المستهدفة، كما أنها تُقرب ما بين الفصائل الجهادية وحاضنتها ألشعبية خصوصا عند وقوع خسائر في صفوف المدنيين ” .

فمن المسئول يا ترى عن أرواح ألاف الشباب العرب والأجانب الذين تغتالهم كل يوم طائرات من دون طيار الجهنمية مثل العصافير في كل مكان ومن دون اي محاكمات بل ولا احد يعلم حقيقة ذنبهم حتى ينفذ بحقهم هذا الحكم الجائر الذي لم يقره لا عرف ولا دين ولا شرع ولا قانون ولا قيم ولا أخلاق ولا ضمير !.

لا اقول ذلك مدفوعاً بأدنى شعور من التعاطف مع التطرف أو الإرهاب من إي شكل ولون كان، بل أرفض وأدين الإرهاب بكل صوره وأشكاله وحيثما وجد، ولكن أشدد هنا على المسؤولية القانونية والأخلاقية الشرعية والسياسية التي تقع على عاتق الحكام المعنيين بحماية الناس من بعضهم ومن غيرهم، فإذا لم تكن تلك هي مهمة ومسؤولية الدول المعنية، فمن هو المسئول عن تلك الجرائم والى متى يستمر هذا الخيار، والمدخل الأمني العنفي في حل هذا المشكلة الخطيرة مشكلة التطرف والإرهاب التي تم تصنيعها في دوائر الاستخبارات الغربية والأمريكية على نحو خاص في زمن الحرب الباردة جهادا مستحباً لأغراض ومصالح سياسية وإيديولوجية معروفة !!

وما دام الرجال مازالوا يتزوجوا النساء وينجبوا أبناء وبنات جدد بإستمرار وفي بضع سنوات سوف يصيروا شباباً وفي ظل انسداد الأفاق وانعدام الفرص الممكنة للعيش الكريمة، فمن المؤكد بان الحرمان والإحباط سوف يدفعهم دفعا لركوب الأخطار وتجريب إي فرص ممكنة لإثبات الذات وتأكيد وجودها وقيمتها وقدرتها على الفعل حتى وان كان ذلك الفعل يعني الانتحار ؟! والحرية هي صراع من اجل الاعتراف … يا بلد تمثال الحرية النحاسية.

وهذا ما يراه الدبلوماسي الألماني يورغن كروبوغوكيل وزارة الخارجية الاسبق معرباً عن تشاؤمه من تمكن اليمن السيطرة على القاعدة وحل مشكلة الارهاب بهذه الطريقة العسكرية قائلا : ” اني ارى ان الحلول العسكرية ضد الإرهاب في هذا البلد المنقسم ( يقصد اليمن ) ليس ممكناً بالمرة، في الحقيقة يمكن التغلب على مثل هذه التحديات الأمنية من خلال الحوار على المستويين الداخلي والإقليمي من خلال إشراك المملكة العربية السعودية، من أجل التوصل إلى معادلة حكم مختلفة، أكثر ديمقراطية وأقل فساداً. لكن توجد الكثير من العوائق التي تجعل نجاح أي حل غير ممكن على المدى القريب … وأضاف يهيمن على الوضع في اليمن فراغ سياسي، صحيح أن الرئيس السابق علي عبد الله صالح فرض سيطرته على البلد، لكنه فقدها خلال العام أو العامين الأخيرين من حكمه. كان النظام فاسداً لدرجة أن نفوذه لم يتعد محيط العاصمة صنعاء أيضاً. كما شن حروباً عديدة على القبائل، لكنها لم تؤد إلى أي نتيجة. أي أن نظام السابق خلف فراغاً سياسياً لم يستطع سده حتى خلال وجوده في الحكم. وهذا سبب آخر يضع اليمن على شفير هاوية التقسيم.من الطبيعي أن يؤدي الانهيار الاقتصادي إلى تقوية حواضن الإرهاب بمختلف أشكاله وانتماءاته في اليمن لا أرى عملية تحول اجتماعي، ورغم الجهود المبذولة في هذا المجال، لكن ما يحدث الآن هو تصعيد جديد للوضع هناك. وقد تبدو العمليات العسكرية ضد القاعدة هناك مبررة، لكنها سوف لا تأتي بنتائج إيجابية، وهو ما يدفعني إلى أن أكون متشائماً حيال ما يجري في اليمن ”

القتل المجاني هذا لا يستند إلى إي مبدأ أخلاقي، فكيف يمكن تبريره أو السماح باستمراره والتصرف بدون أدنى شعور بوخز الضمير، إذ ان حياة الآخرين هي الشيء الوحيد الذي يستحيل إنكاره، ومهما كانت ((النجاحات المتحققة !! )) من ضربات طائرات بدون طيار ومدى ما تحصده من أرواح الشباب المستهدفين والأبرياء، فمن المستحيل ان تحل الإشكال، بل ربما تزيده اشتعال وتمده بأسباب البقاء والازدهار , هل من سبيل أخر لتدبير الأمر أو وصفة أخرى لعلاج المشكلة يا سيد البيت الأبيض أوباما الاسود ؟!

اعتقد ان ثمة مداخل ونماذج اخرى لحل المشكلة غيرهذا المدخل الامني البشع الذي يستحيل تبريره، مداخل ونماذج اكثر انسانية وعقلانية وايجابية، ومنها المدخل التنموي التعليمي، والمدخل الاقتصادي التنموي الاجتماعي، ونموذج التنمية الثقافية والتنمية المستدامة، ومن المهم ان نبحث بتجرد وموضوعية الاسباب الحقيقة لهذه المشكلة،فاذا ما عرفنا الاسباب استطعنا اقتراح الوصفات العلاجية للمرض، اما الاكتفاء بالإدانة الاخلاقية والإيديولوجية للشباب الذين احرمتهم حكومات بلدانهم من الحصول على فرص الحياة والعيش الكريم والحكم عليهم بالإعدام بهذه الصقور الحديدية العمياء وصواريخها الفتاكة، فهذا معناه اننا في زمن شذ عن مداره، زمن سبق التصور والتصميم، زمن يعيي القدرة على الحكم والتمييز، زمن الجريمة الكاملة حسب البير كامو، اذ كتب في الانسان المتمرد قائلا :” بالأمس كانت الجريمة متوحدة منفردة خجلة واضحة كالصرخة، فاذا بها اليوم تصبح عامة شاملة وقحة وسافرة كالعلم، بالأمس كانت في قفص الاتهام، وهاهي اليوم وقد اصبحت صاحبة الأمر والنهي، ان التهديد المميت الذي يحوم فوق وضعنا، يجعل كل شيء مجدبا ؛ الصرخة وحدها تجعلنا نحيا “